معطيات الحاضر تؤكد لكل ذى بصر وبصيرة أننا مازالنا فى طور صياغة نظام سياسى مكتمل القسمات والمعالم. وقابل للحياة، ويتميز بقدرة فائقة على التجديد والتحديث التلقائى، ويرسى مبدأ التعددية الحقيقية بعيدا عن اللهث خلف الانشغال بكثرة عدد القوى والحركات السياسية فارغة المضمون عديمة الجدوى والقاعدة الشعبية، والتأثير فى الشارع، وأن يقدر على تجهيز بدائل مؤهلة للاستعانة بها وقتما يحتاج الوطن بدون مشقة وعسر، حتى نتحرر تماما من دائرة قلة الكفاءات الصالحة لشغل المواقع القيادية، واضطرارنا الدائم للتفتيش فى دفاترنا القديمة، بحثا عن مغيث ينقذنا وينتشلنا من أزماتنا وعثراتنا. وبما أننا قصصنا اعتبارا من أمس شريط الانتخابات البرلمانية بفتح باب الترشيح فإنه يستحسن الالتزام بأمرين حيويين، أولهما عدم رفع سقف التوقعات لمستويات وافاق تتعارض مع حقائق الواقع وحدوده، فنحن لم نبلغ بعد محطة الاستقرار وستكون هناك عيوب وسلبيات لا حصر لها فى تجربتنا الانتخابية المقبلة، ولا عيب ولا غضاضة فى ذلك لأننا غير مستعدين بعد للوصول إلى قمة الجودة فى الاختيارات اعتمادا على معايير موضوعية. وثانيهما أن هناك حزمة من الممنوعات الانتخابية المفترض تحاشيها فى إطار سعينا لتقليل حجم المثالب المنتظر حدوثها فى جولتى التصويت لانتقاء أعضاء مجلس النواب الجديد المتوقع اضطلاعه بمهمة تلبية طموحات جارفة للذين خرجوا فى ثورتى 25 يناير و 30 يونيو، وأن يؤدى دوره الطبيعى كجهة منوط بها التشريع، ومراقبة السلطة التنفيذية، وتقويمها إذا انحرفت عن الطريق القويم بإضرارها بالمواطنين، ومحاسبة المخطئين والمقصرين من الوزراء وغيرهم من كبار المسئولين في العاصمة وخارجها، فلا مكان ولا مجال لنائب الشاى، والسكر، وطلبات الوظائف، فوجوده سوف يشكل ردة للخلف وليس خطوة للامام. ويتصدر الممنوعات الانتخابية الزج بالرئيس في خضم المعركة الانتخابية عبر الايحاء بمؤازرته لفصيل أو تيار بعينه، فالرئيس يعد رمزًا جامعًا يلتف من حوله الشعب، فهو رئيس الجميع بصرف النظر عن عقيدتهم، وميولهم السياسية، ولهذا لا يعقل وضع صورته على لوحات دعاية المتنافسين حتى ولو كان التبرير أن النية سليمة وخالصة لوجه الله، وأن القصد هو بيان تأييد القائمة لمؤسسات الدولة. المبرر غير مقنع ومردود عليه بأن وسائل التعبير عن دعم الدولة كثيرة ومتنوعة، منها على سبيل المثال وليس الحصر البرنامج الانتخابى الذى تطرحه، أو ما يصدر عنها من رد فعل على القضايا الخاصة بالداخل والخارج. ويعلم هؤلاء أن مثل هذه التصرفات ينتج عنها ردود فعل عكسية من قبل المواطنين الذين باتوا قادرين على الفرز، ومن الصعب خدعهم بأساليب لطالما كانت شائعة في عهود سابقة، بالإضافة إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يحرص على عدم اظهار اى دعم للكيانات والقوى السياسية المتصارعة على كعكة البرلمان، ولا يجوز الزج باسمه في المنافسات الانتخابية المستعرة بين مكونات الحياة السياسية المصرية. ممنوع أيضا الغش بتنوعاته وأشكاله، فبعض المرشحين المحتملين يتصرفون انطلاقا من قاعدة ما يطلبه المستمعون، فإن كانوا يريدون نوابهم ثوارا قدموا أنفسهم باعتبارهم من الطلائع الثورية ومن أوائل الذين زحفوا على ميدان التحرير، لإسقاط نظام حسنى مبارك، وإن كانت الجماهير ترغب في محاربين ومناوئين للفساد الذى أحسبه أشد وطأة وخطرا من جماعات التطرف والإرهاب - كانوا من خصومه، على الرغم من تورط نفر منهم في التعدى على أراضى الدولة وممتلكاتها، ويؤجرون أشخاصا يخضعون نيابة عنهم للكشف الطبى لابد من تحديد دقيق لمساراته وشروطه - وكله بتمنه. وهذه كارثة مروعة، فمصر لا تطمح أن يتولى مقاليد أمورها التشريعية أناس من الوزن الخفيف من عينة عبده مشتاق، فنحن ازاء فئة تنظر لعضوية البرلمان على أنها « سبوبة « لتكوين ثروات، ونقاط ارتكاز نفوذ، وضغط، وحماية من الملاحقة القضائية، أو كغطاء واق لاستثمارات ومشاريع رجال الاعمال الذين منحهم مبارك ونجله امتيازات وتسهيلات ساعدتهم على الانضمام لنادى مالكى المليارات ومن أقرب الأقربين لدوائر صناعة القرار التى كانت توظف لخدمة مصالحهم وصفقاتهم التجارية. وسيكون من العبث واللامعقول أن يصر قيادى بارز وفاعل في الحزب الوطنى المنحل على الترشح بدون اكتراث بالرفض الشعبى لعودته للعمل السياسى، فماذا نسمى هذا؟ وفى حالتنا تلك لا محيص من تطبيق العزل السياسى عليه يجب أن يكون مقصورا على شخصيات معينة وليس على الاطلاق وعلى مَن تلاعبوا بمقدرات ومستقبل وطنهم، ويودون مواصلة ذلك، فالعزل لأمثاله عقوبة مخففة لما ارتكبوه من جرائم بحق مصر والمصريين، واستخفاف بتضحيات العشرات من الشباب والصغار والكبار، ومَن يقدر على منع ذويهم وأصدقائهم وأقاربهم من الانزلاق لمستنقع الاحباط وخيبة الأمل من عدم نيل حقوقهم ممَن كان سببا في دفعهم للثورة على نظام ظل الفشل، وغياب العدالة، وتحدى الرأى العام صفات لاصقه به لثلاثة عقود متوالية. لائحة الممنوعات الانتخابية تشمل كذلك أن يطل علينا من يتحدث بلسان التيار الإسلامى السياسى عن أن اعطاءك صوتك لمرشحيهم في دائرتك كفيل بإعلاء اسهامك وتصنيفك كمدافع عن الدين في وجه مَن يحاولون جعل مصر دولة علمانية تخاصم الشريعة، وتضع العراقيل الواحدة تلو الأخرى حتى لا تقوم الدولة الإسلامية المنشودة في المحروسة، وليحذر الناس من الاقنعة التى سوف يلبسها المرشحون الإسلاميون حتى يتمكنوا من تبوؤ مقاعدهم تحت قبة البرلمان وحينها سوف تسقط ويظهر وجه مماثل لما عرفناه وتابعناه في برلمان 2012 بكل ما اشتمل عليه من نكبات وكوارث. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي