كثر الحديث عن الإرهاب وأسبابه ودوافعه، وكيفية مواجهته واستراتيجيات مكافحته، ولكن ما كان ينقص كل هذه الجهود أنها ظلت تعمل بصورة منفردة سواء على المستوى المحلى أم على المستوى الإقليمى/ العربى . فعلى سبيل المثال رغم الجهود التى تبذلها الأجهزة الأمنية فى مصر فى مواجهة العمليات الإرهابية وتهديداتها، فإن الدولة لا تزال تواجه كل يوم عمليات إرهابية تخطف أبناءنا سواء من المؤسسة العسكرية أو الشرطية، بل تصل مخاطرها إلى المواطن العادى بفعل بعض التفجيرات، وإن تراجعت معدلاتها بفضل هذه الجهود العسكرية والأمنية المبذولة. ولكن تظل النتائج المرجوة دون المستهدف تحقيقه، وهو ما قد يجد تفسيره فى تقاعس بعض أجهزة الدولة المعنية عن القيام بدورها المنوطة به. فكما سبق القول فى هذا المكان وغيره من مقالات وتحليلات عديدة تحدثت عن أن محاربة الإرهاب وتفكيك شبكاته لا يمكن أن تتم بجهود الأجهزة الأمنية فحسب، بل تتحمل بقية مؤسسات الدولة مسئوليتها فى هذا الشأن. وإدراكا لعظم المسئولية وفهما لمقتضيات الدور الذى تتحمله مصر فى الذود عن شعوب المنطقة ودولها ضد مختلف التهديدات والتحديات، استضافت مكتبة الإسكندرية، مؤتمرا عربيا بعنوان «نحو استراتيجية عربية لمواجهة التطرف». ومن دون الدخول فى تفاصيل المؤتمر وجدول أعماله الذى امتد على مدى ثلاثة أيام، يمكن أن نسجل ثلاث ملاحظات مهمة بشأنه على النحو التالى: أولا - هدف المؤتمر إلى رسم مسار المواجهة الفكرية للإرهاب والتطرف الذى هدد دول المنطقة، من خلال البحث عن آليات تعيد بناء الفكر الإسلامى من خلال خطاب توعوى يحمل الفكر الإسلامى الصحيح تجاه مختلف القضايا المعاصرة بعيدا عن التشدد، مع تحديد مسئوليات ودور كل القوى السياسة والاجتماعية والفكرية الفاعلة فى العالم العربى فى مواجهة التطرف عبر التوصل الى استراتيجية عربية موحدة تحدد مهام كل جهاز من أجهزة الدولة. وقد نجح المؤتمر فى تحقيق هدفه عبر المشاركة المتنوعة للعديد من الساسة والمفكرين والمثقفين والباحثين من مختلف البلدان العربية وفى المجالات كافة، بما أسهم بلا شك فى وضع خبرات كل دولة أمام الجميع للاستفادة منها من جانب وتقييمها من جانب آخر، حيث تمازجت الأفكار وتنوعت الآراء واختلفت المواقف، ليخرج الجميع برؤية متناغمة ومترابطة ومتكاملة. ولكن، يظل الأهم من التوصل إلى هذه الرؤية هو كيفية تنفيذها . ثانيا - رغم الجهود المبذولة لإنجاح هذا المؤتمر فإن ما غفل عنه وربما جاء ذكره على استحياء أن المصدر الأول والسبب الرئيسى وراء انتشار الإرهاب والعنف والتطرف فى المنطقة هو سياسة الاحتلال التى تعانى منها المنطقة منذ ما يزيد على نصف قرن أى منذ الاحتلال الإسرائيلى للدولة الفلسطينية والممارسات العنصرية والارهابية تجاه الشعب الفلسطينى المحتلة أرضه. يضاف إلى هذا الاحتلال القديم احتلال جديد بوجود أمريكى/ أوروبى فى العراق وممارساته اللاانسانية، فضلاً عن تداخلاته المستمرة فى شئون دول المنطقة ومحاولة اللعب على تكويناتها المتنوعة عرقيا ودينيا ومذهبيا وطائفيا. ثالثا - ما خرج به المؤتمر من استراتيجية شاملة وتوصيات فى ضوء الخبرات العربية المتبادلة والاستفادة من الرؤى التى طُرحت، يتطلب ضمان تنفيذها أمرين: الأول، أن تُشكل لجنة من الخبراء والمتخصصين تُعنى بمتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية وتحويلها إلى سياسات وبرامج تنفيذية قابلة للتطبيق فى الدول العربية شريطة مراعاة الخصوصية الذاتية لكل طرف عربي، مع الأخذ فى الاعتبار أن الخبرة السابقة فى العالم العربى تُنبئ بأن تشكيل اللجان لمتابعة قضايا معينة لا تأتى بنتائج إيجابية، ولكن هذه الخبرة ارتبطت بشكل رئيسى باللجان الرسمية، وإنما المقترح أن تضم هذه اللجنة ممثلين عن الجهات الرسمية وعددا من المتخصصين والخبراء المعنيين لضمان فعاليتها وقيامها بمهمتها على الوجه الأكمل. أما الأمر الثانى، إذا كان من المطلوب إحالة هذه الاستراتيجية إلى الجامعة العربية لاعتمادها فى قمتها القادمة فى مارس 2015، فإنه من المهم بل من الضرورى أن تتحول هذه الفعالية إلى مؤتمر سنوى يحمل العنوان نفسه، بحيث يقدم كل عام كشف حساب عما تم فى العام السابق بشأن هذه الاستراتيجية، ويناقش فى الوقت نفسه الخطط المستقبلية فى ضوء المستجدات والتحديات الجديدة. لمزيد من مقالات عماد المهدى