إيران وطموحاتها الإقليمية كانت وستظل مصدر جذب لكل متابع لما يحدث فى الشرق الأوسط بوجه عام وفى منطقة الخليج والعراق و"بلاد الشام" على وجه التحديد. عام التحركات الإيرانية عندما حل شهر سبتمبر من عام 2014 فرض مصطلح "هلال النفوذ الإيرانى" نفسه بقوة على مجريات الأحداث فى الشرق الأوسط بوجه عام وفى شرق العالم العربى وجنوبه الشرقى على وجه الخصوص. فالحديث عن إتساع رقعة النفوذ الإيرانى بالمنطقة العربية وتمدده بدول الشام والخليج جاء بعد سلسلة من الأحداث التى شهدها العام وكانت إستمرارا وتطورا طبيعيا ومنطقيا للجهود التى تبذلها إيران فى السر والعلن منذ سنوات وربما عقود سابقة. فقد حمل شهر سبتمبر 2014 أنباء سقوط العاصمة اليمنية صنعاء فى يد مسلحى جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) المدعومين من إيران. وثارت العديد من الأسئلة المتعلقة بالدور الإيرانى فى المنطقة بوجه عام وفى اليمن بوجه خاص، وماهية الإستراتيجية الإيرانية الإقليمية تجاه دول المشرق العربى فى منطقة الشام ودول الخليج العربية بعد تلك الخطوة ذات الأثر الإستراتيجى الخطير على المنطقة والعالم. وقد بدا من الواضح ان إيران قد وضعت المنطقة على قائمة أولوياتها منذ فترة بعيدة إنطلاقا من حقيقة جغرافية سياسية تقول إن جميع صادرات البترول والغاز الإيرانية تقريبًا تمر عبر الخليج العربى والمحيط الهندى فى طريقها إلى السوق الدولية. وكذلك، تمر جميع واردات إيران تقريبًا حول القرن الأفريقى أو عبر المحيط الهندى فى طريقها إلى موانئ إيران المطلة على الخليج. ويعد أمن المسارات البحرية فى شرق أفريقيا وخليج عدن وبحر العرب ومضيق هرمز ضروريا لإيران. ومنذ تأسيسها تسعى إيران إلى توسيع نفوذها فى جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه من خلال تشكيل شبكة من التحالفات مع دول تتفق معها أيديولوجيا، بالإضافة للاعبين فاعلين "من غير الدول"، والمجتمعات الشيعية فى جميع أنحاء العالم. وبرزت التحالفات الإيرانية بوضوح مع أطراف من غير الدول مثل "حزب الله" بلبنان وسوريا وجماعات فلسطينية مثل "الجهاد الإسلامى" و"حماس" وجماعات عراقية متعددة كانت إيران هى المصدر الرئيسى لتسليح هذه الجماعات. كما طورت مسارات إمداد برية وبحرية وجوية لهذا الغرض، واستخدمت سوريا وبعض الدول المطلة على البحر الأحمر كمراكز إمداد إقليمية. لقد أظهرت التحركات الإستراتيجية الإيرانية منذ وقت بعيد استخدامها المضايق الإستراتيجية فى المنطقة (هرمز وخليج عدن ومضيق باب المندب عند المدخل الجنوبى للبحر الأحمر) كأدوات للضغط الإستراتيجيى والإقتصادى على المجتمع الدولى بوجه عام من ناحية، وتأمين خطوط النقل والمواصلات الخاصة بإيران وحلفائها فى المنطقة من ناحية أخرى كما استخدمت الإضطرابات والصراعات فى المنطقة كأداة تفاوض لخدمة مصالحها. وهو ما ظهر بوضوح عندما حاولت مقايضة أزمة برنامجها النووى بالتدخل ضد تنظيم "داعش". خرائط حدود أم نفوذ وعقب سقوط صنعاء فى يد حلفاء إيران إرتفعت الأصوات المتحدثة عن دور إيرانى فى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. وهنا أصبحت التفرقة واجبة بين نوعين من الخرائط. فهناك الخرائط الحدودية السياسية الفعلية التى تحاول المخططات الخارجية أن تغيرها لرسم خريطة فعلية جديدة للشرق الأوسط بما يخدم مصالح القوى الغربية بوجه عام والولايات المتحدة وإسرائيل على وجه التحديد. وهناك خرائط "النفوذ" التى تتعلق بتحولات فى النفوذ والتوجهات الخاصة بدول المنطقة دون تغيير فى الحدود الرسمية للدول. وتبدو إيران فى المرحلة الحالية من مخططاتها وإستراتيجياتها مهتمة بتغيير خرائط "النفوذ" لمصلحتها. فالهدف الإيرانى خلال عامى 2014 و2015 هو ضمان وجود الجماعة الحوثية فى المستقبل كحركة مسلحة تفرض خياراتها السياسية على القرار اليمنى فى تكرار لنموذج القيادات والميليشيات التى تدور فى فلكها بكل من العراق، ولبنان حزب الله اللبنانى وقطاع غزة حيث توجد حماس. وهكذا برز البعد الإقليمى للدور الإيرانى فى المنطقة والذى يهدد بمزيد من "التعقيدات" على المستوى الإقليمى والدولى فى المرحلة القادمة، كما يمثل دافعا قويا جديدا لقيام تحالف إقليمى جديد يضم الدول الرافضة لعمليات التقسيم الطائفى والمذهبى للشرق العربى على وجه الخصوص وللشرق الأوسط بوجه عام مما يزيد من إحتمالات نشوب مواجهة ليست عسكرية بالضرورة تستهدف "كسر الإستراتيجية الإيرانية" فى حالة تمسك طهران بالخطط التى رسمتها للمنطقة.