مع استمرار الصراع الدموى فى سوريا وتوغل تنظيم داعش وتعمق حالات عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط وتصاعد حدة المخاوف من تقسيم الوطن العربى إلى دويلات تتزايد التكهنات حول اعلان دولة كردية مستقلة فى شمال العراق خلال عامين لتصبح أول نذر التفتيت. فقيام دولة كردية جديدة فى منطقة الشرق الأوسط سوف يؤدى إلى تغيير معادلات كثيرة فى المنطقة ويعيد رسم الحدود التى حددتها اتفاقية سايكس بيكو ،و ربما يخفف من صراع النفوذ التاريخى القائم بين تركياوإيران. ويذكر تقرير للمركز العالمى للدراسات التنموية فى لندن أنه من المنتظر انفصال إقليم كردستان عن العراق واعلان الدولة الكردية بحلول عام 2017 موضحا أن تصدير النفط من الإقليم سيكون أول ملامح الدولة الكردية. وعلى الرغم من أن التقرير يشير إلى أن القدرة الاقتصادية ستكون من أهم العوامل الرئيسية المشجعة على إعلان الاستقلال حيث من المتوقع أن يكون إقليم كردستان قادرا على تصدير 700 الف برميل نفط يوميا اذا استمر الانتاج بوتيرته الحالية إلا ان التقرير شدد على أن اعلان الدولة الكردية يرتبط بحسم القضايا العالقة فى العراق بشأن توزيع الثروات النفطية فى البلاد. ويوضح اليزا ماركوس مؤلف كتاب «الدم والإيمان..حزب العمال الكردستانى والنضال الكردى من أجل الاستقلال» أن ثورات الربيع العربى وما تلاها من فوران اعاد احياء احلام الحكم الذاتى و إقامة الدولة الكردية. وأوضح أن ما يحدث فى سوريا منح الاكراد فرصة اقامة مناطق ذات حكم ذاتى وأن الانقسام والتشرذم فى العراق اهداهم فرصة الفيدرالية...بمعنى أخر أن عدم الاستقرار جعل من الممكن تشكيل بؤر استقرار كردية وبقيت الخطوة التالية وهى الحصول على الشرعية الدولية لاعلان الاستقلال. وبتحليل هذا الكلام نجد أنه فيما يتعلق بمسألة بؤر الاستقرار استطاع أقليم كردستان العراق فى اعقاب الاطاحة بالرئيس العراقى الاسبق صدام حسين وانفجار العنف الطائفى أن يبقى مركزا للاستقرارا فى البلاد كما نجح الاقليم خلال الأشهر القليلة الماضية (بمساعدة الغارات الجوية الأمريكية) فى التصدى لهجمات تنظيم داعش وحماية الاقليم من المصير المظلم للمناطق المجاورة لدرجة أن وصف موقع «المونيتور»الاقليم ب «واحة الاستقرار» فى الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بالحصول على الشرعية أو التأييد الدولى يرى بعض الخبراء أن اعلان الدولة الكردية سيحظى بتأييد غير مشروط من اسرائيل ،و أن المصالح قد تجبرتركياوإيرانوالولاياتالمتحدة على الترحيب بها الدولة 194 فى الأممالمتحدة. اسرائيل تأييد اسرائيل للقضية الكردية لم يكن أبدا سرا ولا يخفى على أحد العلاقات الوثيقة التى تربط بين آل برزانى العراق,ال برزان من الاكراد اليهود.ووفقا لدراسة أجرتها مؤسسة الابحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى تركيا (سيتا) فى عام 2008 فان الاكراد ساعدوا فى هجرة اليهود إلى اسرائيل اثناء تأسيس دولة اسرائيل وبعد حرب 1967 هذا بالاضافة إلى وجود 150 الف كردى يهودى فى اسرائيل. ويشير المراقبون إلى أن اسرائيل قدمت مساهمات واضحة فى تطوير عوامل الاستقلال فى كردستان العراق.ووفقا للصحفى الأمريكى الشهير سيمور هيرش فان المئات من الخبراء الاسرائيليين قاموا بتدريب عناصر من قوات البشمركة الكردية بعد الاحتلال الامريكى للعراق فى 2003. وفى الفترة الأخيرة صدرت تصريحات واضحة عن مسئولين اسرائيليين يؤيدون فيها قيام دولة كردية أبرزها تأكيد رئيس الوزراء الاسرائيلى نيتانياهو على ضرورة «تأييد تطلعات الأكراد للاستقلال»معتبرا أن قيام دولة كردية مستقلة من شأنها تعزيز التحالف بين قوى الاعتدال فى المنطقة واشارة افيجدور ليبرمان إلى أن «تأسيس دولة كردية مستقلة أمر حتمى» وهو ما ايدته تصريحات الرئيس الاسرائيلى السابق شيمون بيريز خلال زيارته الاخيرة لواشنطن فى يونيو الماضى حيث قال للرئيس الامريكى باراك اوباما أن «الأكراد قد شكلوا بالفعل دولة ديمقراطية»! ويوضح الخبراء أن تأييد اسرائيل للدولة الكردية المرتقبة يأتى فى إطار بحثها الدائم عن حلفاء ولكن هذا البحث قد يكتسب بعدا جديدا فى ظل المرحلة الانتقالية التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط ولذا يبدو تأييد قيام دولة كردية خيارا استراتيجيا ناجحا خاصة مع تقلص دور الولاياتالمتحدة-الحليف الرئيسى لاسرائيل- فى منطقة الشرق الأوسط تركيا على الرغم من أن تركيا طالما حاربت النزعة الانفصالية للاكراد الذين يشكلون 20 % من اجمالى السكان ويتركزون فى الجنوب الشرقى للبلاد وطالما أعربت عن تخوفها من التاثير السلبى البالغ الذى قد يمثله اعلان دولة كردية فى شمال العراق إلا أن تغييرا جذريا قد طرأ على الموقف التركى إزاء الاكراد فى الداخل (انتهاج سياسة الحوار والتفاوض) واقليم كردستان فى العراق (خاصة فى ظل تدهور علاقتها بالحكومة العراقية فى ظل الرئيس العراقى السابق نورى المالكى).كما أنه على الصعيد الاقتصادى ابرمت انقرة اتفاقا منفردا مع اكراد العراق ينص على استخدام خطوط الأنابيب التركية لتصدير النفط الكردى لمدة 50 عاما. كما تعمل أكثر من الف وخمسمائة شركة تركية فى شمال العراق وترسو 90 فى المائة من عطاءات المقاولات فى اقليم كردستان على شركات تركية . وبلغة المصالح سوف توفر الدولة الكردية الجديدة لتركيا مصدرا ثابتا للنفط ، وستكون حليفا مستقرا ومنطقة عازلة تفصل بينها وبين العراقوايران وربما تلعب دورا فى احتواء أو التصدى لعناصر حزب العمال الكردستانى الموجودة حاليا فى سوريا والتى تسعى إلى احياء التمرد الكردى فى تركيا مرة أخرى. إيران فى حين يرى تقرير المركز العالمى للدراسات التنموية فى لندن أن إيران لن تمانع فى قيام دولة كردية لأن ذلك يعنى تقليص حصة العراق فى منظمة أوبك خاصة مع عزم ايران العودة بقوة لسوق النفط بعد رفع العقوبات عنها ،إلا أنه من الناحية الاستراتيجية قد تفضل طهران ان يبقى العراق موحدا تحت سلطة حكومة شيعية موالية لها وتنظر بقلق إلى تنامى المشروع الكردى فى سوريا والذى يمكن أن يترسخ ويكتسب مزيدا من القوة لو اصبح كردستان العراق دولة مستقلة. ووفقا لتقرير المركز فان الولاياتالمتحدة واوروبا لا تمانعان من جهتهما فى اعلان دولة كردية مستقلة نظرا للاستثمارات الامريكية والاوروبية الكبيرة فى اقليم كردستان ولكنهما تفضلان التأجيل إلى حين استنفاد كل محاولات الابقاء على العراق موحدا.