فى خطوة فى الاتجاه الصحيح، عادت عقارب الساعة إلى دورانها الطبيعى فى العلاقات المصرية القطرية بعدما كانت تدور فى اتجاهها العكسى، فقد نجحت المبادرة السعودية فى بدء عودة علاقات البلدين، أخذا فى الاعتبار أن هذه العلاقات لم تشهد تصعيدا فى مستوياتها كما حدث مع بلد أخرى ناصبت العداء للإرادة الشعبية التى جسدتها الثلاثون من يونيو 2013، وتحديدا كما حدث مع تركيا، حيث أدركت القيادة السياسية صيرورة العلاقة المصرية مع أشقائها العرب حتى ولو كان هناك من يغرد خارج السرب، أو يتبنى وجهات نظر لا تتفق مع المصالح العربية المشتركة. وغنى عن البيان تأكيد أن جهود المصالحة التى بذلتها المملكة العربية السعودية لا تصب فى خانة مصالح البلدين فحسب، بل تصب فى مصلحة دول المنطقة بأسرها التى تواجه تحديات مصيرية، بما يستوجب أن تكون قراءة هذه الخطوة فى إطار أوسع من مجرد البحث عن شروط المصالحة وضوابطها إلا أن المهم هو الالتزام بها وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، والاستفادة من هذه الأزمة عبر استخلاص الدروس والعبر، فتاريخ الأمم مجموعة من التجارب والخبرات التى يجب أن تُقرأ فى إطارها الصحيح حتى لا تكرر ذات الأخطاء وتحصد ذات الخسائر. ومن أهم الدروس المستخلصة والمستفادة من هذه المصالحة التى تحتاج إلى تسجيل تحفظه أوراق التاريخ وسجلاته ما يلى: ليست مصادفة أن تأتى هذه المبادرة الناجحة من جانب المملكة العربية السعودية، فالتاريخ يؤكد دورا متميزا للمملكة فى محاولاتها المستمرة لرأب الصدع فى أية خلافات عربية- عربية، كما حدث فى عودة العلاقات الكويتية العراقية، أو حتى داخل البلد العربى الواحد، كما يعبر عنه الدور السعودى فى الأزمة اللبنانية منذ ما عُرف باتفاق الطائف عام 1975 وحتى اليوم. فالدبلوماسية السعودية تنطلق فى تحركاتها الدولية من مجموعة من المبادئ والأسس الحاكمة، من أهمها ترسيخ السلام فى العلاقات الدولية، وإيجاد مساحات من التعاون والتفاهم بين مختلف الأطراف، وخاصة فى محيطها العربى والإقليمى. فلم يكن من المتصور أن تتم المصالحة المصرية القطرية بهذه السرعة فى ظل موقف يزداد تعقيدا وتصعيدا فى ضوء بعض الممارسات الإعلامية التى تُرتكب من جانب أجهزة الاعلام القطرية حيال الشأن المصري، وتدخلها الفج والمرفوض فى سياستها ومواقفها الداخلية والخارجية، إلا أن حكمة القيادة السعودية وحنكتها فى إدارة كثير من الملفات الخلافية التى تعانيها المنطقة ساهمت بلا شك فى سرعة إنجاز هذه المصالحة. كانت الاستجابة المصرية للمبادرة السعودية والترحيب بها سريعة, وهو ما يعكس أمرين: الأول يرتبط بالتاريخ، فمصر بمكانتها وتاريخها وقيمتها وقامتها فى التاريخ الإنسانى بصفة عامة وفى تاريخ المنطقة العربية بصفة خاصة، قد تحملت الكثير فى سبيل إرساء قيم الامن والاستقرار والتعاون بين مختلف الاطراف، فرغم العداءات التى واجهتها إلا ان سياسة التسامح والتعاون على أساس من الاحترام المتبادل، كانت منهاجا لتوجهاتها الخارجية. أما الأمر الثانى فيرتبط بالجغرافيا، حيث تدرك القيادة السياسة المصرية الحالية جيدا أنه مهما تباعدت مساحات التفاهم المصرى مع عالمها العربى ومحيطها الإقليمى، فإن جغرافيا مصر وموقعها الجيواستراتيجى فى قلب العالم العربى يفرض عليها حتمية بناء علاقات عربية تعاونية وليست صراعية، أخذا فى الاعتبار أن هذا النهج لا يعنى الاستسلام أو التساهل مع من يعتدى على مصر وشعبها، سواء أكان اعتداء ماديا أو غير مادى، وإنما تعلو مصر دائما على الملمات والصغائر فى سبيل حماية أمنها القومى وصون وحدة أمتها العربية، وهذا قدرها وهى قادرة على أدائه وناجحة فى تحمله. نهاية القول إن المصالحة المصرية القطرية رغم أهميتها وضروريتها للأطراف كافة، وفى مقدمتهم مصر وقطر، إلا أن خطابات المصالحة واللقاءات التى تتم فى سبيل إتمامها لا تغنى عن أهمية التطبيق العملى والتنفيذ الفعلى لما تم الاتفاق عليها، من خلال البدء الفورى فى الخطوات العملية والإجراءات التنفيذية لبناء الثقة المتبادلة. صحيح أن سمات هذه العملية التدرج الزمنى، بمعنى أنها قد تأخذ بعض الوقت، إلا أن ضمانات نجاحها تستوجب أن تكون الإجراءات المنفذة لها متزامنة ومتبادلة، وهو ما ننتظره جميعا حتى نطوى صفحة سوداء فى ملف العلاقات المصرية القطرية، ووضع حد لحالة الشد والجذب التى تميزت بها علاقات البلدين منذ منتصف التسعينيات من القرن المنصرم. فالتحديات التى تواجهها دول المنطقة تستوجب وحدة الصف العربى وتلاحمه، وإلا نجحت المخططات كافة المرسومة بحق دولها وإعادة رسم حدودها بما يتفق ومصالح الأطراف الدولية وحلفائها الإقليميين على حساب الشعوب العربية ومستقبل أبنائها، ونندم جميعا فى وقت لا ينفع فيه الندم. لمزيد من مقالات عماد المهدى