شهدت تايلاند خلال عام 2014 سلسلة من الأحداث السياسية الملتهبة بدأت باحتجاجات واسعة النطاق ضد حكومة رئيسة الوزراء المنتخبة ينجلوك شيناوترا وانتهت بتدخل الجيش لحماية البلاد من فوضى عارمة وأعمال عنف في ظل انقسام حاد بين المواطنين ما بين مؤيدين لعائلة شيناوترا وبين معارضين لها، فيما وقفت أغلبية الشعب التايلاندي حائرة في انتظار تحسن الأحوال الاقتصادية للبلاد بعد تراجع معدلات السياحة – المصدر الرئيسي للدخل – إلى أدنى مستوياتها. وعندما نفحص الأسباب التي اندلعت من أجلها المظاهرات نجد أنها لا تعدو عن كونها مكائد وصراعات سياسية للفوز بكرسي الحكم لا من أجل مصلحة البلاد وتحقيق الديمقراطية كما يدعي المعارضون. فالمحرك الرئيسي للاحتجاجات التي بدأت أواخر نوفمبر 2013 واستمرت حتى مايو 2014 هو نائب رئيس الوزراء السابق سوثيب توجسوبان الذي سبق وأن أطاح أنصار شيناوترا الملقبون ب"أصحاب القمصان الحمراء" بحكومته عام 2010 عقب حركة احتجاجات دامية أسفرت في النهاية عن انتخابات مبكرة فازت بها ينجلوك شيناوترا شقيقة رئيس الوزراء الأسبق تاكسين شيناوترا الذي أطاح به انقلاب عسكري في 2008، والذي يحظى بشعبية كبيرة بين فقراء تايلاند. وبعد اضطرابات وأعمال عنف هزت البلاد لنحو 6 أشهر وعقب إقالة ينجلوك شيناوترا بتهمة الفساد، قرر قائد الجيش الجنرال برايوث تشان أوتشا التدخل في مايو الماضي معلنا الأحكام العرفية في البلاد، وتم تعيينه رئيسا للوزراء في أغسطس. وبعدها استخدم برايوث منذ توليه الحكم أساليب قمعية ضد المحتجين على الحكم العسكري من كل الأطياف، حيث أمر بمنع الاحتجاجات واعتقل العديد من النشطاء، كما قامت السلطات بحظر موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي لمنع نشر أي رسائل تنتقد الحكم العسكري، وحظرت أيضا موقع منظمة "هيومان ريتش واتش" التي قالت إن تايلاند سقطت على ما يبدو في حفرة بلا قاع. ويظل مستقبل تايلاند في 2015 غامضا وسط توقعات بمزيد من الفوضى والاضطرابات خاصة في ظل إعلان حكومة برايوث نيتها تأجيل الانتخابات العامة إلى عام 2016 بعد أن كانت مقررة أواخر العام المقبل. فقد أعلن رئيس الوزراء أن الديمقراطية بمعناها الحقيقي لا يمكن تحقيقها في ظل الظروف غير المستقرة التي تمر بها البلاد، وهو رأي له وجاهته، ولكن منذ ذلك الإعلان والانتقادات الغربية تنهال على قادة الجيش في تايلاند، متهمة الجنرال برايوث بالرغبة في البقاء في السلطة والسعي لتزوير أي انتخابات قادمة لصالحه. والحقيقة أن المستقبل يبقى في النهاية في يد الشعب التايلاندي وحده، فهل ينتظر إلى أن يفي "الجنرال" بوعوده في انتقال سلمي للسلطة وتسليمها لحكومة مدنية منتخبة؟ أم ستدب الانقسامات في الشارع التايلاندي من جديد وتعم الفوضى في البلاد؟.