لو جاز لى استعارة فقرة من ديباجة دستورنا العظيم، وبالإذن من كاتبها، الشاعر الكبير، سيد حجاب، لقلت: متحف الحضارة إشارة وبشارة، إشارة إلى ماض مازال حاضرا، وبشارة بمستقبل تتطلع إليه الإنسانية كلها. هذه هى بالضبط الخلاصة، التى خرجت بها بعد حضور مراسم افتتاح أعمال المرحلتين الأولى والثانية، من المتحف القومى للحضارة، يوم السبت الماضى. أكثر من إشارة وبشارة يمكن رؤيتهما بالعين المجردة فى كل مكان وزمان بمصر الجديدة، فى زمن قياسى، لم يتجاوز ستة أشهر: من الشروع فى بناء قناة سويس جديدة، إلى إضافة مليون فدان لرقعة الأرض الزراعية، ومن إنشاء مليون وحدة سكنية إلى بناء الجسور وشق آلاف الكيلومترات من الطرق، بطول البلاد وعرضها، ومن إعادة الاعتبار للمتحف القومى للحضارة إلى إنقاذ المتحف الكبير من الضياع، ومن تنمية الساحل الشمالى الغربى إلى تهدئة الخواطر وتأمين تدفق المياه من منابع النيل، ومن قطع دابر الإرهاب وتجفيف منابعه إلى المضى قدما فى بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. تلك هى- بحق- الإشارة والبشارة، والدلالة القاطعة على سلامة القصد ونبل التوجه، الذى تسير فيه المحروسة، بما يؤكد-أيضا- نص ما جاء فى ديباجة الدستور: «إننا قادرون أن نستلهم الماضى، وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل، قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا». فى متحف الحضارة بالفسطاط، جاءتنى الدعوة الكريمة من معالى وزير الآثار، الدكتور ممدوح الدماطى، لكى أرى- بعينى- صرحا، هو الأول من نوعه فى مصر، وفى العالم العربى، ليس- فقط- لأنه يعتبر مركزا تعليميا وبحثيا مهما للزائرين والباحثين المصريين والأجانب، بل- أيضا- لأنه يقدم نظرة شاملة عن الحضارة المصرية، من عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا، عن طريق التفاعل بين المصريين والأرض، التى عاشوا عليها على مر التاريخ، من خلال موضوعات حضارية اختيرت بعناية لإلقاءالضوء على التراث المادى وغير المادى لمصر. سوف يذكر التاريخ للوزير الدماطى أنه رجل المهام الصعبة، وهنا أيضا- تتجلى إحدى علامات الإشارة والبشارة، فى أبهى صورها، بمشروع المتحف القومى للحضارة ، يكفى الرجل أنه حسم أمره، ووضع حدا للمهزلة وللمشكلات المستعصية، التى تعرض لها مشروع بناء المتحف، طوال السنوات القليلة الماضية، وكاد الإهمال والإسراف والأحقاد وبؤر الفساد، أن تعصف بكل التطلعات والآمال فى إنجازه وبنائه، وفقا للمخطط الأصلى المعتمد من منظمة اليونسكو، فى عام 1982، وإختيار موقعه الحالى فى عام 1999. تكلفة المرحلة الاولى من بناء المتحف بلغت 378 مليون جنيه، وبلغت تكلفة المرحلة الثانية 330 مليونا، أما المرحلة الثالثة- قيد التنفيذ- فتقدر تكلفتها بنحو مليار جنيه، وتضم صالات العرض المتحفى والفتارين وأعمال «المالتى ميديا» والأعمال الكهروميكانيكية ومنطقة العرض الخارجى، ومن المقرر افتتاحها خلال الأشهر القليلة المقبلة. المتحف القومى للحضارة يقع مكانه فى منطقة الفسطاط، أول عاصمة لمصر الإسلامية، بالقرب من مجمع الأديان، حيث الكنيسة المعلقة والمعبد اليهودى وجامع عمرو بن العاص، ويطل على بحيرة عين الصيرة. الآن، تتعلق الأنظار حول مدى جدية تنفيذ توجيهات رئيس مجلس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب، بتدبير المليار جنيه، الباقية، ودفع حركة العمل بهذا المتحف، جنبا إلى جنب مع المتحف المصرى الكبير، وتذليل أى عقبات قد تواجه سير العمل بالمشروعين باعتبارهما من أكبر المشروعات فى مصر الجديدة. [email protected] لمزيد من مقالات كمال جاب الله