مع تزايد حدة الصراع داخل الحكومة الإسرائيلية بتشكيلتها اليمينية المتطرفة ومضيها قدما فى طريق يهودية الدولة وتعظيم الاستيطان بخطوات متسارعة تنذر بأزمات دولية، أقدم نيتانياهو على قلب المائدة فى وجوه كل معارضيه. وفى قرار غير متوقع أقال وزيرى المالية يائير لبيد، والعدل تسيبى ليفنى من منصبيهما، معلنا أنه لا يحتمل وجود معارضة داخل حكومته، التى باتت عاجزة عن أداء دورها، وأنه بناء على ذلك قرر حل الكنيست والتوجه إلى الانتخابات العامة. وتسارعت الأحداث بشكل دراماتيكى فى أعقاب إقالة لبيد وليفني، حيث أعلن الوزراء شاى بيرون وياعيل جيرمان ومئير كوهين ويعكوف بيرى استقالاتهم من حكومة نيتانياهو قبل أن تتحول إلى حكومة تسيير أعمال إلى أن تؤدى حكومة جديدة اليمين الدستورية بعد الانتخابات، التى تقرر إجراؤها فى 17 مارس القادم حسبما أعلن رئيس الكنيست الإسرائيلى يولى أدلشتاين، وصوت أعضاء الكنيست على أربعة مشاريع قوانين لحل الكنيست، وأعرب رؤساء الكتل البرلمانية العربية لرئيس الكنيست عن تذمرهم من الموعد، معتبرين الفترة المتبقية لا تكفى لتوحيد قوائمهم الانتخابية، نظرا لرفع نسبة الحسم إلى 3٫25٪ ضمن قانون الحوكمة الذى أقره الكنيست قبل ثمانية أشهر. وعبر لابيد وليفنى عن استيائهما من هيمنة تيار اليمين على الحكومة وسياستها التى تلقى إدانة دولية، وترفع معدلات الغضب الدولى وتعزل إسرائيل فى مربع صغير تغطيه واشنطن فقط، والتى من المؤكد أن دعمها لن يستمر إلى مالا نهاية، وتواجه الولاياتالمتحدة تحديا أخلاقيا وهى تتحدى قرارات البرلمانات الأوروبية، فى وقت تقوم فيه حكومة إسرائيل على توسيع المستوطنات اليهودية فى أراض محتلة يطالب بها الفلسطينيون ضمن دولة لهم فى المستقبل، واختلفت مواقف نيتانياهو وليفنى مع الفلسطينيين بشأن مشروع قانون مقترح يصف إسرائيل بأنها دولة الشعب اليهودى وبدت الوزيرة السابقة غير مرتاحة فى الحكومة منذ انهيار محادثات السلام فى ابريل، وفى رسالة عبر فيسبوك قالت ليفنى إن الانتخابات المقبلة ستكون اختبارا لعزم الإسرائيليين على هزيمة التشدد. قرار عنوانه الصدام فقد كان كل من لبيد وليفنى ورقة التوت التى تستر عورة الحكومة الأشد يمينية فى تاريخ إسرائيل والتى تحوى ثلاثى التطرف، نيتانياهو أفيجدور ليبرمان نفتالى بينت، فضلا عن العديد من وزراء "الليكود" و"البيت اليهودي" و"إسرائيل بيتنا"، ودب الخلاف فى الحكومة التى شكلها نيتانياهو من خمسة أحزاب وتولت السلطة العام الماضي، بشأن عدد من القضايا من بينها استفحال الاستيطان وميزانية عام 2015 ومشروع قانون دولة الشعب اليهودى ، ويقول منتقدوه أنه سيظلم الأقلية العربية التى تعيش فى إسرائيل، وكان من المقرر ألا تجرى انتخابات فى إسرائيل قبل عام 2017 . ويرى المراقبون أن نيتانياهو بخطوته هذه أقدم على لعبة سياسية ذات أهمية كبيرة بإظهار نفسه زعيما لا يخضع للإملاءات من أى طرف حيث كان واضحا أن وجهة نيتانياهو هى الصدام والذهاب نحو انتخابات مبكرة، وسيجعل هذا نيتانياهو فى موقف يسمح له بتشكيل حكومة ربما تكون الأكثر يمينية فى تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها قبل 66 عاما فتضم شركاءه المتطرفين الحاليين وحلفاء آخرين من اليهود المتشددين وتخلو من المعتدلين، ويرى مقربون من نيتانياهو أن خطوته هذه ما هى إلا عمل استباقي، خصوصا أنه يعلم نيتهم الاستقالة من حكومته، ويرون أن الفائدة من ذلك تتمثل فى إظهار نفسه كزعيم مبادر وإظهار خصومه فى موضع ضعف. رسالة لواشنطن وذهبت تحليلات فى اسرائيل لاعتبار قرار نيتانياهو يتضمن رسالة للإدارة الأمريكية بأنه ليس لكم من تستندون إليه فى الحكومة الإسرائيلية بعد اليوم، خصوصا بعدما نشرت صحيفة "هاآرتس" العبرية، قرار ادارة الرئيس الامريكى باراك اوباما، بفحص امكانية اتخاذ خطوات عملية ضد الاستيطان فى الضفة والقدس الشرقية وعدم الاكتفاء بالتنديد، وأكدت الصحيفة أن مجرد بحث هذا الأمر الحساس فى البيت الأبيض دليل على توتر العلاقات بين أوباما نيتانياهو والتى وصلت إلى الحضيض، ورجح مراقبون أن هذا يعنى أن ليبرمان بات عنوان الإعتدال فى الحكومة، خاصة بعد إعلانه خوض الانتخابات بقائمة مستقلة، وكان حزبه "إسرائيل بيتنا" قد خاض الإنتخابات الماضية بقائمة مشتركة مع الليكود. تكلفة الانتخابات تتجاوز مليارى شيكل هاجم رئيس حزب "ييش عتيد" ووزير المالية، يائير لبيد، رئيس الحكومة، وقال إنه قرر قيادة إسرائيل نحو انتخابات لا حاجة لها فقط لأنه أبرم صفقة مع الحريديم "المتدينين"، واعتبر ذلك عدم مسئولية وطنية لا تغتفر، ونفت الأحزاب الحريدية وجود صفقة مع نيتانياهو، لكن مصادر سياسية ألمحت إلى تفاهمات أجراها الليكود مع الحريدم وحزب شاس، وقال مسئولون فى وزارة المالية الإسرائيلية، إنهم يقدرون تكلفة الانتخابات العامة التى ستجرى فى شهر مارس من العام المقبل ما بين 1.5 ومليارى شيكل، وتشمل التقديرات تكلفة مباشرة بمبلغ 450 مليون شيكل، وهى الأموال التى ستخصص لتمويل الأحزاب ونفقات رواتب ونفقات أخرى لصالح لجنة الانتخابات المركزية والجهاز الرسمى الذى سيعمل فى يوم الانتخابات، ووفقا للتقديرات فإن فقدان الدخل فى يوم الانتخابات سيبلغ ما بين مليار و1.5 مليار شيكل، واعتبرت وسائل إعلام اسرائيلية أن جهاز الأمن سيكون المتضرر الرئيسى من تقديم الانتخابات وبالتالى عدم إقرار الميزانية للعام المقبل. نتنياهو للمرة الرابعة! طلب نيتانياهو "تفويضا واضحا" من الناخبين فى الانتخابات المبكرة التى دعا إليها فيما تشير استطلاعات الرأى إلى أنه فى طريقه للفوز بفترة رابعة، وتوقع استطلاعان للرأى أن يصبح حزب ليكود الذى ينتمى إليه نيتانياهو الحزب الأكبر دون أن يحقق أغلبية ساحقة فى الكنيست المكون من 120 مقعدا لو أجريت الانتخابات اليوم، وقال نيتانياهو فى تصريحات لنواب ليكود "تطرح الانتخابات المقبلة سؤالا واحدا: من سيقود البلاد فى مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والإقليمية؟ وحث على تفادى انقسام أصوات التيار اليمينى، كما حدث فى الانتخابات السابقة فى يناير عام 2013 مما أدى إلى فوز ليكود ب 18 مقعدا فى البرلمان مقارنة ب 13 و12 مقعدا فاز بها حزبان متطرفان انضما فيما بعد إلى ائتلافه الحاكم. ومعروف أن نيتانياهو يواجه مشكلة داخل "الليكود" مع التيارات الأكثر منه تطرفاً، وعلى رأسها دانى دانون وموشى فايجلين. كما أن علاقاته ليست على ما يرام لا مع "البيت اليهودي" ولا مع "إسرائيل بيتنا"، ومعروف أن "البيت اليهودي" يزداد تطرفاً ويكسب أصوات المتطرفين، فى حين يتجه ليبرمان بشكل متزايد نحو الوسط، ومع ذلك تشير غالبية التوقعات إلى أن الرابح من انتخابات جديدة هو اليمين الإسرائيلي، وتشير التوقعات إلى أن معسكر الوسط واليسار لن يحققا الإنجازات التى يتوقعانها، ووفقا لاستطلاع رأى لصالح موقع "والا" العبرى عشية حل الكنيست فإن اليمين الاسرائيلى يزداد قوة وسيحصل على 52 مقعدا بما يتيح لنتنياهو ولاية رابعة فى رئاسة الوزراء.