ما مصداقية ما يطالب به البعض بمشاركة40 % من أعضاء البرلمان في الجمعية التأسيسية للدستور؟ هذا كلام لا يعكس منطقا يمكن قبوله علي أرض الواقع ما علاقة البرلمان بتأسيسية الدستور حتي يحدد لنفسه مشاركة بنسبة40 % من اجمالي عدد الأعضاء.. الاختيار علي هذا النحو لا يحكمه عقل, ويفرغ القضية من مضمونها, وينحرف بدور البرلمان في الشعب والشوري عن أداء مهمته الأساسية ويقحمه في أمور تشتت جهد أعضائه في وقت يحتاج فيه المجتمع إلي التركيز في علاج قضايا مهمة لضبط ايقاع الحياة والعمل علي استقرارها. من يقول إن أعضاء البرلمان عليهم دور في هذا الصدد... الناخب لم يأت بهم من أجل ذلك, انما دفع بهم لتحسين نوعية الحياة, والتصدي لمشكلاته, والتعامل معها في الوقت المناسب, واقتحام النواب في تلك القضية أمر بالغ الخطورة علي اعتبار أن أسوأ الاختبارات تلك التي تقوم علي الأنتخاب الذاتي.. فكيف للنواب ان ينتخبوا انفسهم لأداء المهمة. مشاركة نواب البرلمان بغرفتيه في التأسيسية ضرورة علي إعتبار أنهم ممثلون للقاعدة العريضة من المجتمع؟. لا أحد يجادل في مسألة إختيار الناخبين لنواب البرلمان كممثلين لهم, ولكن محاولة البعض اقحامهم في تشكيلة الجمعية التأسيسية حق يراد به باطل, وليس من المنطق في شيء أن يقوم البرلمان بترشيح اعضائه وانتخابهم كممثلين في الجمعية المعنية بكتابة الدستور, هذا واقع لا يمكن القبول به واقراره, وكيف لهم أن يكونوا خصما وحكما في ذات الوقت, أعضاء الجمعية لابد أن يكون تمثيلهم بعيدا عن الهوي والغرض ووجود أعضاء البرلمان مهما كانت النسبة المحددة لهم يعكس غرضا غير مقبول, ويفتح الباب للتشكيك في مصداقية, وشرعية وجودهم. ليس معني أختيار الشعب لهم كأعضاء لهم في البرلمان أن يتم فرضهم علي اللجنة.. الشعب لم يعطهم صكا لينوبوا عنه في تأسيسية الدستور.. أعضاؤها يتعين اختيارهم بعيدا عن قيود البرلمان ومعتقدات اعضائه... كونهم ينتمون لتيارات سياسية قد نختلف أو نتفق معها. مشاركة أعضاء البرلمان في التأسيسية يدفع بها إلي الانحراف بالدستور صوب مساره الطبيعي؟. هناك قاعدة أساسية يتعين الانتباه إليها جيدا ونصغي إلي محتواها... تقول إن الدساتير ليست رهنا بالاوزان السياسية, وأعضاء البرلمان جاءوا علي خلفية تيارات سياسية تعتنق رؤي وأفكارا من المؤكد أنها ستتأثر بها إذا ما شاركت في صياغة الدستور, وهذه هي المعضلة الأساسية في مشاركة نواب البرلمان في الجمعية التأسيسية.. الأمر أخطر وأعمق مما يتصوره البعض, ونحن لا نعيد بناء دستور جديد من أجل فئة محددة بذاتها.. فالبرلمان لا محالة إلي زوال, بينما الدستور باق تتوارثه الأجيال وتحصد ثمار ما تم زرعه. لابد أن تؤمن بالقضية الوطنية الاعمق والأشمل في تكوين دستور لا يوجد فيه من يعتنق أفكارا ومباديء سياسية, والأمر يتطلب بناء علي قواعد متحررة من كل القيود, ومشاركة نواب البرلمان تضع الكثير من القيود وتهييء المناخ للانحراف بالدستور عن مجراه الحقيقي. وجود أعضاء البرلمان كشريك أساسي بالتأسيسية في ظل الطعن بعدم دستورية النظام الانتخابي يعرض بناء الدستور للخطر؟. لحساسية موقفي, فلست بصدد الابحار في الحديث عن قضية عدم دستورية النظام الانتخابي, ولكن نحن أمام طعون قدمت بالفعل علي دستورية البرلمان, وقد يقضي الأمر في نهاية المطاف بالرياح التي لا تشتهيها السفن, ويصبح البرلمان جراء ذلك في مهب الريح, ويكتب حكم المحكمة نهايته, والسؤال الذي يطرح نفسه.. كيف يمكن لمن تم اختيارهم في الجمعية التأسيسية أداء دورهم؟ نحن نريد الأخذ بالأحوط, ونحصن الجمعية ضد كل الأشياء التي قد تعلق بها, وتفتح الباب للمشككين والمزايدين, وتعود بنا للمربع صفر وينهار كل شيء. لابد من الحفاظ علي قوة بناء الدستور الجديد, والنظر إليه علي أنه الركيزة الأساسية للمجتمع ووجوده يأتي تعبيرا عن كل الفئات والأطياف... ليطرح رؤي وأفكارا خالصة.. قضية الطعن قد تنطوي علي خطر محدق يصعب تداركه, والأفضل الابتعاد عن الخطر, وتوافير مظلة الحماية. البعض ينظر إلي طعون عدم دستورية النظام الانتخابي علي أنه مسألة افتراضية قد لا تحدث؟. إذا كان هناك من يعتقد أن مسألة نظر المحكمة الدستورية الطعون المقدمة ضد مشروعية البرلمان علي أنها قضية افتراضية.. فعلي أي أساس أقام تلك الافتراضية؟ هل لديه أؤمستند بأن حكم المحكمة سيأتي ليصب في وجهة النظر التي يعتنقها في وقت مازال نظر الطعون محل بحث ودراسة؟ وإذا كان هناك افتراضية لعدم الدستورية, فهناك في المقابل افتراضية أخري للحكم... نحن أمام موقف الحكم عليه بوجهات النظر يصعب القبول به. وضع تأسيسية الدستور في ظل وجود ممثلين للبرلمان فيها إذا ما جاء حكم الدستورية العليا بعدم مشروعية البرلمان فإن الأمر يزداد تعقيدا, ولذلك من الضروري النظر إليها بعيدا عن برلمان أساور الشك, دلفت إليه.. إن الواقع يحتم الابتعاد بعضوية التأسيسية عن مشاركة أعضاء البرلمان دعونا نرح ونسترح, ونحصن الدستور من كل شيء, وأي شيء وجود البرلمان لن يضيف جديدا. في تقديرك بعض القوي السياسية تريد إحكام سيطرتها علي صياغة الدستور؟ الدستور لن يستقيم حاله إذا ما أصر البرلمان علي أن يدس أنفه في عضوية التأسيسية, ودون جدال فإن عدم الاحتكام لصوت العقل والضمير الوطني في إبعاد اعضاء البرلمان عن تلك المشاركة يفتح الباب لتخالج الجميع مشاعر الشك والريبة من الموقف السائد... القاعدة تقضي باقتصار دور البرلمان علي اختيار أعضاء التأسيسية فقط دون الانسياق وراء رغبات تدفعهم صوب نزعة المشاركة. قراءة المشهد السياسي تكشف عن سوء نية بأن هناك ما يحاك في ظل الأصرار علي مشاركة أعضاء من البرلمان في الشعب والشوري, بينما الواقع يتطلب ضرورة تحرير الهيئة التأسيسية من المسار البرلماني... إن استغلال الغلبة السياسية في تلك القضية يدفع إلي اختطاف الدستور, وعدم اعتداده بالأطياف الأخري الموجودة في المجتمع, والتي ينذر تجاهها بثورة جديدة تعصف ببنيان المجتمع وتماسكه. تمسك تيار سياسي بطرحه حول تشكيلة تأسيسية الدستور يطيح بوجود قوي أخري في المجتمع؟ من يسعي إلي اقرار دور فاعل يقود دفة الأمور في تأسيسية الدستور للبرلمان... فإنه دون جدال يسعي إلي تغييب قوي أخري موجودة في المجتمع, ولا يمكن الاستهانة بقوة تأثيرها.. الظروف السياسية تحتاج إلي تضافر كل القوي, وتبادل أطراف الحوار والطرح, فذلك من شأنه الوصول إلي صيغة توافقيه ترضي عنها جميع الاطراف, ولست أدري الضرورة التي تدفع بتيار سياسي إلي إبداء طرح لا يعكس حقيقة الواقع, وقد يدفع بالموقف إلي منعطف خطير. لن يسمح أحد لتيار سياسي بالسيطرة علي زمام تشكيلة التأسيسية... فالمجتمع الذي كان يتشكل شخصية أفراده في الماضي لمن يعد هو ذات الشعب الذي نراه اليوم بوعي يقظ بثورة لتحقيق حريته, وبناء دولة يراها حلمه الكبير الذي يقاتل من أجل أن يصبح واقعا يراه, ولذلك تأسيسية الدستور سيشارك في صناعتها الجميع. حالة الجدل التي تنشب بين التيارات السياسية علي خلفية وضع تصور لتأسيسية الدستور تؤدي في النهاية إلي صراع بين التيارات السياسية؟ إذ لم يكن هناك اتفاق كامل بين وجهات النظر المختلفة حول شأن تأسيسية الدستور... في تقديري أن الخلاف سيشتد بين تلك التيارات, ويتحول الصراع إلي عقبة خطيرة يحدث علي أثرها تعطيل لاختيار الأعضاء المكلفين بصياغة الدستور ووجود ممثلين للبرلمان من الشعب والشوري دون جدال سيكون بداية الطريق إلي الصراع السياسي. قد يكون هناك شبه اتفاق علي محتوي ومضمون الدستور بين القوي السياسية.. لكن الإصرار علي انتخاب أعضاء البرلمان لانفسهم في التأسيسية من المؤكد أنه سيترك خلفه أثرا ينفجر وفقه صراع, وتشكيك في حسن النيات... إذا كنا نريد خطوات جادة تدفعنا إلي شاطيء التوافق, فعلينا اتخاذ الطريق السليم. المناخ السياسي السائد في ظل سيطرة الاسلاميين علي مقدرات البرلمان يزيد المخاوف, ويدفع بتيارات أخري نحو عدم الالتفاف حول مقترحاتهم؟ دون جدال أن المناخ السياسي السائد يلعب دورا محوريا في التفاف القوي السياسية حول أي طرح يأتي من التيار الإسلامي.. هناك من يشكك في مصداقية الطرح, وهذا هو مكمن الخطر في القضية... لابد أن تطرح كل القوي السياسية أفكارها ورؤاها دون أن يصادر عليها تيار بذاته.