الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
وزير الري يتابع موقف مشروع تأهيل المنشآت المائية
ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 30 ديسمبر
هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة هامشيا بمستهل التعاملات بضغوط تراجع أسهم قيادية
بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية
قصف إسرائيلي على مناطق مختلفة من قطاع غزة
الأهلي يصطدم بالمقاولون العرب في اختبار حاسم للشباب بكأس العاصمة
حسام عاشور يكشف سرًا لأول مرة عن مصطفى شوبير والأهلي
أمم أفريقيا 2025.. مشاركة أولى ل 11 لاعبًا بقميص مصر في دور المجموعات
جاهزية قصوى بصرف الإسكندرية للتعامل مع موجة الطقس غير المستقر
تأجيل محاكمة المتهمين باقتحام مقهى قرية الدير بطوخ ل4 يناير
احتفالا بفوز مرشح في انتخابات النواب.. الأمن يضبط شخصا أطلق أعيرة نارية في قنا
رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار
اليوم.. تشييع جثمان والدة الفنان هاني رمزي
وزير الصحة التركي يزور معهد ناصر لبحث تعزيز التعاون الصحي بين البلدين
وزير التعليم العالي: المستشفيات الجامعية إضافة قوية للمنظومة الصحية وعددها ارتفع إلى 146
فطيرة موز لذيذة مع كريمة الفانيليا
«التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة
رئيس جامعة القاهرة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بالكليات (صور)
لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"
وفاة حمدي جمعة لاعب الأهلي السابق
اليوم.. النطق بالحكم واستئناف المحاكمة على رمضان صبحي و3 آخرين بتهمة التزوير
6 جولات دولية ل أمين "البحوث الإسلاميَّة" في 2025 تعزز خطاب الوسطية
إليسا وتامر وعاشور في أضخم حفلات رأس السنة بالعاصمة الجديدة
اليوم.. وزير التموين يفتتح سوق اليوم الواحد في رمسيس
تعاني من مرض نفسي.. كشف ملابسات فيديو محاولة انتحار سيدة بالدقهلية
اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة
اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا
وزير العمل يبحث تحديات صناعة الملابس والمفروشات مع اتحاد الصناعات
مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى المنيا
تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر
وزير الصحة يعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد 2026
تفاصيل انطلاق قافلة "زاد العزة" ال105 من مصر لغزة
أكسيوس: ترامب طلب من نتنياهو تغيير السياسات الإسرائيلية في الضفة
باحثون: أجهزة اكتساب السمرة الصناعية تؤدي إلى شيخوخة الجلد
بعد قليل.. استكمال محاكمة 32 متهما بقضية خلية الهرم
القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم
هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر
إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم
نجما هوليوود إدريس إلبا وسينثيا إيريفو ضمن قائمة المكرمين الملكية
45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 30 ديسمبر
زيلينسكي: لا يمكننا تحقيق النصر في الحرب بدون الدعم الأمريكي
محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين
الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي
بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول
أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير
ترامب ل نتنياهو: سنكون دائما معك وسنقف إلى جانبك
سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش
حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا
الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025
صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط
تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا
مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل
في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب
الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»
وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور
ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب
هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب
تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
شعريَّةُ الحيَاةِ اليوميَّةِ وَالخِطَابِ الشِّفاهىِّ فى تجربةِ رياض الصَّالح الحُسَين
شريف رزق
نشر في
الأهرام اليومي
يوم 07 - 12 - 2014
تُعدُّ تجربَةُ الشَّاعرِ رياض الصَّالح الحُسَين (1954- 1982) ، واحدةً منْ التَّجاربِ الشِّعريَّةِ الأسَاسيَّةِ ، الَّتى قادَتْ إلى المَشْهَدِ الشِّعريِّ الرَّاهنِ باشتغالاتِهَا الجَمَاليَّةِ المَائزةِ ؛ المُتمثِّلةِ فى احتفائِهَا بجَمَاليَّاتِ الحَيَاةِ اليوميَّةِ المَعِيشَةِ الدَّالةِ ؛ بسرديَّاتِهَا المُعَاصِرَةِ ، وَتفاصِيلِهَا الحَيَاتيَّةِ المَعِيشَةِ ، وَأدائِهَا الشِّفاهيِّ الحَيِّ الحَمِيمِ وَنَبَرَاتِهَا الشَّخصِيَّةِ ، وَخُروجِهَا على وثنيَّةِ اللغَةِ الشِّعريَّةِ، وَكيميائيَّةِ التَّعبيرِ الشِّعريِّ ، وَتَعَدُّدِ شَفَرَاتِ النَّصِّ.
وَرِياض الَّذى لمْ يمكُثْ فى دُنيَانَا أكثرَ منْ ثمانيَةٍ وَعِشْرينَ عَامًا، هُوَ واحدٌ منْ حلْقَةِ شُعَرَاء أسَّسوا هذَا التَيارَ فى مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّةِ الجَديدَةِ، فى سُوريا، مُتخلِّصِينَ منْ ضَجيجِ الأيدلوجيِّ وَالمِيتَافيزيقيِّ وَالذِّهنيِّ، المُحِيطِ بهِمْ: عَاكِفيْنَ على اليوميِّ وَالشَّخصِيِّ وَالشِّفاهيِّ لِصِيَاغَةِ خطابٍ شِعريٍّ جديدٍ، ضَمَّتْ هذِهِ الحلْقَةُ مجموعةَ أصْوَاتٍ شِعريَّةٍ ، يأتى فى طليعتِهَا: بندر عبد الحميد ، ومُنْذر مِصْرى ، وعادل محمود ، وكانَ رياض أصغرَ شُعرَاءِ هذِهِ الحلْقَةِ ، وَكانَ لهذَا التَّيَّارُ حضورٌ آخرٌ فى الشِّعريَّةِ الجديدَةِ فى
لبنانَ
، بَرَزَ فى نصوصِ وديع سعادة ، ثم بسَّام حجَّار ، وَالفلسطينيِّ المُقيمِ
بلبنانَ
حينئذٍ أمجد ناصِر .
وُلِدَ رياض فى درعا ، وَعَمِلَ فى مركز الدِّرَاسَاتِ الفلسطينيَّةِ فى
دمشقَ
، وَقدْ مَنَعَهُ الصَّمَمُ وَالبَكَمُ منْ إكمَالِ دراسَتِهِ ، وَكانَ قدْ أصِيْبَ بالصَّممِ فى عامِ ، عَقِبَ عمليَّةٍ جِرَاحيَّةٍ فى الكليتيْنِ 1967 ؛ فدَأبَ على تثقيفِ نفسِهِ بالتَّجاربِ العَرَبيَّةِ الجديدَةِ وَالمُترجَمَةِ ، وَاضطُرَ إلى العَمَلِ مُبكِّرًا ، وَتُوفِّيَ فى مستشفى المُوَاسَاةِ ، بدِمشقَ ، عَصْرَ يوم 12 / 11 / 1982 بسبب قُصورٍ فى عَمَلِ الكليتيْنِ ؛ نَجَمَ عنْه توقُّف عَمَلِ القلْبِ .
أصْدَرَ رياض فى حياتِهِ ثلاثَةَ دواوين ، هيَ : خَرَابُ الدَّورةِ الدَّمويَّةِ : 1979- أسَاطيرُ يوميَّةٌ : 1980- بسيطٌ كالمَاءِ ، وَاضِحٌ كطلقَةِ مُسَدَّسٍ : 1982، وَصَدَرَ الرَّابعُ ، وهو أبرَزُ هذِهِ الأعمَالِ ، عَقِب وفاتِهِ ، تحتَ عنوانِ : وَعْلٌ فى الغَابَةِ : 1983 ، وَبالإضَافةِ إلى هذِهِ الأعمَالِ الشِّعريَّةِ ، كَتَبَ رياض القِصَّةََ القَصِيرَةَ ، وَالمَقَالةَ ، وَكَتَبَ للأطفالِ ، وَفى النَّقدِ الأدبيِّ .
وَبمُنْجَزِهِ الشِّعريِّ يقَعُ رياض فى قلْبِ الحَلْقَةِ السُّوريَّةِ السَّبعينيَّةِ ، الَّتى أرْسَتْ جماليَّاتِ شِعريَّةِ اليَومِيِّ وَالشَّخصِيِّ وَالشِّفاهيِّ البَسِيطِ ، فى مَتْنِ الخِطَابِ الشِّعريِّ الجديدِ لِلْقَصِيدِ النَّثريِّ ، وَمُبكِّرًا ، عنْ مُعْظَمِ المَشَاهِدِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّةِ المُجَاورَةِ ؛ فَجَعَلتْ الهَامِشَ مَتْنًا ، وَانتصَرَتْ لتفاصِيلِ الحَيَاةِ المَعِيشَةِ ، وَسَرْديَّاتِهَا الحَيَاتيَّةِ ، وَشَوَاغلِهَا الشَّخصِيَّةِ الحَمِيمَةِ ، وَيَتَبَدَّى هذَا النُّزوعُ فى العنوَانِ اللافِتِ للمَجْمُوعَةِ الشِّعريَّةِ الثَّانيَةِ لرياض : " أسَاطيْر يومِيَّة ".
وَيَعْكِسُ خِطَابُ رياض وَلَعَهُ ، فى المَرْحَلَةِ المُبَكِّرَةِ منْ تجربتِهِ ، بحضورِ الأيدلوجيا فى بنيَةِ الخِطَابِ الشِّعريِّ ، ويبدو صَوْتُ رياض فى هذِهِ الحَالةِ كأنَّهُ يُعَمِّقُ تيَّارَ محمَّد المَاغُوط ؛ بنبرتِهِ الحَادَّةِ المُتمَرِّدَةِ وَمنظُورِهِ الأيدلوجيِّ وَلُغتِهِ السَّاخِطَةِ ، الَّتى تَجْمَعُ فى دفعتِهَا الأيدلوجيَّةِ شَظايَا التَّفاصِيلِ اليوميَّةِ ، بأدَاءٍ لغويٍّ شِفاهِيٍّ تقريريٍّ ، وَاليومِيُّ فى هذِهِ الحَالةِ ليْسَ فى أهميَّةِ الأيدلوجيِّ ، وَإنْ كانَ رياض أكثرَ جنوحًا إلى شِعريَّةِ اليَومِيِّ وَالمَعِيشِ ، وَالنَّبرَةِ البَاطِنيَّةِ ، وَأقلّ ضَجيحًا منْ المَاغُوط ؛ الَّذى قدَّمَ أقْصَى عَطَاءاتِهِ الشِّعريَّةِ عَبْرَ ديوانيْهِ الأوَّليْنِ : حُزْنٌ فى ضَوْءِ القَمْر : 1959 ، وَ: غُرْفةٌ بمَلاييْنِ الجُدْرَانِ : 1964.
يتبدَّى هذَا النُّزوعُ ، لدَى رياض ، فى قولِهِ :
" يَا سُوريَّا الجَمِيلة السَّعيدة
كمِدْفأةٍ فى كانونَ
يَا سُوريَّة التَّعِيسَة
كعَظْمَةٍ بيْنَ أسْنَانِ كَلْبٍ
يَا سُوريَّة القَاسِيَة
كمِشْرَطٍ فى يدِ جَرَّاحٍ
نحنُ أبناؤكِ الطيِّبونَ
الَّذين أكلْنَا خُبْزَكِ وَ زيتونَكِ وَ سِيَاطَكِ
أبدًا سَنقودُكِ إلى اليَنَابيعِ
أبدًا سَنُجفِّفُ دَمَكِ بأصَابعِنَا الخَضْرَاءِ
وَ دموعَكِ بشِفَاهِنَا اليَابِسَةِ
أبدًا سَنشُقُّ أمَامَكِ الدُّروبَ
وَ لنْ نتركَكِ تضيعِيْنَ يَا سُوريَّة
كأغنيَةٍ فى صَحَرَاء . "
بالنَّبرَةِ الخَطَابيَّةِ التَّقريريَّةِ الجَهِيرَةِ الحَارَّةِ ، المَوْرُوثَةِ عنْ المَاغُوطِ ، تَحَوَّلَ رياض ، بالتَّدريجِ ، إلى أدَاءٍ يخُصُّهُ :
" سَأقِفُ، أيضًا، سَأقِفُ
لأُحَدِّثكمْ عَنِّي
مِثْلَمَا يتحدَّثُ الدِّيكتاتورُ عنْ سجونِهِ
وَ المليونيرُ عنْ مَلايينِهِ
وَ العَاشقُ عنْ نهديْ حبيبتِهِ
وَ الطِّفلُ عنْ أمِّهِ
وَ اللصُّ عنْ مفاتيحِهِ
وَ العَالمُ عنْ حُكَّامِهِ
سَأحدِّثكُمْ بحُبٍّ، بحُبٍّ، بحُبٍّ
بعدَ أنْ أشْعِلَ سِيجَارَة !."
بهذِهِ النَّبرَةِ المُحَمَّلةِ بشَظَايَا منْ الوَاقِعِ المَعِيشِِ ، بنَى رياض نصوصًا تتجَاوَرُ التَّفاصِيلُ فيها ، لبناءِ نصوصٍ ، تُؤسِّسُ شِعريَّتَهَا بتفجيرِ المُفَارَقةِ فى نِهايَاتِهَا ، كَمَا فى هذا النَّصِّ :
" لسْتُ بائعَ خَرْدَواتٍ
وَلا مُهَرِّبَ دخانِ مارلبورو
وَلا أمْلِكُ مُسدَّسًا لأنتحِرَ
وَلا قُنبلةً لأخْطِفَ طَائرَةً
لمْ أبعْ قلبى بالمزَادِ العَلنيِّ
وْلمْ اشْترِ الويسكى منْ السُّوقِ الحُرَّةِ
لمْ أقتُلْ رَجُلاً
وَلمْ أصْفَعْ امْرَأةً بوَرْدَةٍ
فلِمَاذَا... لِمَاذَا
أيَّتُهَا الأحْجَارُ الَّتى لا تُحِبُّ المُوسِيْقَى
كُلَّمَا شَاهَدَنِى حفَّارو القبورِ
يَفْرُكونَ أيديهم بغِبْطَةٍ
وَيَدْعُوننِى لِزيَارتِهِمْ ؟."
وَ يكشِفُ الخِطَابُ الشِّعريُّ لرياض عنْ مجموعةٍ منْ الخَصَائصِ الجماليَّةِ المُتآزِرَةِ ؛ المُتمثلَةِ فى : الجُنُوحِ إلى النَّزعَةِ اليوميَّةِ المَعِيشَةِ ، وَبَسَاطةِ الأدَاءِ الشِّعريِّ وَتَدَاوليَّتِهِ وَشِفَاهيَّتِهِ ، وَتخفُّفِهِ منْ المَوَاريْثِ البلاغيَّةِ المَوْروثَةِ اسْتنادًا إلى بلاغيَّةِ المَشْهَدِ المَعِيشِ، وَوَقائعِيَّةِ الحَيَاةِ اليوميَّةِ ، وَأسْطَرَةِ المَعِيشِ ، وَالغنائيَّةِ الاستبطانيَّةِ الرَّهيفَةِ ذَاتَ النَّبرَةِ الفَجَائعيَّةِ ، وَالتَّعبيرِ عنْ ذاتٍ فرديَّةٍ بسيطَةٍ هَشَّةٍ وَسَاخِطَةٍ فى مواجَهَةِ جَحِيمِ الوَاقعِ المَعِيشِ ، بنبْرَةٍ تحْمِلُ المَرَارَةَ وَالألمَ البَاهِظَ ، وَلِلْمَوْتِ حضورٌ وَافرٌ فى الحَيَاةِ كَمَا أنَّ لِلْحَيَاةِ حضورًا وافرًا فى المَوْتِ ، فى تجربَةِ رياض ، وَبخَاصَّةٍ فى عملِهِ الشِّعريِّ الأخيْرِ : وَعْل فى الغَابَةِ .
تَحْضُرُالتَّفاصِيلُ الحَيَاتيَّةُ المَعِيشَةُ ، المُنْتَخَبَةُ بدِقَّةٍ ؛ لِتُشَكِّلَ بنيَةً شِعريَّةً مُحْكَمَةً وَمُكَثَّفَةً ، ذَاتَ أدَاءٍ إيقاعيٍّ حَادٍّ ، وَأدَاءٍ لغويٍّ شِفَاهيٍّ رَهِيْفٍ وَمُقْتَصِدٍ :
" غُرْفَةٌ صَغيرَةٌ صَالحَةٌ للحَيَاةِ
غُرْفةٌ صَغيرَةٌ وَ ضَيِّقةٌ صَالحَةٌ للمَوْتِ
غُرْفةٌ صَغيرَةٌ وَ رطْبَةٌ لا تَصْلُحُ لِشَيءٍ
غُرْفَةٌ صَغيرَةٌ فيْهَا :
امْرَأةٌ تُقشِّرُ البَطَاطَا وَ اليأسَ
عَامِلُ باطون لا ينَام أبدًا
بنتٌ تبكِى كثيرًا بدونِ سَبَبٍ
وَ أنَا وَلَدٌ مُشَاكِسٌ وَ غَيْرُ لئيمٍ
لدَيَّ كُتُبٌ وَ أصْدِقاءٌ
وَ لا شَيءَ غَيْرُ ذَلكَ . "
وَيَحْضُرُ الألمُ على نحوٍ كثيفٍ وَمُلحٍّ ، فى خِطَابِ رياض الشِّعريِّ ، مَهْمَا بَدَتْ الحَياَةُ جَمِيلةً :
" نحْنُ مُتَّفِقانِ:
الحَيَاةُ جَمِيلَةٌ
وَالناسُ رَائِعُونَ
وَالطَّريقُ لمْ تنْتَه وَلكِنْ انْظُرْ إليَّ قليلاً فإنَّنى أتألَّمُ
كَوَحْشٍ جريحٍ فى الفَلاةِ. "
وَبالإضَافةِ إلى الحُضورِ الوَافرِ للألمِ ، يحضُرُ المَوْتُ على نحْوٍ كثيفٍ ،وَلا يبدو المَوْتُ لدى رياض نهايَةً للحَيَاةِ ؛ بلْ دخولا فى حَيَاةٍ أخْرَى ، إنَّ فى المَوْتِ حَيَاةٌ أخْرَى ، وَلاينقطِعُ المَوْتَى تمَامًا عن حَيَوَاتِهِمْ الأولى :
" المَوْتَى الَّذين مَاتُوا فى الحُروبِ وَالأوبئَةِ ، فى السُّجونِ وَالطُّرُقاتِ ،
المَوْتَى الذين مَاتُوا بالخِنْجَرِ وَالرّصَاصِ وَالدِّينامِيْتِ ، بِالفأسِ وَحَبْلِ المَشْنقَةِ ،
المَوْتَى الجَمِيلونَ ذَوُو الأسْنَانِ البَاليَةِ
وَالوجوهِ النَّاتئَةِ
تذكَّرُوا وَهُمْ فى قبورِهِم
ضَوْءَ القَمَرِ وَخُضْرَةَ المَرَاعِي
تذكَّرُوا أنَّهُمْ لمْ يَعِيشُوا كَمَا ينبغِي
لمْ يَنْتَبِهُوا إلى الأصْوَاتِ وَالألوَانِ
تذكَّرُوا:
كَمْ قبلةً أضَاعُوا
كَمْ ضَوْءًا أغْمَضُوا عيونَهُمْ كيْلا يَرَوْهُ
كمْ زَهْرَةً لمْ يَزْرَعُوا
كَمْ كلِمَةً طيِّبَةً لمْ يقولُوهَا
المَوْتَى عَرِفُوا رُبَّمَا لِلْمَرَّةِ الأخِيْرَةِ
كمْ هيَ لذيذةٌ
حَيَاةُ الأحْيَاءِ ."
إنَّ المَوْتَى فى حَيَوَاتِهم الأخْرَى ، لاينقطِعُونَ عنْ اشتِغَالاتِهِمْ الَّتى كانَتْ فى دُنياهم ، وَيُقدِّمُ رياض نصوصًا عنْ عَوَالمِ المَوْتَى شَديدَةِ الرَّهافَةِ وَالإحْكَامِ وَالدَّلالةِ ، مِنْهَا نصُّ : الخِنْجَرُ؛ الَّذى يقولُ فيْهِ :
" الرَّجُلُ مَاتَ
الخِنْجَرُ فى القلْبِ
وَالابتسَامَةُ فى الشَّفتيْنِ
الرَّجُلُ مَاتَ
الرَّجُلُ يتنزَّهُ في قبْرِهِ
يَنْظُرُ إلى الأعْلَى
يَنْظُرُ إلى الأسْفَلِ
يَنْظُرُ حَوْلَهُ
لا شَيءَ سِوَى التُّرَابِ
لا شَيءَ سِوَى القَبْضَةِ اللامِعَةِ
لِلْخِنْجَرِ فى صَدْرِهِ
يبتسِمُ الرَّجُلُ المَيْتُ
وَيُرَبِّتُ على قبْضَةِ الخِنْجَرِ
الخِنْجَرُ صَدِيقُهُ الوَحِيْدُ
الخِنْجَرُ ذِكْرَى عَزِيْزَةٌ
منْ الَّذين في الأعْلَى. "
وَمِنْهَا كَذَلكَ نصُّهُ : العَاشِقُ ، الَّذى يقولُ فيْهِ :
" يَحْفُرُ العَاشِقُ بأظَافِرِهِ تُرَابَ القَبْرِ
يَحْفُرُ فى بقايَا التَّاريخِ
يَحْفُرُ مُنذُ ألفِ عَامٍ
يَحْفُرُ لِيَصِلَ
يَحْفُرُ دُونَمَا ألمٍ (المَوْتَى لا يَتَألَّمُونَ)
وَالعَاشِقُ المَيِّتُ يُريدُ الوُصُولَ لمَنْ يُحِبُّ
وَسَيَظلُّ يَحْفُرُ بالأظافرِ وَالأسْنَانِ
تُرَابَ القَبْرِ
سَيظلُّ يَحْفُرُ إلى الأبَدِ ."
وَيوَاصِلُ المَيِّتُ فى حَيَاتِهِ الأخْرَى إنْجَازاتِهِ ، الَّتى انتزعَهُ منْهَا المَوْتُ ، غَيْرَ آسِفٍ على مَا تَرَكَهُ خَلْفَهُ منْ أشياءَ فى حَيَاتِهِ الأولى :
" لمْ يأسَفْ على شَيءٍ
حِيْنَمَا أخَذُوهُ إلى المَقْبَرَةِ
لمْ يأسَفْ سِوَى على المِطْرَقَةِ والأزمِيلِ
على الألوَانِ وَالفُرَشِ
على اللوحَاتِ وَالتَّمَاثيلِ
وَهَا هُوَ الآنَ فى القبْرِ
هيكلاً عظمِيًّا
هَا هُوَ يقومُ جَامِعًا عِظَامَهُ
سَيَصْنَعُ منْ سُلاميَّاتِ الأصَابِعِ
خَوَاتمَ وَأقراطًا
منْ الجُمْجُمَةِ دَوْرَقًا للنَّبيْذِ
منْ العَمُود الفِقريِّ
صُحُونًا وَأكْوَابًا
وَرُبَّمَا يَصْلُحُ عَظْم الكَتِفِ
لِصُنْعِ طَائرٍ. "
وَيكتُبُ الشَّاعرُ فى قبرِهِ ، قَصَائدَهُ وَأقاصِيْصَهُ الَّتى لمْ يُتِمَّهَا فى حَيَاتِهِ الدُّنيَا ، لايكُفُّ عنْ الكِتابَةِ بموتِهِ :
" بريشَةٍ منْ العِظَامِ وِحِبْرٍ منْ الطَّمي
يكتُبُ على جُدْرَانِ قبرِهِ
قَصَائدَ وَرِوَايَاتٍ وَقصَصًا
قَصَائِدَ عنْ الحُبِّ
وَرِوَايَاتٍ عنْ القُرَى وَالمُدُنِ
وَقصَصًا عنْ الأرانبِ وَالعُجولِ
إنَّهُ يكتُبُ مُنذُ أنْ مَاتَ
يكتُبُ رَغْمَ أنَّ أحَدًا لا يقرَأُ مَا يكتُبُهُ
يكتُبُ دُونَمَا توقُّفٍ ، يكتُبُ برَغْبَةٍ ،
بانْدِفاعٍ لا يفعلُ شيئًا سِوَى الكِتَابَةِ
يكتُبُ رُبَّمَا لأنَّ الكِتابَةَ فِعْلُ حَيَاة ."
وَيَجْنَحُ الأدَاءُ الشِّعريُّ الغِنَائيُّ إلى أسْطَرَةِ التَّفاصِيلِ المَعِيشَةِ وَتشْكِيْلِ الصُّورِ الدَّالةِ ، عَبْرَ التَّوسُّعِ فى إعْمَالِ مِخْيَالٍ خَلاَّقٍ ؛ لِتَجْسِيدِ حَالةٍ شِعريَّةٍ مُشِعَّةٍ بالدّلالاتِ ، كَمَا فى قولِهِ :
" الذِّئبُ الَّذى افترَسَنِي
تَرَكَنِى وَحِيْدًا فى الغَابَةِ
مَنْ يُغطِّى جُثَّتِى بالأعْشَابِ
بأوْرَاقِ الأشْجَارِ اليَابسَةِ
بقليْلٍ منْ تُرَابٍ ؟
مَنْ يقرَأُ الفَاتِحَةَ على رُوحِي
مَنْ يُغْمِضُ عينيَّ الهَلِعَتيْنِ
مَنْ يَضَعُ على صَدْرِي
صَلِيْبًا منْ أزْهَار؟
الذِّئبُ الَّذى افترَسَنِي
صَارَ أنَا
أخَذَ وَجْهِى الشَّاحِبَ
وَ شَفَتَيَّ المُرْتَجِفتيْنِ
وَ قلبِى الطَّيِّبِ
وَ ظلَّ مُحْتَفِظًا بأنيَابِهِ
أنَا الذِّئبُ
ذُو اليَدِ البَيْضَاءِ
أدُورُ فى المَدِينَةِ وَ أعْوِي
أنَا الَّذى قَتَلَ الصَّيَّادَ فى الغَابَةِ
أنَا الصَّيَّادُ
احْذَرُوا حُبِّي
وَ احْذَرُوا أنْيَابِى . "
إنَّ الأدَاءَ الشِّعريَّ فى خِطَابِ رِياض الصَّالح الحُسَين لايَزَالُ على طَزَاجَتِهِ ، على الرَّغمِ منْ مرورِ أكثر منْ ثلاثَةِ عقودٍ على رَحِيْلِهِ ، بلْ هُوَ يقترِبُ أكثرَ منْ رَاهِنِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّةِ الجَديدَةِ ، وَبالفِعْلِ كَانَ رِياض أحَدَ الآبَاءِ الأسَاسِيِّينَ لِشُعرَاء تَحَوَّلُوا بشَكْلٍ جَمَاعيٍّ مُنْذُ نِهايَاتِ الثَّمانينيَّاتِ إلى شِعريَّةِ اليَومِيِّ وَالتَّفاصِيليِّ وَالمَعِيشِيِّ وَ الشَّخصَانِيِّ وَالبَسِيطِ المُهْمَلِ ؛ الَّذى عَاشَ مُهَمَّشًا طويلا ، وَجَعَلُوا الهَامِشَ مَتْنًا ، فى حِرَاكٍ شِعريٍّ كَثِيفٍ ، لايَزَالُ حَاضِرًا بقوَّةٍ ، فى مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّة الجَدِيدَةِ .
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
الحكى فى تجربة الشاعر منذر مصرى
هيمنة الخيال الحر ملامح الخطاب الشِّعرىِّ فى تجربة صلاح فائق
ملامحُ الخِطابِ الشِّعرىِّ
عاش ثائرا.. وهكذا رحل كلمات في وفاة الأديب الماغوط
نافذة حرة: شاعر مغترب وقصيدة حميمية
أبلغ عن إشهار غير لائق