الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
«الوطنية للانتخابات» تعلن جاهزية اللجان الانتخابية لاستقبال الناخبين
محافظ البحيرة تتفقد مدرسة STEM.. أول صرح تعليمي متخصص لدعم المتفوقين
محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة
«القومي للمرأة»: تشكيل غرفة عمليات استعدادا لانتخابات مجلس النواب
موفدو الأوقاف بالخارج يدلون بأصواتهم في انتخابات مجلس النواب بمقار السفارات والقنصليات المصرية (صور)
«العمل» تعلن اختبارات منح التدريب المجانية بالمعهد الإيطالي لتأهيل الشباب
محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات
المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود
«المشاط» تتلقى تقريرًا حول تطور العلاقات المصرية الألمانية واستعدادات انعقاد المفاوضات الحكومية
ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 69.176 شهيدا و170.690 مصابا
ضبط زوجين إيرانيين يحملان جوازي سفر إسرائيليين مزورين بدولة إفريقية
بعد فيديو الشرع وكرة السلة.. ما الهوايات المفضلة لرؤساء العالم؟
المجلس التشريعي الفلسطيني: إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة المدى بالضفة لتهجير شعبنا
تحسين الأسطل : الأوضاع في قطاع غزة ما زالت تشهد خروقات متكررة
زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي
توروب يعلن تشكيل الأهلي لمباراة الزمالك
ياناس يا ناس زمالك عايز الكاس .. كيف حفز الأبيض لاعبيه قبل مواجهة الأهلى بالسوبر ؟
«الداخلية» تكشف حقيقة فيديو دهس مواطن بالإسكندرية
ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة في 7 إدارات بالقليوبية
فضيحة داخل المستشفى.. ننفرد بنشر قائمة العقاقير المخدرة بمستشفى تخصصي بشبرا
أثناء سيره في الشارع.. مصرع شاب طعنًا في قنا
أشرف العشماوي ناعيا الروائي مصطفى نصر: ظل مخلصا لمكانه وفنه حتى النهاية
رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
«تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء
سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام
مرفت عمر بلجنة تحكيم مهرجان ZIFFA في السنغال
على مدار 6 ايام متواصلة.. قوافل طبية وتوعوية تقدم خدماتها ل 8984 مستفيد بأسيوط
أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور
رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026
رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم
صينية القرنبيط بالفرن مع الجبن والبهارات، أكلة اقتصادية ومغذية
توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر
ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان
ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)
امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات
استخرج تصاريح العمل خلال 60 دقيقة عبر "VIP إكسبريس".. انفوجراف
أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين
التنسيقية: إقبال كثيف في دول الخليج العربي على التصويت في النواب
صرف تكافل وكرامة لشهر نوفمبر 2025.. اعرف هتقبض امتى
القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء
وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن
الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان
تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر
«كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم
مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول
طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب
تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية
«لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر
قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة
أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية
على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة
جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح
مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية
التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر
الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا
معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون
تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح
«الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
شعريَّةُ الحيَاةِ اليوميَّةِ وَالخِطَابِ الشِّفاهىِّ فى تجربةِ رياض الصَّالح الحُسَين
شريف رزق
نشر في
الأهرام اليومي
يوم 07 - 12 - 2014
تُعدُّ تجربَةُ الشَّاعرِ رياض الصَّالح الحُسَين (1954- 1982) ، واحدةً منْ التَّجاربِ الشِّعريَّةِ الأسَاسيَّةِ ، الَّتى قادَتْ إلى المَشْهَدِ الشِّعريِّ الرَّاهنِ باشتغالاتِهَا الجَمَاليَّةِ المَائزةِ ؛ المُتمثِّلةِ فى احتفائِهَا بجَمَاليَّاتِ الحَيَاةِ اليوميَّةِ المَعِيشَةِ الدَّالةِ ؛ بسرديَّاتِهَا المُعَاصِرَةِ ، وَتفاصِيلِهَا الحَيَاتيَّةِ المَعِيشَةِ ، وَأدائِهَا الشِّفاهيِّ الحَيِّ الحَمِيمِ وَنَبَرَاتِهَا الشَّخصِيَّةِ ، وَخُروجِهَا على وثنيَّةِ اللغَةِ الشِّعريَّةِ، وَكيميائيَّةِ التَّعبيرِ الشِّعريِّ ، وَتَعَدُّدِ شَفَرَاتِ النَّصِّ.
وَرِياض الَّذى لمْ يمكُثْ فى دُنيَانَا أكثرَ منْ ثمانيَةٍ وَعِشْرينَ عَامًا، هُوَ واحدٌ منْ حلْقَةِ شُعَرَاء أسَّسوا هذَا التَيارَ فى مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّةِ الجَديدَةِ، فى سُوريا، مُتخلِّصِينَ منْ ضَجيجِ الأيدلوجيِّ وَالمِيتَافيزيقيِّ وَالذِّهنيِّ، المُحِيطِ بهِمْ: عَاكِفيْنَ على اليوميِّ وَالشَّخصِيِّ وَالشِّفاهيِّ لِصِيَاغَةِ خطابٍ شِعريٍّ جديدٍ، ضَمَّتْ هذِهِ الحلْقَةُ مجموعةَ أصْوَاتٍ شِعريَّةٍ ، يأتى فى طليعتِهَا: بندر عبد الحميد ، ومُنْذر مِصْرى ، وعادل محمود ، وكانَ رياض أصغرَ شُعرَاءِ هذِهِ الحلْقَةِ ، وَكانَ لهذَا التَّيَّارُ حضورٌ آخرٌ فى الشِّعريَّةِ الجديدَةِ فى
لبنانَ
، بَرَزَ فى نصوصِ وديع سعادة ، ثم بسَّام حجَّار ، وَالفلسطينيِّ المُقيمِ
بلبنانَ
حينئذٍ أمجد ناصِر .
وُلِدَ رياض فى درعا ، وَعَمِلَ فى مركز الدِّرَاسَاتِ الفلسطينيَّةِ فى
دمشقَ
، وَقدْ مَنَعَهُ الصَّمَمُ وَالبَكَمُ منْ إكمَالِ دراسَتِهِ ، وَكانَ قدْ أصِيْبَ بالصَّممِ فى عامِ ، عَقِبَ عمليَّةٍ جِرَاحيَّةٍ فى الكليتيْنِ 1967 ؛ فدَأبَ على تثقيفِ نفسِهِ بالتَّجاربِ العَرَبيَّةِ الجديدَةِ وَالمُترجَمَةِ ، وَاضطُرَ إلى العَمَلِ مُبكِّرًا ، وَتُوفِّيَ فى مستشفى المُوَاسَاةِ ، بدِمشقَ ، عَصْرَ يوم 12 / 11 / 1982 بسبب قُصورٍ فى عَمَلِ الكليتيْنِ ؛ نَجَمَ عنْه توقُّف عَمَلِ القلْبِ .
أصْدَرَ رياض فى حياتِهِ ثلاثَةَ دواوين ، هيَ : خَرَابُ الدَّورةِ الدَّمويَّةِ : 1979- أسَاطيرُ يوميَّةٌ : 1980- بسيطٌ كالمَاءِ ، وَاضِحٌ كطلقَةِ مُسَدَّسٍ : 1982، وَصَدَرَ الرَّابعُ ، وهو أبرَزُ هذِهِ الأعمَالِ ، عَقِب وفاتِهِ ، تحتَ عنوانِ : وَعْلٌ فى الغَابَةِ : 1983 ، وَبالإضَافةِ إلى هذِهِ الأعمَالِ الشِّعريَّةِ ، كَتَبَ رياض القِصَّةََ القَصِيرَةَ ، وَالمَقَالةَ ، وَكَتَبَ للأطفالِ ، وَفى النَّقدِ الأدبيِّ .
وَبمُنْجَزِهِ الشِّعريِّ يقَعُ رياض فى قلْبِ الحَلْقَةِ السُّوريَّةِ السَّبعينيَّةِ ، الَّتى أرْسَتْ جماليَّاتِ شِعريَّةِ اليَومِيِّ وَالشَّخصِيِّ وَالشِّفاهيِّ البَسِيطِ ، فى مَتْنِ الخِطَابِ الشِّعريِّ الجديدِ لِلْقَصِيدِ النَّثريِّ ، وَمُبكِّرًا ، عنْ مُعْظَمِ المَشَاهِدِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّةِ المُجَاورَةِ ؛ فَجَعَلتْ الهَامِشَ مَتْنًا ، وَانتصَرَتْ لتفاصِيلِ الحَيَاةِ المَعِيشَةِ ، وَسَرْديَّاتِهَا الحَيَاتيَّةِ ، وَشَوَاغلِهَا الشَّخصِيَّةِ الحَمِيمَةِ ، وَيَتَبَدَّى هذَا النُّزوعُ فى العنوَانِ اللافِتِ للمَجْمُوعَةِ الشِّعريَّةِ الثَّانيَةِ لرياض : " أسَاطيْر يومِيَّة ".
وَيَعْكِسُ خِطَابُ رياض وَلَعَهُ ، فى المَرْحَلَةِ المُبَكِّرَةِ منْ تجربتِهِ ، بحضورِ الأيدلوجيا فى بنيَةِ الخِطَابِ الشِّعريِّ ، ويبدو صَوْتُ رياض فى هذِهِ الحَالةِ كأنَّهُ يُعَمِّقُ تيَّارَ محمَّد المَاغُوط ؛ بنبرتِهِ الحَادَّةِ المُتمَرِّدَةِ وَمنظُورِهِ الأيدلوجيِّ وَلُغتِهِ السَّاخِطَةِ ، الَّتى تَجْمَعُ فى دفعتِهَا الأيدلوجيَّةِ شَظايَا التَّفاصِيلِ اليوميَّةِ ، بأدَاءٍ لغويٍّ شِفاهِيٍّ تقريريٍّ ، وَاليومِيُّ فى هذِهِ الحَالةِ ليْسَ فى أهميَّةِ الأيدلوجيِّ ، وَإنْ كانَ رياض أكثرَ جنوحًا إلى شِعريَّةِ اليَومِيِّ وَالمَعِيشِ ، وَالنَّبرَةِ البَاطِنيَّةِ ، وَأقلّ ضَجيحًا منْ المَاغُوط ؛ الَّذى قدَّمَ أقْصَى عَطَاءاتِهِ الشِّعريَّةِ عَبْرَ ديوانيْهِ الأوَّليْنِ : حُزْنٌ فى ضَوْءِ القَمْر : 1959 ، وَ: غُرْفةٌ بمَلاييْنِ الجُدْرَانِ : 1964.
يتبدَّى هذَا النُّزوعُ ، لدَى رياض ، فى قولِهِ :
" يَا سُوريَّا الجَمِيلة السَّعيدة
كمِدْفأةٍ فى كانونَ
يَا سُوريَّة التَّعِيسَة
كعَظْمَةٍ بيْنَ أسْنَانِ كَلْبٍ
يَا سُوريَّة القَاسِيَة
كمِشْرَطٍ فى يدِ جَرَّاحٍ
نحنُ أبناؤكِ الطيِّبونَ
الَّذين أكلْنَا خُبْزَكِ وَ زيتونَكِ وَ سِيَاطَكِ
أبدًا سَنقودُكِ إلى اليَنَابيعِ
أبدًا سَنُجفِّفُ دَمَكِ بأصَابعِنَا الخَضْرَاءِ
وَ دموعَكِ بشِفَاهِنَا اليَابِسَةِ
أبدًا سَنشُقُّ أمَامَكِ الدُّروبَ
وَ لنْ نتركَكِ تضيعِيْنَ يَا سُوريَّة
كأغنيَةٍ فى صَحَرَاء . "
بالنَّبرَةِ الخَطَابيَّةِ التَّقريريَّةِ الجَهِيرَةِ الحَارَّةِ ، المَوْرُوثَةِ عنْ المَاغُوطِ ، تَحَوَّلَ رياض ، بالتَّدريجِ ، إلى أدَاءٍ يخُصُّهُ :
" سَأقِفُ، أيضًا، سَأقِفُ
لأُحَدِّثكمْ عَنِّي
مِثْلَمَا يتحدَّثُ الدِّيكتاتورُ عنْ سجونِهِ
وَ المليونيرُ عنْ مَلايينِهِ
وَ العَاشقُ عنْ نهديْ حبيبتِهِ
وَ الطِّفلُ عنْ أمِّهِ
وَ اللصُّ عنْ مفاتيحِهِ
وَ العَالمُ عنْ حُكَّامِهِ
سَأحدِّثكُمْ بحُبٍّ، بحُبٍّ، بحُبٍّ
بعدَ أنْ أشْعِلَ سِيجَارَة !."
بهذِهِ النَّبرَةِ المُحَمَّلةِ بشَظَايَا منْ الوَاقِعِ المَعِيشِِ ، بنَى رياض نصوصًا تتجَاوَرُ التَّفاصِيلُ فيها ، لبناءِ نصوصٍ ، تُؤسِّسُ شِعريَّتَهَا بتفجيرِ المُفَارَقةِ فى نِهايَاتِهَا ، كَمَا فى هذا النَّصِّ :
" لسْتُ بائعَ خَرْدَواتٍ
وَلا مُهَرِّبَ دخانِ مارلبورو
وَلا أمْلِكُ مُسدَّسًا لأنتحِرَ
وَلا قُنبلةً لأخْطِفَ طَائرَةً
لمْ أبعْ قلبى بالمزَادِ العَلنيِّ
وْلمْ اشْترِ الويسكى منْ السُّوقِ الحُرَّةِ
لمْ أقتُلْ رَجُلاً
وَلمْ أصْفَعْ امْرَأةً بوَرْدَةٍ
فلِمَاذَا... لِمَاذَا
أيَّتُهَا الأحْجَارُ الَّتى لا تُحِبُّ المُوسِيْقَى
كُلَّمَا شَاهَدَنِى حفَّارو القبورِ
يَفْرُكونَ أيديهم بغِبْطَةٍ
وَيَدْعُوننِى لِزيَارتِهِمْ ؟."
وَ يكشِفُ الخِطَابُ الشِّعريُّ لرياض عنْ مجموعةٍ منْ الخَصَائصِ الجماليَّةِ المُتآزِرَةِ ؛ المُتمثلَةِ فى : الجُنُوحِ إلى النَّزعَةِ اليوميَّةِ المَعِيشَةِ ، وَبَسَاطةِ الأدَاءِ الشِّعريِّ وَتَدَاوليَّتِهِ وَشِفَاهيَّتِهِ ، وَتخفُّفِهِ منْ المَوَاريْثِ البلاغيَّةِ المَوْروثَةِ اسْتنادًا إلى بلاغيَّةِ المَشْهَدِ المَعِيشِ، وَوَقائعِيَّةِ الحَيَاةِ اليوميَّةِ ، وَأسْطَرَةِ المَعِيشِ ، وَالغنائيَّةِ الاستبطانيَّةِ الرَّهيفَةِ ذَاتَ النَّبرَةِ الفَجَائعيَّةِ ، وَالتَّعبيرِ عنْ ذاتٍ فرديَّةٍ بسيطَةٍ هَشَّةٍ وَسَاخِطَةٍ فى مواجَهَةِ جَحِيمِ الوَاقعِ المَعِيشِ ، بنبْرَةٍ تحْمِلُ المَرَارَةَ وَالألمَ البَاهِظَ ، وَلِلْمَوْتِ حضورٌ وَافرٌ فى الحَيَاةِ كَمَا أنَّ لِلْحَيَاةِ حضورًا وافرًا فى المَوْتِ ، فى تجربَةِ رياض ، وَبخَاصَّةٍ فى عملِهِ الشِّعريِّ الأخيْرِ : وَعْل فى الغَابَةِ .
تَحْضُرُالتَّفاصِيلُ الحَيَاتيَّةُ المَعِيشَةُ ، المُنْتَخَبَةُ بدِقَّةٍ ؛ لِتُشَكِّلَ بنيَةً شِعريَّةً مُحْكَمَةً وَمُكَثَّفَةً ، ذَاتَ أدَاءٍ إيقاعيٍّ حَادٍّ ، وَأدَاءٍ لغويٍّ شِفَاهيٍّ رَهِيْفٍ وَمُقْتَصِدٍ :
" غُرْفَةٌ صَغيرَةٌ صَالحَةٌ للحَيَاةِ
غُرْفةٌ صَغيرَةٌ وَ ضَيِّقةٌ صَالحَةٌ للمَوْتِ
غُرْفةٌ صَغيرَةٌ وَ رطْبَةٌ لا تَصْلُحُ لِشَيءٍ
غُرْفَةٌ صَغيرَةٌ فيْهَا :
امْرَأةٌ تُقشِّرُ البَطَاطَا وَ اليأسَ
عَامِلُ باطون لا ينَام أبدًا
بنتٌ تبكِى كثيرًا بدونِ سَبَبٍ
وَ أنَا وَلَدٌ مُشَاكِسٌ وَ غَيْرُ لئيمٍ
لدَيَّ كُتُبٌ وَ أصْدِقاءٌ
وَ لا شَيءَ غَيْرُ ذَلكَ . "
وَيَحْضُرُ الألمُ على نحوٍ كثيفٍ وَمُلحٍّ ، فى خِطَابِ رياض الشِّعريِّ ، مَهْمَا بَدَتْ الحَياَةُ جَمِيلةً :
" نحْنُ مُتَّفِقانِ:
الحَيَاةُ جَمِيلَةٌ
وَالناسُ رَائِعُونَ
وَالطَّريقُ لمْ تنْتَه وَلكِنْ انْظُرْ إليَّ قليلاً فإنَّنى أتألَّمُ
كَوَحْشٍ جريحٍ فى الفَلاةِ. "
وَبالإضَافةِ إلى الحُضورِ الوَافرِ للألمِ ، يحضُرُ المَوْتُ على نحْوٍ كثيفٍ ،وَلا يبدو المَوْتُ لدى رياض نهايَةً للحَيَاةِ ؛ بلْ دخولا فى حَيَاةٍ أخْرَى ، إنَّ فى المَوْتِ حَيَاةٌ أخْرَى ، وَلاينقطِعُ المَوْتَى تمَامًا عن حَيَوَاتِهِمْ الأولى :
" المَوْتَى الَّذين مَاتُوا فى الحُروبِ وَالأوبئَةِ ، فى السُّجونِ وَالطُّرُقاتِ ،
المَوْتَى الذين مَاتُوا بالخِنْجَرِ وَالرّصَاصِ وَالدِّينامِيْتِ ، بِالفأسِ وَحَبْلِ المَشْنقَةِ ،
المَوْتَى الجَمِيلونَ ذَوُو الأسْنَانِ البَاليَةِ
وَالوجوهِ النَّاتئَةِ
تذكَّرُوا وَهُمْ فى قبورِهِم
ضَوْءَ القَمَرِ وَخُضْرَةَ المَرَاعِي
تذكَّرُوا أنَّهُمْ لمْ يَعِيشُوا كَمَا ينبغِي
لمْ يَنْتَبِهُوا إلى الأصْوَاتِ وَالألوَانِ
تذكَّرُوا:
كَمْ قبلةً أضَاعُوا
كَمْ ضَوْءًا أغْمَضُوا عيونَهُمْ كيْلا يَرَوْهُ
كمْ زَهْرَةً لمْ يَزْرَعُوا
كَمْ كلِمَةً طيِّبَةً لمْ يقولُوهَا
المَوْتَى عَرِفُوا رُبَّمَا لِلْمَرَّةِ الأخِيْرَةِ
كمْ هيَ لذيذةٌ
حَيَاةُ الأحْيَاءِ ."
إنَّ المَوْتَى فى حَيَوَاتِهم الأخْرَى ، لاينقطِعُونَ عنْ اشتِغَالاتِهِمْ الَّتى كانَتْ فى دُنياهم ، وَيُقدِّمُ رياض نصوصًا عنْ عَوَالمِ المَوْتَى شَديدَةِ الرَّهافَةِ وَالإحْكَامِ وَالدَّلالةِ ، مِنْهَا نصُّ : الخِنْجَرُ؛ الَّذى يقولُ فيْهِ :
" الرَّجُلُ مَاتَ
الخِنْجَرُ فى القلْبِ
وَالابتسَامَةُ فى الشَّفتيْنِ
الرَّجُلُ مَاتَ
الرَّجُلُ يتنزَّهُ في قبْرِهِ
يَنْظُرُ إلى الأعْلَى
يَنْظُرُ إلى الأسْفَلِ
يَنْظُرُ حَوْلَهُ
لا شَيءَ سِوَى التُّرَابِ
لا شَيءَ سِوَى القَبْضَةِ اللامِعَةِ
لِلْخِنْجَرِ فى صَدْرِهِ
يبتسِمُ الرَّجُلُ المَيْتُ
وَيُرَبِّتُ على قبْضَةِ الخِنْجَرِ
الخِنْجَرُ صَدِيقُهُ الوَحِيْدُ
الخِنْجَرُ ذِكْرَى عَزِيْزَةٌ
منْ الَّذين في الأعْلَى. "
وَمِنْهَا كَذَلكَ نصُّهُ : العَاشِقُ ، الَّذى يقولُ فيْهِ :
" يَحْفُرُ العَاشِقُ بأظَافِرِهِ تُرَابَ القَبْرِ
يَحْفُرُ فى بقايَا التَّاريخِ
يَحْفُرُ مُنذُ ألفِ عَامٍ
يَحْفُرُ لِيَصِلَ
يَحْفُرُ دُونَمَا ألمٍ (المَوْتَى لا يَتَألَّمُونَ)
وَالعَاشِقُ المَيِّتُ يُريدُ الوُصُولَ لمَنْ يُحِبُّ
وَسَيَظلُّ يَحْفُرُ بالأظافرِ وَالأسْنَانِ
تُرَابَ القَبْرِ
سَيظلُّ يَحْفُرُ إلى الأبَدِ ."
وَيوَاصِلُ المَيِّتُ فى حَيَاتِهِ الأخْرَى إنْجَازاتِهِ ، الَّتى انتزعَهُ منْهَا المَوْتُ ، غَيْرَ آسِفٍ على مَا تَرَكَهُ خَلْفَهُ منْ أشياءَ فى حَيَاتِهِ الأولى :
" لمْ يأسَفْ على شَيءٍ
حِيْنَمَا أخَذُوهُ إلى المَقْبَرَةِ
لمْ يأسَفْ سِوَى على المِطْرَقَةِ والأزمِيلِ
على الألوَانِ وَالفُرَشِ
على اللوحَاتِ وَالتَّمَاثيلِ
وَهَا هُوَ الآنَ فى القبْرِ
هيكلاً عظمِيًّا
هَا هُوَ يقومُ جَامِعًا عِظَامَهُ
سَيَصْنَعُ منْ سُلاميَّاتِ الأصَابِعِ
خَوَاتمَ وَأقراطًا
منْ الجُمْجُمَةِ دَوْرَقًا للنَّبيْذِ
منْ العَمُود الفِقريِّ
صُحُونًا وَأكْوَابًا
وَرُبَّمَا يَصْلُحُ عَظْم الكَتِفِ
لِصُنْعِ طَائرٍ. "
وَيكتُبُ الشَّاعرُ فى قبرِهِ ، قَصَائدَهُ وَأقاصِيْصَهُ الَّتى لمْ يُتِمَّهَا فى حَيَاتِهِ الدُّنيَا ، لايكُفُّ عنْ الكِتابَةِ بموتِهِ :
" بريشَةٍ منْ العِظَامِ وِحِبْرٍ منْ الطَّمي
يكتُبُ على جُدْرَانِ قبرِهِ
قَصَائدَ وَرِوَايَاتٍ وَقصَصًا
قَصَائِدَ عنْ الحُبِّ
وَرِوَايَاتٍ عنْ القُرَى وَالمُدُنِ
وَقصَصًا عنْ الأرانبِ وَالعُجولِ
إنَّهُ يكتُبُ مُنذُ أنْ مَاتَ
يكتُبُ رَغْمَ أنَّ أحَدًا لا يقرَأُ مَا يكتُبُهُ
يكتُبُ دُونَمَا توقُّفٍ ، يكتُبُ برَغْبَةٍ ،
بانْدِفاعٍ لا يفعلُ شيئًا سِوَى الكِتَابَةِ
يكتُبُ رُبَّمَا لأنَّ الكِتابَةَ فِعْلُ حَيَاة ."
وَيَجْنَحُ الأدَاءُ الشِّعريُّ الغِنَائيُّ إلى أسْطَرَةِ التَّفاصِيلِ المَعِيشَةِ وَتشْكِيْلِ الصُّورِ الدَّالةِ ، عَبْرَ التَّوسُّعِ فى إعْمَالِ مِخْيَالٍ خَلاَّقٍ ؛ لِتَجْسِيدِ حَالةٍ شِعريَّةٍ مُشِعَّةٍ بالدّلالاتِ ، كَمَا فى قولِهِ :
" الذِّئبُ الَّذى افترَسَنِي
تَرَكَنِى وَحِيْدًا فى الغَابَةِ
مَنْ يُغطِّى جُثَّتِى بالأعْشَابِ
بأوْرَاقِ الأشْجَارِ اليَابسَةِ
بقليْلٍ منْ تُرَابٍ ؟
مَنْ يقرَأُ الفَاتِحَةَ على رُوحِي
مَنْ يُغْمِضُ عينيَّ الهَلِعَتيْنِ
مَنْ يَضَعُ على صَدْرِي
صَلِيْبًا منْ أزْهَار؟
الذِّئبُ الَّذى افترَسَنِي
صَارَ أنَا
أخَذَ وَجْهِى الشَّاحِبَ
وَ شَفَتَيَّ المُرْتَجِفتيْنِ
وَ قلبِى الطَّيِّبِ
وَ ظلَّ مُحْتَفِظًا بأنيَابِهِ
أنَا الذِّئبُ
ذُو اليَدِ البَيْضَاءِ
أدُورُ فى المَدِينَةِ وَ أعْوِي
أنَا الَّذى قَتَلَ الصَّيَّادَ فى الغَابَةِ
أنَا الصَّيَّادُ
احْذَرُوا حُبِّي
وَ احْذَرُوا أنْيَابِى . "
إنَّ الأدَاءَ الشِّعريَّ فى خِطَابِ رِياض الصَّالح الحُسَين لايَزَالُ على طَزَاجَتِهِ ، على الرَّغمِ منْ مرورِ أكثر منْ ثلاثَةِ عقودٍ على رَحِيْلِهِ ، بلْ هُوَ يقترِبُ أكثرَ منْ رَاهِنِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّةِ الجَديدَةِ ، وَبالفِعْلِ كَانَ رِياض أحَدَ الآبَاءِ الأسَاسِيِّينَ لِشُعرَاء تَحَوَّلُوا بشَكْلٍ جَمَاعيٍّ مُنْذُ نِهايَاتِ الثَّمانينيَّاتِ إلى شِعريَّةِ اليَومِيِّ وَالتَّفاصِيليِّ وَالمَعِيشِيِّ وَ الشَّخصَانِيِّ وَالبَسِيطِ المُهْمَلِ ؛ الَّذى عَاشَ مُهَمَّشًا طويلا ، وَجَعَلُوا الهَامِشَ مَتْنًا ، فى حِرَاكٍ شِعريٍّ كَثِيفٍ ، لايَزَالُ حَاضِرًا بقوَّةٍ ، فى مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَرَبيَّة الجَدِيدَةِ .
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
الحكى فى تجربة الشاعر منذر مصرى
هيمنة الخيال الحر ملامح الخطاب الشِّعرىِّ فى تجربة صلاح فائق
ملامحُ الخِطابِ الشِّعرىِّ
عاش ثائرا.. وهكذا رحل كلمات في وفاة الأديب الماغوط
نافذة حرة: شاعر مغترب وقصيدة حميمية
أبلغ عن إشهار غير لائق