التحدث في الدين هذه الأيام أصبح موضة وتسلية، كلٌّ يتحدث، ولا يهم أن يكون متخصصًا أم غير متخصص، وكأن الدين لا يحتاج لتخصص، فتجد الآن كل من هبَّ ودبَّ يتحدث ويفتي هنا وهناك.وليت الأمر وقف عند التحدث فقط، بل وجدنا الهجوم الشنيع على ثوابت الدين هنا وهناك، فمن ينكر عذاب القبر ويستهزئ بالحياة البرزخية ويسخر منها، ومن يطعن في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن سادتنا الصحابة أجمعين . وجدنا إعلاميًّا كبيرًا يغير جلده كل يوم، لا تعرف مع من هو ولا لصالح من يعمل، يطعن في سيدنا أبي هريرة -رضي الله عنه- ويكيل له الاتهامات!! ويطعن في صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وهو نفسه من يطعن في عذاب القبر وينكر الحياة البرزخية بل ويسخر من القائلين بها. ثم ابتلينا بأمثال الشيخ ميزو ومظهر شاهين وغيرهما ممن لبسوا عمامة الأزهر وراحوا كل يوم يطلقون الفتاوى وكأنها تخرج من صنبور مياه!! بل وجدنا من يفتي بقتل الناس علنا ويحرض المصريين بعضهم على بعض، ووجدنا من يطعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكل هذا يجري وسعادة وزير الأوقاف منهمك في إغلاق المساجد وفي منع غير الأزاهرة من الخطابة، فهل حللتَ المشكلة يا سيادة الوزير، هل جددتَ الخطاب الديني؟ هل حسّنتَ من مستوى خطباء الأوقاف لأن كثيرا منهم يسببون مغصًا شديدًا لمن يسمعهم بسبب أخطائهم اللغوية بل وأخطائهم في نطق الآيات والأحاديث!!! صرنا اليوم نصنع إرهابًا جديدًا، فعندما نجد الهجوم على الدين ليل نهار من هنا ومن هناك، فهل كان الدين عائقا أمام التقدم؟ هل الدين هو سبب أزمتنا الإدارية التي نعيشها اليوم؟ هل كان الدين هو سبب أزمتنا الاقتصادية التي نعانيها اليوم؟!! هل كان الدين سبب ما نعانيه اليوم من تفشي الأمراض وانتشار الأوبئة؟!!! إن البعد عن الدين في زماننا هذا هو سبب أزمتنا، وما لم يتحرك من في رقبتهم أمر هذا الدين ويقفوا حارسين لحدوده معلمين الناس آدابه فسنظل كما نحن من تُراجع إلى تُراجع، ومن سيِّئ إلى أسوأ، مصداقًا لقول ربنا سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [المائدة: 66]، وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]. ولقد ضرب الله لنا المثل في الأمم الهالكة بسبب بعدهم عن منهج الله فقال: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} [سبأ: 15-17]. فلا بد من تحرك رجال الأزهر والدعاة الثقاة للوقوف في وجه من يعبث بثوابت هذا الدين، وبدلا من مجاملاتهم ومحاولاتهم استرضاء هذا وذاك عليهم بتبيين أخلاق الإسلام الصحيحة فهو الدين الوسطي دين الفطرة الدين الحنيف، والذي ببعدنا عن قيمه وأخلاقه وقعنا فيما نحن فيه، فأزمتنا هي أزمة ضمير وأخلاق بالدرجة الأولى. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر