جاء خبر استقالة تشاك هاجل من منصبه كوزبر للدفاع، مثيرا للكثير من التكهنات وردود الأفعال المتضاربة أحيانا، حول السبب الذى دفع العضو الجمهورى الوحيد فى الإدارة الأمريكية الديمقراطية للتخلى عن منصبه فى الوقت الذى تشن فيه حربا موسعة ضد الإرهاب فى الخارج. وقد إختلفت التفسيرات حول ترك هاجل لمنصبه الذى يصفه بعضها بأنه قرار من أوباما بإزاحته عن منصبه لإحساسه أن المشاكل الدولية التى تواجهه، خاصة العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش تحتاج شخصا أخر يتصدى لهذه التحديات، خاصة أن أوباما قبل الإستقالة فورا بمجرد تقديمها إليه. ويؤكد ذلك ما ذكرته بعض الصحف الأمريكية من أن أنباء كانت قد ترددت من جانب مصادر مسئولة بأنها تتوقع أن يتم التضحية بهاجل وتقديمه "كبش فداء"، بعد أن وصلت علاقته بالبيت الأبيض إلى درجة شديدة من التوتر. وكانت افتتاحية نيويورك تايمز قد أشارت إلى أن إستقالة هاجل تفتح الباب لسيطرة البيت الأبيض على سياسة الدفاع والأمن الأمريكية، لكن معظم التفسيرات ترى أن إستقالة هاجل هى قرار اتخذه بمحض إرادته لإصابته بالإحباط من السياسات الخارجية لإدارة أوباما، والتى لا يوافق على الكثير منها، وهو ما أدى إلى توتر علاقاته مع فريق أوباما للأمن القومى، وعلى رأسه مستشارة الأمن القومى سوزان رايس. أيا كانت الحقيقة فإن كثيرا من المعلومات التى تسربت ترسم صورة للعلاقة بين هاجل وأوباما وفريقه للأمن القومى، وكلها تتجاوز قضية هاجل فى حد ذاتها لتكشف عن كيفية صناعة وإدارة السياسة الخارجية فى البيت الأبيض. ومن المعروف أن الفترة الأخيرة كانت قد شهدت إنتقادات حادة من كثير من الساسة والخبراء فى الولاياتالمتحدة، ليس فقط من جانب الجمهوريين لكن أيضا من جانب أعضاء فى الحزب الديمقراطى، والتى تنتقد السياسة الخارجية لأوباما بشكل عام، وتصف سياسته بأنها متناقضة مع بعضها وأنه متردد، بل أنه يفتقد رؤية سياسية متكاملة لإستراتيجية الأمن القومى للولايات المتحدة فى الخارج، ومنها على سبيل المثال سياساته تجاه مصر، حيث إتخذ أوباما موقفا حادا من النظام الجديد فى مصر بعد إسقاط حكم الإخوان، لدرجة أن هذا الموقف إتسم بالعداء بما فرضه من عقوبات إقتصادية وعسكرية، دون أن تكون لديه تقديرات لنتائج ذلك فى المستقبل، ولكن إستطاع الحكم الجديد فى مصر أن يتجاوز تلك العقوبات دون أن يكون لها أى تأثير على مصر، وهو ما إتفق عليه معظم خبراء السياسة الخارجية فى الولاياتالمتحدة، عندما إستطاعت مصر أن تتجه نحو توسيع علاقاتها الخارجية مع قوى متعددة، وهو ما وضع الولاياتالمتحدة فى موقف أصابها بخسارة استراتيجية بفقدها مصر والدول العربية كأصدقاء لها فى المنطقة، وهو ما حاول أوباما بعد ذلك إصلاحه بتغيير سياسته تجاه مصر. ومن بين الأراء التى بدأت فى تحليل عملية خروج هاجل من وزارة الدفاع، ما كتبه الكاتب ديفيد روسكي فى مجلة فورين بوليسى من أن السكاكين كانت قد وجهت إلى هاجل بمجرد تعيينه وزيرا للدفاع، وأن بعض الصحفيين هاجموا اختياره ووصفوه بأنه ليس ملائما للمنصب العسكرى، لكن نفس الصحفيين عادوا اليوم بعد علمهم بإبعاد هاجل عن منصبه للقول بأن قرار أوباما خاطىء، وهو ما يعد إعترافا منهم بأنهم تسرعوا فى البداية فى الحكم على هاجل، الذى كانت له آراء صائبة متناقضة مع قرارات أوباما التى تم إتخاذها. وترجع كثير من المصادر بداية مشكلة هاجل مع إدارة أوباما إلى عدم قدرته على اختراق الدائرة الضيقة التى تحيط بأوباما من مساعدين ومستشارين، والذين تتزعمهم سوزان رايس، والتى كانت الصحف الأمريكية قد نشرت فى الأشهر الماضية أنباء عن خلافات حادة بينها وبين هاجل حول سياسة إدارة أوباما تجاه بعض الملفات ومنها على سبيل المثال سياسته تجاه مصر وتجاه الموقف فى سوريا، ومن المعروف أن هاجل وجون كيرى وزير الخارجية كانا معارضين لقرار أوباما بفرض عقويات على مصر، كما أنه إعترض على سياسة أوباما تجاه سوريا، والتى وصفها بالغموض. وكان هاجل يريد إتخاذ إجراءات قوية ضد نظام الأسد معتبرا أن سياسة أوباما المترددة تجاه الأسد قد أفادت تنظيم داعش فى سوريا بدرجة كبيرة. ويقول روسكى فى مقاله فى مجلة فورين بوليسى، أن سوزان رايس التى تعد الشخصية الأولى فى مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض تتصرف بالإتفاق مع دينيس مانو، رئيس هيئة العاملين فى البيت الأبيض، بإعتبارها أنها الأقرب للرئيس، وهو ما يجعله أكثر إستماعا إلى وجهات نظرها، وأن التحدى الذى يواجهه هاجل وغيره من الوزراء ناتج عن أن فريق مجلس الأمن القومى عادة يعكس ما يريده الرئيس، وهو ما تسبب فى توتر فى العلاقة مع وزراء دفاع أخرين مثلما حدث عندما إستقال وزيران للدفاع من قبل فى حكومة أوباما، وهما روبرت جيتس وليون بانيتا، واللذان نشرا مؤخرا إنتقادات شديدة للسياسة الخارجية لإدارة أوباما، وتحدثا عن الصعوبات التى واجهتهما فى تعاملهما مع البيت الأبيض ومجلس الأمن القومى. وبصرف النظر عن محاولة بعض التسريبات إظهار خروج هاجل من الحكومة بإعتبار أن أوباما يريد شخصية أجدر منه تواجه التحديات التى تتعرض لها أمريكا فى السياسة الخارجية، وخاصة الحرب ضد داعش، إلا أن كثيرين ممن قاموا بتحليل هذه التسريبات، إتفقوا على أن المشكلة ليست فى وزير الدفاع بقدر ما هى فى قوة فريق واحد وله إتجاه معين داخل إدارة أوباما للتأثير على قرارات الرئيس، وهو ما تمثله سوزان رايس مستشارة الأمن القومى، وأن هاجل كان مجرد "كبش فداء" لتبرير الفشل فى السياسة الخارجية.