التطرف الديني ظاهرة قديمة وليست وليدة هذا العصر بل هي من الأمور المتجددة والتي تظهر في كل عصر بصورة جديدة لشبهات وأفكار قديمة غير أنها تلبس لباس عصرها وزمانها. ونجد أيضًا أن التطرف الديني لا يقتصر على دين دون دين بل هو ظاهرة عامة عند جميع الأديان وليس فقط عند المسلمين. ويجدر بنا أن نناقش هنا كيف تعامل نبينا صلى الله عليه وسلم مع ظاهرة التطرف وكيف عالجها. يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أخبروا كأنَّهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي وقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؛ قال أحدهم: أمَّا أنا فإنِّي أصلِّي الليل أبدًا؛ وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر؛ وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا؛ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوَّج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني )). متفق عليه، أخرجه البخاري ومسلم. في ضوء هذا الحديث رفض النبي صلى الله عليه وسلم المغالاة والتشدد واعتبرهما تطرفًا وخروجًا عن السُّنة المطهرة، فالغلاة وإن ادَّعوا حرصهم الزائد على تطبيق الإسلام إلا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تبرأ منهم حالة إصرارهم على هذا الغلو والشطط، فهم لا ينتسبون إليه بدليل قوله صلي الله عليه وسلم: (( فمن رغب عن سنتي فليس مني )). وهذا لا يعني أنهم خارجون عن الإسلام ذاته وإنما يعني أنهم خارجون عن المنهجية الوسطية السمحة الصحيحة لفهم الإسلام، وأما العبارة الواردة في الحديث فهي إعلان من الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام بأن منهجه ورسالته التي جاء بها لا تقبل المغالاة بحال. واليوم نقول لمن يتشدد في أمر الدين ويحمِّل الإسلام ما ليس منه، من مغالاة في التطبيق أو سوء فهم للتطبيق نقول لهم: التزموا وسطية السنة المطهرة، وارجعوا إلى العلماء الربانين الذين أخذوا العلم كابرًا عن كابر فأثمر ذلك في نفوسهم الفهم الصحيح لهذا الدين الحنيف. وليعلم كل غال متشدد في دينه أن الغلو أبدًا لا ولن يأتي بخير بل على العكس تماما، فالتطرف حتما يؤدي إلى الإرهاب وشيوع الفوضى والفرقة، وليعلم كل متشدد أن مصيره مع الاستمرار في إيذاء الأمة والإساءة إليها الهلاك والإهلاك، وهذا ما حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إياكم والغلو فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدِّين )). أخرجه أحمد وابن ماجه. وهذا حال كل متطرف منذ عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا، مصداقا لقوله الشريف ((إن الدِّين يسرٌ ، ولن يشادَّ الدَّين أحدٌ إلا غلبه ، فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيءٍ من الدُّلجة )) رواه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: (( هلك المتنطِّعون )) قالها: ثلاثًا. أخرجه مسلم. والمتنطعون: المغالون والمجاوزون لحد الاعتدال. فهذا النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وسلم يؤكد سماحة الإسلام ويسره وأنَّ المتشددين والمتطرفين لن يستطيعوا أن يقفوا أمام يسره واعتداله وسماحته، وعلى المرء أن يروِّح عن نفسه بين الفينة والأخرى بما لا معصية فيه، وألا يملأ وقته كله بالعبادة حتى لا تسأم النفس وتمل، يقول سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا. أخرجه البخاري. وهذا درس للوعاظ والمفتين وأهل التربية والإرشاد فيما يجب عليهم حيث ينبغي لهم أن يختاروا للناس الأيسر والأسهل والأنسب من الأقوال، وأن يعملوا على التبشير والترغيب لا على العنف والشدة والإرهاب. فالمسلم ينبغي أن يكون أبعد ما يكون عن الإرهاب والشدة؛ لأن الأصل في الدين البشارة واليسر والتيسير. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ما خيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن فيه إثم. متفق عليه، أخرجه البخاري ومسلم. وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها في وصف رسول الله إنه كان أكرم الناس وألين الناس ،ضحّاكًا، بسّامًا. أخرجه ابن سعد وابن عساكر. فاللين من صفات هذا النبي الكريم الذي قال الله عز وجل فيه « وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ» [القلم: 4] ووصيتنا لكل من سلك طريق الانحراف والتطرف في التشدد: ضع بين عينيك دائمًا قول نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم: (( إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنِّتاً ولكن بعثني معلِّماً ميسِّراً )). أخرجه مسلم والمعنت والمتعنت: المتشدد على نفسه والناس والذي يلزم نفسه وإياهم ما يصعب ويشق مما يفقد لذة العبادة والأنس بها وحلاوة الدين والعمل به. لمزيد من مقالات د شوقى علام