فى زيارتى القصيرة للعاصمة الانجليزية لندن أدركت أن شوارعها وفنادقها المزدحمة بالسائحين إلى حد التخمة لا يقيم 99% منهم فى فنادق ذات الأربع أو الخمس نجوم التى لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.. بل يقيمون فى الموتيلات والفنادق ذات النجمة والنجمتين والشقق الفندقية والبوتيك «هوتيلز» التى تنتشر فى جميع الشوارع الرئيسية وتفريعاتها التى تتراوح أسعارها بين ال 50 وال100 جنيه إسترلينى. واقع الحال يقول أن مصر تفتقد إلى هذه النوعية من فنادق الأقامة مما يفرض علينا خلال الفترة المقبلة التوجه نحو تشجيع الاستثمار السياحى لبناء وتشييد مناطق محددة للموتيلات الراقية وفنادق نجمة ونجمتين تقدم خدمة ترقى إلى مستوى السياحة التى نبحث عنها. نعلم جميعا أن هشام زعزوع وزير السياحة يبذل ما فى وسعه ويسعى جاهدا لزيادة أعداد السائحين الوافدين إلى مصر فقد التقى فى جناحه ببورصة لندن بصناع القرار السياحى بالسوق الانجليزية فى محاولة لأقناعهم بتسيير رحلات إلى مدينتى الأقصر وأسوان التى مازالت تعانى من ندرة السائحين مستخدما فى ذلك أدوات تم اعتمادها منذ أحداث الأقصر عام 1997 وتتمثل فى برنامج دعم الطيران الشارتر ودعم منظمى الرحلات فى دول العالم المختلفة من أجل التسويق لمصر وبالطبع هذا الدعم يكلف ميزانية الدولة مبالغ كبيرة ويأتى بنتائج إيجابية على المدى القصير ومرهون استمرار نجاحه بوجود هذا الدعم. ..ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هل هذه الاجراءات كافية لزيادة عدد السائحين ونوعية السائحين أم ان قطاع السياحة أصبح كمن يحرث فى البحر لانه لم يقدم خدمة جديدة تجذب نوعيات مختلفة من السائحين. وبمعنى أخر هل تستطيع مهما أنفقت أن تسوق لمقاصد سياحية تفتقد الى بنية أساسية سليمة وفنادق تقدم أقل أنواع الخدمة؟ وهنا اقول انه ليس أمام قطاع السياحة إلا أن يعمل جاهدا على تقديم منتج جديد للسياحة لجذب شرائح متعددة ومختلفة عن التى تعودنا عليها والتى تأتى لنا بأقل الأسعار بل وصل بنا الأمر أننا ندعمها حتى تأتي!! ولكى يتم ذلك يجب العمل على عدد من المحاور المهمة أولها أن نقوم بتشجيع الأفكار غير التقليدية مثل هذه الفكرة التى تلقيتها من الخبير السياحى الأقصرى رمضان حجاجى والذى لم أكن أعرفه من قبل والتقيت به داخل الجناح المصرى. وتتلخص فكرته فى تطوير وسط مدينة الأقصر وخلق «داون تاون» جديدة تجذب شباب أوروبا الذى لا يبحث عن الفنادق الفخمة ويملأ الآن شوارع وميادين لندن وذلك بالاستعانة بطلاب كليات الفنون الجميلة لاجراء مشروعات تخرجهم لتلوين منازل هذه المدينة من الخارج بأشكال مختلفة متناسقة لايجاد جو من البهجة وليشيع روح الفرح بين الزوار..وهذا لن يكلف الدولة الكثير. وفى نفس الوقت تقتطع وزارة السياحة جزءا يسيرا من ميزانية التنشيط لإعادة رصف الممرات والشوارع وأعمدة الإضاءة والاتفاق مع قاطنى المدينة التى لا تزيد عن واحد كيلو متر على تحويل منازلهم التى هجروها إلى موتيلات أو فنادق صغيرة لا تتعدى مستوى تقييمها نجمة أو نجمتين على الأكثر.. والأهالى سيرحبون بذلك لأنهم سيحققون دخلا كبيرا من هذا المشروع وأسفل هذه المنازل تفتتح محلات لتقديم الوجبات السريعة والمشروبات بجميع أنواعها مع عروض يومية للكرنفلات على صفحة نيل الأقصر بالمراكب الصغيرة ويعزف الشباب الأقصرى تراثهم الغنائي. هذا النمط السياحى ليس بدعة ولا اختراعا ولكنه نمط سائد فى كل دول أوروبا وأستطيع أن أقول أن هذا هو السبب المباشر والرئيسى فى نجاح هذه الدول فى جذب ملايين السائحين. وتنفيذ مثل هذه الأفكار لن يكلف الدولة الكثير ولكن عائده سيكون سريعا على أهل الأقصر والسياحة المصرية كلها وسيعمل على جذب شرائح جديدة من السائحين تمثل الأعلى إنفاقاأضف إلى ذلك انها ستفتح لهم فرص عمل متعددة طوال السنة وتخلق أفاق جديدة واحتكاك بالثقافة الأوروبية. بالطبع هذه الفكرة أو غيرها قابلة للنقاش وخاضعة للصواب والخطأ ولكن الشىء المؤكد إننا فى أشد الحاجة إلى أفكار من خارج الصندوق تعمل على زيادة حصة مصر من حركة السياحة العالمية. وليس هذا فحسب بل ان يكون لهذه الزيادة مردود اقتصادى على ميزانية الدولة بمعنى أن نبيع المنتج المصرى بأسعار تتناسب مع مقوماته ولكى نعرف أين نحن فقد رصد تقرير شهر اكتوبر الماضى لمنظمة السياحة العالمية تدفق 37 مليون سائح على تركيا التى لا تملك ما نملكه من آثار وطقس دافئ طوال العام . أما المحور الثانى فيتطلب العمل على ترشيد بناء الفنادق الفخمة ويتم التركيز خلال الفترة المقبلة على فنادق ذات النجمة والنجمتين والثلاث نجوم ويكفى أن نعلم أن باريس لا يوجد بها أكثر من 4 فنادق 5 نجوم ويعود ذلك إلى التكلفة العالية التى يتحملها الفندق الذى يحصل على النجمة الخامسة للحفاظ على الجودة والخدمة والرفاهية اللازمة. المحور الثالث أن يتم الالتفات لملف الرقابة على الفنادق والقرى السياحية وذلك بتطبيق معايير الجودة والسلامة والصحة على الأغذية والمشروبات والارتقاء بمستوى الخدمة المقدمة للنزلاء..فلا يعقل أن نصرف الملايين لتنشيط السياحة ومعظم فنادقنا تعانى من فقدان هذه المعايير. المحور الرابع إذا تم تطبيق المحور الثالث نستطيع أن نرتفع بالأسعار ونخرج من حزام السياحة الفقيرة التى اشتهرنا بها فى أوروبا. [email protected]