رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "بدعوة من ملك بلجيكا وصل اليوم وفد مصرى رفيع لرفع علم مصر فى الإحتفالية المئوية بالحرب العالمية الأولى إعترافا بفضل مصر على أوروبا فى هذه الحرب". كانت تلك هى الرسالة القصيرة التى تلقيتها منذ أيام على تليفونى المحمول. وكانت الرسالة من د.أشرف صبرى المؤرخ العسكرى وإستشارى طب الأعماق وأستاذ زائر التاريخ العسكرى بأكاديمية ناصر العسكرية، وصاحب مبادرة وطنية مصرية تهدف إلى حماية مكتسبات الجيش المصرى فى مختلف حروبه حول العالم، والمشاركة بشكل لائق فى الإحتفاليات الدولية بمناسبة مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى ورفع علم مصر جنبا إلى جنب مع باقى الدول المشاركة. وقد أدركت ما يحمله د. أشرف صبرى من رغبة صادقة فى رفع إسم مصر عاليا وحفر موقعها الريادى فى ذاكرة العالم بالإضافة لاستعادة "كل مليم" أنفقته مصر فى عقود سابقة حماية وإغاثة وإعمارا ومعونة للعديد من الدول خدمة للعالم والإنسانية. فأطلق - بدافع وطنى - مبادرة للمحافظة على حقوق مصر المتصلة بالحرب العالمية الأولى، وفى مقدمتها صيانة الحقوق القانونية لمقابر شهداء الجيش المصرى فى مختلف حروبه حول العالم، وإثبات القلاع والحصون والقصور والأراضى المصرية التى أنشأها وإشتراها المصريون فى مختلف دول العالم بالإضافة إلى القروض التى قدمتها مصر للدول الأوروبية وفى مقدمتها بريطانيا. فى البداية أمضى د.أشرف صبرى 17 سنة من البحث فى هذا الأمر، وهو ما مكنه من التوصل إلى معلومات مدعومة بالوثائق عن دور مصر فى الحرب العالمية الأولى ضمنها فى مؤلفه الهام : "رحلة إصرار..مصر سبب النصر فى الحرب العالمية الأولى". فقد توصل إلى أن مصر شاركت فى تلك الحرب بمليون ومائتين ألف جندى وفق الأرقام الموثقة فى الأرشيف البريطانى. وإستمرت مصر فى الحرب وسقط لها شهداء بعد النهاية الرسمية للحرب فى عام 1918. وظلت القوات المصرية تقاتل فى بيروت بلبنان ودمشق بسوريا وسقط لها شهداء حتى عام 1920. وكانت المهمة الأساسية للجيش المصرى هى الدفاع عن مصر، وبعدها شاركت مصر بقواتها فى كل من دارفور والعراق وبلاد الشام والحجاز لحمايتها من الإنتقام العثمانى. وقد شاركت "فيالق العمال المصرية" فى حفر جانب كبير من الخنادق على الجبهة الأوروبية باليونان وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا. وفى العام الماضى وافقت بريطانيا على رفع علم مصر فى المناسبات المتعلقة بالحرب العالمية الأولى وإنشاء نصب تذكارى إحياءً لدور الجيش المصرى فى الحرب العالمية الأولى. وفى وقت لاحق، وافقت إيطاليا واليونان على القيام بخطوات بهذا الشأن. ولكن، أظهرت بلجيكا تعنتا، وادعى البعض أن التمثيل المصرى كان تمثيلٌ "شكلى"!! ولكن الواقع والوثائق التى توصل إليها أشرف صبرى قالت بغير ذلك. فعلى الرغم من تعرض ما يقرب من95% من أراضى بلجيكا للإحتلال أثناء الحرب العالمية الأولى، فإن ال5% الحرة الباقية من أراضى البلاد تم الدفاع عنها بواسطة الخنادق التى حفرتها السواعد المصرية. وقد أثبت الباحث بالوثائق كيف قدمت مصر دعم مادى للشعب البلجيكى عبر لجنة الإغاثة البلجيكية لحمايتهم من الجوع ومرض السل. وأرسلت ملكة بلجيكا خطاب شكر أشادت فيه بالمساعدة المصرية لإنقاذ الشعب البلجيكى من الجوع والسل. وفى وقت لاحق، قام كل من ملك وملكة بلجيكا بزيارة مصر فى عهد الملك فؤاد الأول لتقديم الشكر للمصريين. وقد تزعم د.أشرف صبرى - بمبادرة شخصية منه - الجهود الرامية لحفظ حقوق مصر لدى البلجيك، ووصلت جهوده إلى مراسلة كبار المسئولين فى بلجيكا للمطالبة بحق مصر إنطلاقا من كونه مواطنا مصريا. وفى العام الحالى، حيث تحتفل بلجيكا ودول العالم بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، تم رفع علم مصر بشكل لائق ومشرف. وبذلك إنتصر د.أشرف صبرى فى جانب من معركته لإستعادة "حق مصر" لدى البلجيك. ولم يكن ذلك سوى جزء يسير لرد جميل شهداء مصر من أبناء القوات المسلحة الذين دافعوا بأرواحهم عن الوطن وعن الكثير من دول العالم على مر التاريخ إنتصارا للحق والإنسانية. وبقى أن أشير إلى أن أحد الدوافع القوية للجهود التى يبذلها د.أشرف صبرى هو رغبته الجامحة فى إستكمال بطولات وتضحيات أفراد أسرته من العسكريين الذين خدموا وقاتلوا فى صفوف القوات المسلحة المصرية أبا عن جد. فقد زرع هؤلاء المقاتلون جذور الوطنية وحب الوطن لتمتد إلى الأبناء والأحفاد. وهكذا يمكننا أن نستخلص عدة دروس هامة من معركة د.أشرف صبرى لرفع العلم المصرى فى بلجيكا وصيانة حقوق الوطن وشهداءه فى الحرب العالمية الاولى. وأول تلك الدروس وأهمها هو حتمية الحفاظ على تاريخ الوطن وحمايته وحفظ الحقوق الوطنية بالوثائق وبمختلف وسائل الإثبات. أما أهم درس، فهو إدراك دور "المواطن المصرى" فى خدمة الوطن والشعب. فخدمة الوطن لا تتطلب السلاح والذخيرة والعسكريين فقط، بل تتطلب تضافر وتكامل جهود العلم والعمل من "جميع أبناء الشعب" الذين يعيشون فى وطن واحد عليهم حمايته وصيانة حقوقه وحقوق كل من فيه. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ