تسبب تفتيش مقر مؤسسة كونراد اديناور في القاهرة في نهاية شهر ديسمبر الماضي ثم قرار منع مدير المكتب اندرياس ياكوبس ومساعدته كريستينا باده من السفر في زوبعة وحالة من الاستياء الألماني علي جميع المستويات بلغت ذروتها بصدورالقرار بمحاكمة المسئولين.الالمانيين ضمن المحاكمات التي تبدأ اليوم . وزاد من الاستياء الألماني أن زيارات عدة وفود المانية ابرزها زيارة وزير الخارجية جيدو فيسترفيله ورئيس منظمة كونراد اديناور نفسه هانز جيرت بوترينج لم تسفر عن تعديل في الموقف المصري. وقد تحركت الأحزاب الألمانية سواء من الائتلاف الحاكم الذي ترأسه المستشارة انجيلا ميركل أو أحزاب المعارضة بصورة جماعية يندر حدوثها لإصدار قرار من البوندستاج الألماني يدين التحقيقات مع فرع المنظمة الألمانية ويطالب بوقفها فورا. غير ان ما يلفت الانتباه هو أنه بعد إدانة البوندستاج الألماني لتحرك الجهات المصرية ضد منظمة كونراد اديناور خفت الاهتمام السياسي والإعلامي في المانيا بالقضية بشكل مثير للدهشة وقد أرجع بعض المراقبين التهدئة السياسية والإعلامية الالمانية الحالية إلي رغبة برلين في عدم زيادة التوتر وإستثارة جهات التحقيق المصرية, خاصة بعد ان إنتقد بعض البرلمانيين الألمان قرار البوندستاج وإعتبروه متسرعا قد يتسبب في زيادة تعقيد الأمور بالنسبة للمنظمة الألمانية في ظل اللحساسية المصرية المفرطة حاليا لأي تهديدات او ضغوطات أجنبية. غير انه بغض النظر عن سر هذا الهدوء المريب فإن تسليط الضوء علي مواقف القوي السياسية في المانيا من قضية التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية في مصر يوضح أن الأحزاب السياسية الألمانية تجمع علي نقطتين فهي تري اولا أن المنظمات الألمانية التابعة للأحزاب والتي تتلقي تمويلها من الحكومة الالمانية تمارس أنشطتها في دعم الديمقراطية والتثقيف السياسي وتدريب الصحفيين وتنظيم ندوات لزيادة الوعي بحقوق الأقليات والمرأة إلخ, تمارس ذلك كله بشفافية وفي إطار إتفاقات مع منظمات وجهات رسمية مصرية ايضا. ثانيا تري الأحزاب الالمانية أن جميع الاتهامات الموجهة لمنظمة كونرد اديناوزر لا سند قانوني لها ولكنها تخدم فقط أغراضا سياسية داخلية في مصر. فالمنظمات الألمانية واجهت من قبل إتهامات بالتدخل في الشئون الداخلية كمبرر لإعاقة عملها في مجال دعم الديمقراطية وبناء المجتمع المدني في الدول النامية, مثلما حدث في تركيا التي اتهمت منظمة هاينريش بول التابعة لحزب الخضر بدعم حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية. وفي هذا الإطار يفسر هانز اولريش كلوزه نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي ما حدث بأن الحكومة المصرية تهدف لتحويل جميع مصادر التمويل الذي حصلت عليه هذه المنظمات إلي صندوق تتصرف فيه الحكومة كما تشاء. كما أن المجلس العسكري يستغل هذه الحملة علي المنظمات الأجنبية لتحويل الأنظار إلي عدوأجنبي واياد خارجية تهدد المصريين. في حين فسر بعض سياسيي الحزب المسيحي الحاكم الزج بمنظمة كونراد اديناور ضمن المنظمات المتهمة بأنه نوع من الضغط المصري علي المانيا التي لم تف بوعودها بدعم الاقتصاد المصري بعد الثورة. اما اهم ما يلفت النظر في الموقف الالماني فهو تأكيد السياسيين علي اختلاف انتمائتهم الحزبية أن المانيا بحاجة لنجاح نموذج التحول الديمقراطي في مصرنظرا لتأثيره في الدول المجاورة, غير أن نجاح مصر في هذه المهمة مرهون بدعم اوروبا والمانيا وهو ما عبر عنه مثلا فولفجانج جيرهارت السياسي الليبرالي المخضرم الذي قال امام البوندستاج إن علي المصريين ان يفهموا ان الديمقراطية لا تعني فقط إجراء إنتخابات وفوز حزب بالأغلبية ليصنع ما يشاء! بل لابد من مجتمع مدني فاعل ونشيط ولابد من حماية الأقليات وحقوق مختلف فئات المجتمع, نفس الشئ قاله فولكر كاودر رئيس كتلة حزب ميركل في البوندستاج, بأن المانيا تريد دعم مصر علي طريق الديمقراطية ولا تتدخل في شئونها ولكن التحول الديمقراطي في مصر لن ينجح إلا بالتعاون مع اوروبا. إلي جانب هذا التيار السائد توجد اصوات رأت شيئا إيجابيا فيما حدث مثل كيرستين موللر مسئولة حزب الخضر التي اشادت بحيادية البرلمان في طرح قضية المنظمات وسعيه لوضع قوانين اكثر شفافية لعمل منظمات المجتمع المدني في مصر, مشيرة إلي ان منظمة هاينريش بول القريبة من حزب الخضر بصدد فتح مكتب لها في القاهرة.