إن إقدام مملكة السويد على الاعتراف الرسمى بدولة فلسطين يشكل بكل المقاييس خطوة تاريخية وشجاعة، وفق وصف الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبو مازن»، وذلك باعتبارها أول دولة غربية عضو فى الاتحاد الأوروبى تتخذ قرارا من هذا النوع، والذى ينطوى على تحول نوعى فى الفكر السياسى الغربى، الذى تعامل على مدى العقود الستة المنصرمة بقدر كبير من التعإلى مع حقوق الفلسطينين وانحاز انحيازا أعمى لإسرائيل ولمشروعها الاستعمارى والاستيطانى فى المنطقة، الذى خدم بالدرجة الأولى –وما زال يخدم - مصالح الغرب. والخطوة فى حد ذاتها تعكس صحوة ضمير وقراءة صحيحة لواقع بات مؤلما يكابده الفلسطينيون، فى ظل استمرار عدوانية إسرائيل، على الرغم من كل الادعاءات والمزاعم التى يسوقها قادتها على صعيد الترويج لعملية سلام لاتحقق إلا أهداف مشروعها فى التمدد فى المنطقة على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، التى ظل الاعتداء عليها على مدى السنوات الماضية يعد دفاعا عن النفس، وفق التعبير المستخدم فى الخطاب السياسى الغربى وتحديدا الأمريكى. والسويد واحدة من الدول الغربية التى تميزت مواقفها وسياساتها تجاه القضية الفلسطينية بنوع من الاستقلالية والنظرة العاقلة والموضوعية والانحياز النسبى لمصلحة حقوق شعبها، وإن ظل ذلك مرهونا بهوية النخبة السياسية الحاكمة، فالقوى اليمينية أكثر اندفاعا فى التعبير عن المواقف الإسرائيلية، فى حين أن قوى اليسار تتعامل بإيجابية مع القضية الفلسطينية، ويمثل العام 1986 بداية لتبلور التأييد السويدى لهذه القضية، وبالذات فى عهد رئيس الوزراء الاشتراكى أولوف بالمه، الذى عرف بمواقفه المؤيدة للشعوب المقهورة، والذى اغتيل عام 1986 على يد مجهول لم يكشف النقاب عن هويته حتى الآن. ولعل التوتر الذى بدأ مبكرا فى علاقة هذه الدولة الاسكندنافية مع إسرائيل شكل أرضية لهذا التأييد، ففى السابع عشر من سبتمبر من العام 1948 أى بعد قيام دولة إسرائيل بأشهر قامت منظمة «ليحى «اليهودية المتطرفة باغتيال الوسيط الدولى سليل العائلة السويدية المالكة فولكه برنادوت، والذى كان إسحاق شامير الذى أصبح رئيسا لوزراء إسرائيل فى تسعينينات القرن الماضى أحد المشاركين فى التخطيط لاغتياله. وقد ظل هذا التوتر مستمرا زهاء 40 عاما، بعد أن تكشفت خيوط عملية الاغتيال، حيث أدلى أحد المشاركين بالعملية بكامل التفاصيل؛ وقد رفضت حكومة إسرائيل الاعتذار للسويد رسميا، معتبرة أن الاعتراف بمسئولية الجهة المنفذة لعملية الاغتيال هو بمثابة اعتذار كاف. غير أن النشاط المؤيد للقضية الفلسطينية على الصعيد الشعبى بدأ عمليا فى العام 1967 على يد العديد من الشخصيات السويدية منهم الكاتب الروائى المعروف «يان غيو « والإعلامى الشهير» يوران روزنبرغ»، وهو يهودى ذهب إلى إسرائيل وعاد منها مناهضا للصهيونية، و» بير غارثون»وكان من الشخصيات السياسية المعروفة بقوتها فى الحياة السياسية السويدية والعضو البارز فى حزب الخضر والكاتب ستيفان بيكمان صديق الراحل غسان كنفانى ولجان المناصرة الفلسطينية وآخرون كثر . وفى العام 1983 قام رئيس وزراء السويد أولوف بالمه بدعوة الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات إلى العاصمة السويديةستوكهولم، وهى البداية التى فتحت أبواب الغرب الأوروبى أمام منظمة التحرير الفلسطينية؛ ورغم الإهانات التى تعرض لها بالمه بسبب ذلك من قبل الجالية اليهودية الفاعلة والمؤثرة فى الحياة الاقتصادية والسياسية والاعلامية ومن قبل أنصار إسرائيل فى السويد، فإنه كان من الجرأة بمكان، حيث ذهب إلى أكبر كنيس يهودى فى ستوكهولم، وقال كلمته الشهيرة « لقد سمعنا الرواية الإسرائيلية على مدى عقود طويلة وآن الأوان لسماع الرواية الفلسطينية « . وقد استضافت استوكهولم فى ثمانينات القرن الماضى العديد من اللقاءات السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين التى كانت تعقد فى أماكن سرية بعيدا عن أعين الصحافة، والتى تمخض عنها ما عرف بوثيقة استوكهولم، التى أدت إلى اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بمنظمة التحرير الفلسطينية. وخلال هذه الفترة أصيبت إسرائيل بصدمة كبرى من خطاب سفير السويد السيد أندش فيرم آنذاك الذى تساءل فيه :» إلى متى سنبقى نتعامل بقانونين دوليين : واحد لنا جميعا وواحد لإسرائيل « وهو ما عكس نهجا يتعارض والنهج الغربى المؤيد والداعم للكيان الصهيوني. ولكن الفترة من العام 1996 – 2006 تولى رئاسة الحكومة السويدية - يوران بيرشون - والذى لم يخف حبه للكيان الصهيونى والذى قام بإبعاد كل الرموز السياسية فى حزبه المؤيدة للقضية الفلسطينية عدا « آنا ليند» التى تسلمت حقيبة الخارجية والتى كانت أكبر من أن يتخلص منها، نظرا لما كانت تتمتع به من شعبية جارفة داخل صفوف الحزب والتى كان الكيان الصهيونى كارها لها ولمواقفها السياسية المؤيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية. مع ذلك تعرضت هى الأخرى لعملية اغتيال بشعة أودت بحياتها العام 2003، فكان رحيلها خسارة كبيرة لصوت الضمير السويدى ولنهج الراحل أولوف بالمه.
ووفق ما هو متاح من معلومات فإن السويد تعرضت لضغوط فى الفترة الأخيرة من قبل الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية وإسرائيل نفسها، لكن حكومتها الشجاعة لم تخضع لأى ابتزاز ومضت قدما فى الاعتراف الرسمى بدولة فلسطين وهو ما سوف يحفز- إلى جانب قرار البرلمان البريطانى مؤخرا -دولا أخرى فى الغرب ليصحو ضميرها السياسى، وتسارع بتبنى موقف أكثر عدلا تجاه قضية الشعب الوحيد، الذى ما زال يخضع فى القرن الواحدوالعشرين لاحتلال هو الأسوأ والأبشع فى التاريخ .