كتب ضابط الشرطة الملازم أول خالد الحسيني اسمه بحروف من نور في وجدان المصريين, ونال بصنيعه الكريم حمدا وشكرا وثناء من كل من سمع به أو قرأ عنه, فقد بادر بالتبرع من دمه لرضيع كان علي شفا الموت فأنقذه منه وأحيا الأمل. في قلب أبيه بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت وأسقط في يده وجلس ينتظر موت ابنه, إلا أن هذا الموقف أصاب في النفوس أثرا أكبر من مجرد تبرع شخص صحيح بدمه لمريض, وذلك لظروفه وملابساته التي جعلت له خصوصية خاصة ومعني كبيرا, فالضابط الشاب كان في نوبة عمل يرتدي زي الشرطة الرسمي ممثلا للدولة بعزها وسلطاتها, يجوب الشارع الغاص بالمارة والسيارات راعيا القانون والنظام والمرور, حين وقعت عيناه علي سيارة توقفت أمام مستشفي الأطفال حيث لا يجوز الانتظار, فتوجه إليها ليصرف قائدها من هناك فإذا داخلها مواطن مصري يحمل بين يديه طفله الرضيع المريض لا يدري ماذا يفعل وقد أعياه البحث عن دم ينقذه من موت محقق, ولو أن الضابط لم يزد علي أن أشاح بوجهه وتغاضي عنه وتركه في مكانه ريثما يتدبر أمر رضيعه لشكر له الجميع تلك, إلا أنه اصطحب الأب وابنه إلي داخل المستشفي حيث تبرع له بدمه لينقذ من الموت طفلا من أبناء هذا الشعب لا تجمعه بأبيه قرابة ولا مصلحة ولا جوار. أننا نعتز بهذا الضابط ونفخر به ونقول انه ضرب مثلا فريدا في أداء الواجب وكان بحق في خدمة الشعب, ونقول أيضا أن دماءه التي تبرع بها للصغير إنما هي في الواقع قد جرت في عروقنا نحن مواطني هذا البلد ومثل هذه المواقف النبيلة تبعث في النفس الثقة والأمل وتبدد بعضا من ظلمات الهدم والتشكيك التي تخيم علي مجتمعنا, ونعرف منها أن مصر بهذا الضابط وأمثاله في كل المواقع هي بمأمن من كل سوء. د. يحيي نور الدين طراف أستاذ بطب القاهرة