فاجأنى وأنا جالس كعادتى كل يوم خميس على شاطىء النيل فى بلدتى القناطر الخيرية عمنا زراديشت فيلسوف الفرس العظيم ورسولهم إلى الدنيا كلها بالخير والحب والسلام،، ونبيهم المرسل بالحق والعدل من قبل الإله «أهورامازاد».. وهو اسم رب السماوات والأرض عندهم بالجلوس إلى جانبى وأنا أصطاد السمك بسنارتى العتيقة التى مازالت تلازمنى منذ أن كنت غضا صغيرا.. قال لى وقد فغر فاه عن أسنان هتماء عرجاء صفراء: لقد ذكرتنى فى كلامك وقلت إن الشريعة الزرادشتية كانت تقضى بإلقاء كل أم يطاوعها قلبها على قتل ضناها نبت بطنها.. فى مياه النهر.،. ولكنك نسيت وربما لم تكن تعلم أن الإله أهورامازاد رب الأرباب زارنى يوما وقال لى: لا يكفى يا مبعوثى إلى البشرية أن تلقى الأم التى أجرمت وانحرفت وأخطأت بأن تلقى فى الماء.. بل أضيفت إليها عقوبة الرجم بالحجارة بعد إلقائها فى الماء من جانب جمهور الخلق المتراص على الشاطئين! وعلامات استفهام كثيرة تحلق فوق رأسى.. أحاول أن أقرأ من عينيه وإشراقة وجهه وطائر الهدوء والسكينة وقد نسج عشه فوق جبينه.. بينما اختفى غراب القلق من فوق سحنته التى غمرها.. مع ذقنه الأبيض الطويل الذى يتدلى فوق صدره.. علامات الرضا والقبول والسلام التى خلعت أوتادها من أراضينا وصدورنا منذ زمان بعيد وسافرت بلاد الله خلق الله.. قلت له: يا نبى الفرس العظيم ورسولهم بالهداية والحق.. ما سر هدوئك هذا والدنيا من حولك «تضرب تقلب».. الكل يتعارك مع الكل.. الكل يقاتل ويقتل دون رحمة أو شفقة.. لكم كثر الفساد فى البر والبحر.. حتى لم يعد هناك مكان واحد على الأرض لم يجر فيه نهر من دم.. ما الذى جرى للإنسان فى آخر الزمان.. هل ركبه شيطان الشر؟ يقاطعنى بقوله غاضبا: لكم أنت ساذج يا عزيزى.. الإنسان أشد شرا وأقوى مكرا.. وأعلى إفكا وضلالا من الشيطان نفسه ويكفى مايجرى فى بلاد حمورابى فى العراق.. وما تفعله داعش التى تقطع رؤوس البشر هناك ! أسكت لا أتكلم.. يواصل رسول الفرس إلى العالم قبل نحو خمسة وعشرين قرنا من الزمان ويزيد كلامه وقد ازداد صوته حدة وصدره انفعالا: لقد نسيتم يا بنى البشر تعاليم الإله الأعظم «أهورامازاد» وعرشه فى كل السماوات العلى التى تقول لنا إن شياطين الأرض التى يصارعهم الإله الأعظم.. مازالوا يملأون الأرض شرا وقتلا ودما ودمارا.. وقد تحدث الكتاب المقدس الذى يجمع بين التوراة والإنجيل عن البطل الأسطورى الذى يصارع الشياطين.. وأطلقت عليه اسم «أفيستا».. والذى لا يلجأ عند الضرورة إلى الكلمات والمعجزات السماوية.. وإنما للسيف أيضا. مقاطعا لكلامه قلت له: كما فعل رسول الله محمد بن عبدالله مع كفار مكة عندما لم يجد مفرا من قتالهم لإصرارهم على الإفك والضلالة والكفر المبين.. فيما يعرف فى تاريخ الإسلام باسم غزوتى بدر وأحد.. حتى دخل مكة وهو يرفع راية الإسلام.. ....................... ....................... بخبث ومكر الصحفيين العواجيز امثالى أسأله: لماذا نزلت وحدك.. ولم ينزل معك أمينوبى العظيم مع آنى وسيت حتب الدعاة الاوائل لكل قوانين الحياة والحق والخير والسلام فى مصر العظيمة؟ قال: لا أخفيك سرا.. أن هؤلاء الفلاسفة المصريين العظام الذين رفعهم المصريون إلى مقاعد الأنبياء والرسل.. كانوا يؤمنون بالحق الإلهى للملك أو الحاكم فى حكم البشر.. وقد نصب ملوك مصر من الفراعين العظام أنفسهم أنبياء.. بل أكثر من ذلك.. لقد نصبوا أنفسهم آلهة وأربابا.. ألم يقل كتابكم العظيم القرآن الكريم عن فرعون مصر إنه قال: أنا ربكم الأعلى؟ قلت له: وأنتم هل تقفون إلى جانب الحق الإلهى للملوك والحكام على البشر أجمعين.. وما على الرعية إلا الطاعة والولاء؟ قال زراديشت وهو يعتدل فى جلسته.. وضوء شمس الأصيل يظلل وجهه بالنور والحمرة: نحن نؤمن أو كنا نؤمن فى زماننا الذى ولى وراح.. أن أفيستا زراديشت وهذا هو اسمه هو البطل الأسطورى الذى يصارع الشياطين والذى لا يلجأ فى معاركه.. ليس فقط إلى عبارات الوعظ وكلمات الإرشاد.. أو المعجزات السماوية.. وإنما للسيف أيضا.. فالصراع الذى يسود العالم كله منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها يقوم أساسا على الصراع بين الخير والشر.. بين الضوء والظلام.. بين الخبز والسيف وبين الحياة والموت! أسأله: والإنسان ما دوره هنا يا نبى الفرس العظيم؟ قال: دعنى أقل لك.. إن الإنسان عندنا فى غمار هذا الصراع الأزلى لم يعد دمية بين أيدى القوى الخارقة.. وإنما يملك بين يديه حرية الاختيار.. بين الخير والشر.. فالخير بين والشر بين وعليه هو حق الاختيار إن خيرا يره أو شرا برضه يره! أسأله بخبث الصحفيين الكبار: ومن يا ترى ينتصر فى النهاية يا فيلسوف الفرس العظيم؟ قال: إذا انتصر الإنسان للعدل والخير والسلام.. فهو فى النهاية سوف ينتصر للعدالة وكلمة الحق! أصفق وحدى وسط اسراب الحمائم والهداهد من حولى لعمنا زراديشت العظيم.. ....................... .......................
وثلاث سنانير أمامنا.. لم يرزقنا الله طوال نهارنا بسمكة واحدة توحد الله كما يقولون قلت لعمنا وتاج رأسنا زراديشت نبى الفرس العظيم: لقد قلت لى إن الإنسان وسط هذا الصراع الأزلى فى هذا الكون ليس مجرد دمية فى أيدى القوى الخارقة! قال: بل هو فى شريعتنا يملك حرية الاختيار وبمقدوره تحقيق النصر فى النهاية للعدالة الاجتماعية.. بعيدا عن سفسطة رجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم رسل الله ومندوبيه إلى خلق الله! قلت له: اسمعنى يا نبى الفرس العظيم ورسولهم بالهداية لكل البشر.. عندما رضى المصريون وسكنوا إلى دين ملوكهم ونصبوهم أنبياء أو مندوبين عن الإله العظيم فى الأرض.. تفرغوا للعمل والجرى وراء لقمة العيش وبناء الإنسان المصرى.. الذى عرف القراءة والكتابة وقراءة نجوم السماء وصنع أعظم حضارة عرفها الإنسان.. والتى مازالت ترسل الحيرة إلى عقول الدنيا كلها.. وكان المصريون أيامها على دين ملوكهم.. ولكن عندما ثاروا على الظلم والظلمة.. وحطموا القيود وأصبحوا أحرارا لهم حق الجلوس على كرسى الحكم تماما مثل ملوكهم العظام وأصبح لهم رأى وصوت عمت الفوضى البلاد.. وقامت ثورات وأخمدت مثلها وأكثر.. وأصبح الإنسان المصرى حائرا ضائعا جائعا خائفا مشردا.. يقتل بعضه بعضا.. ليه وعشان إيه؟ قالوا: حاجة اسمها الحرية.. وقد قالها أحمد عرابى فى القرن الماضى للخديو توفيق الجالس على عرش أسرة محمد على فى مصر: لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا.. يقاطعنى زراديشت بقوله: عاوز تقول إن المصريين حصلوا على حريتهم.. فماذا صنعوا بها؟ أنا أقول لك: لقد صنعوا بها ثورات ومظاهرات ووقفات احتجاجية.. ودخانا وضبابا.. وتراجع فى خطوط الإنتاج.. وفقرا وضياعا وبطالة.. ونهرا من الدم ونهرا أطول وأعمق من دموع الأمهات! يعنى طاعة الحكام والسكوت والتغاضى يأتى معها عادة الطعام وملء البطون ونوم الجفون.. أما الحرية مع الكفاح والشقاء والأسى وأنهار الدم.. فاحزنى يا كل أمهات مصر؟ قبل أن أجيب قال: عارف حتقول إيه؟ لقد اخترت الحرية طبعا.. مع الشقاء والتعب والكفاح حتى لو أوصلتنا إلى الفرقة والقتال وأسوار السجون وأنهار الدم.. عاوز تقول حاجة تانية يا صحفى يا مخضرم؟ قلت لعمنا زراديشت: كفاية لقد قلت كل شىء، ولكن من يسمع ومن يرى ومن يفهم؟ ....................... ...................... قبل أن يمضى من حيث اتى قال لى: عاوز أقول لك كلمة أخيرة تحطها حلقة فى ودنك.. شيطان هذا العصر الذى تسمونه «داعش».. صنعته أمريكا.. والآن هى لا تعرف كيف تصرفه وتعيده إلى القمقم الذى خرج منه.. مثل عفاريت ألف ليلة وليلة! قلت له: احنا بقى يا عم زراديشت اللى حنضحك على داعش وألف مليون داعش كمان.. وحنرجعهم إن شاء الله للقمقم اللى كانوا محبوسين فيه قبل أن تطلقهم أمريكا سيدة العالم ليعيث في بلادنا العربية قتلا وذبحا ودما وخرابا وفسادا وفجورا.. ولن نترك أمريكا وشيطانها الذى اسمه «داعش».. هذا يعيدان رسم خريطة المنطقة كلها.. كما حدث فى سايكس بيكو.. وربنا يكون فى عون الرئيس عبدالفتاح السيسى فى صراعه البطولى ومعه كل المصريين مع قوى الشر فى عالم الإفك والبهتان الذى نعيش فيه ! { لمزيد من مقالات عزت السعدنى