في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أثير جدل كبير، وتخوف شديد؛ جراء صرف مخلفات الصرف الصحي بالإسكندرية إلى البحر وبحيرة مريوط مباشرة دون معالجة، مما يؤدى إلى تلوث شواطئ المدينة، وإصابة أسماك البحيرة بالأمراض التي تنعكس سلبا على المواطنين، الأمر الذي دعا الدولة إلى التحرك السريع، والاستعانة بخبراء مصريين وأمريكيين متخصصين؛ لإجراء دراسات شاملة لاختيار موقع مناسب من بين 23 موقعاً للتخلص النهائي من مخلفات تنقية الصرف الصحي «الحمأة». حينها وقع الاختيار على موقع «9ن» الذي تصل مساحته إلى 360 فداناً، وبمعونة أمريكية قيمتها 300 مليون جنيه تم تجهيز الموقع طبقاً لقوانين وحماية البيئة الأمريكية، وبدأ تشغيله في أكتوبر عام 1993 لمعالجة المخلفات الناتجة من محطات المعالجة للصرف الصحي التي تقدر بنحو 600 طن يومياً لإنهاء مشكلات التلوث.
ولكن منذ سنوات قليلة خاصة بعد ثورة يناير ظهرت محاولات لإغلاق الموقع للاستيلاء على أرضه وإقامة مبان سكنية عليها وتحويل أحياء الإسكندرية لبؤرة تلوث وانتشار للأمراض والأوبئة من طفح مياه المجارى بالشوارع، نتيجة توقف محطات المعالجة ومنظومة الصرف الصحي بالكامل عن العمل بعد أن تكلفت أكثر من 40 مليار جنيه. مشروعات استراتيجية يؤكد الكيميائي حسين الأشقر رئيس قطاع الحمأة وإعادة الاستخدام بالصرف الصحي ومدير عام موقع «9ن» أن الموقع تم إنشاؤه على مساحة 360 فداناً طبقاً لقوانين البيئة الأمريكية، وبدأ تشغيله في أكتوبر عام 93 لاستقبال المخلفات الناتجة من 16 محطة معالجة مياه الصرف الصحي، تعالج 1,5 مليون متر مكعب يومياً. وأضاف أن الموقع يقوم بمعالجة 400 طن يومياً من الحمأة وتحويلها لسماد عضوي مطابق لمعايير القوانين المصرية لاستخدامه في الزراعة، و200 طن أخرى يومياً يتم التخلص منها بالمدفن الصحي الآمن الذي أنشئ لهذا الغرض طبقاً للمعايير العالمية. لكن الشكاوى ضد الموقع بدأت بعد إشهار جمعية بيئة أهلية في عام 2002. وبعد ثورة 25 يناير اتفقت الجمعية مع عدد من الشباب والأهالي لعمل وقفات احتجاجية.. وأمرت النيابة بضبط وإحضار المتسببين في التعدي وإلزام الجهات الإدارية بتأمين العاملين والموقع، وبعدها قامت الجمعية بإرسال العديد من الاستغاثات لجميع الوزراء، من انتشار الأمراض والأوبئة بين السكان المجاورين للموقع مستندةً إلى تقرير لجنة بيطرية يتعارض مع تقارير وزارات الصحة والبيئة والزراعة. وتقرر وقف العمل بالموقع وتشكيل لجنة ثلاثية من الوزارات الثلاث التي جاءت نتائجها مؤكدة لصلاحية الموقع، وأنه لا يسبب أضراراً صحية وتم وقف تحويل الحمأة لسماد عضوي، ووقعت شركة الصرف الصحي بروتوكولاً مع إحدى شركات الأسمنت الكبرى لمدها بالحمأة لاستخدامها كوقود بديل للطاقة تمشياً مع سياسة الدولة لتوفير الكهرباء والغاز، وأيضاً نزولاً على رغبة سكان المنطقة منعاً للشكاوى التي تعطل العمل بالموقع. وأشار الأشقر إلى أنه يوجد بداخل الموقع مرافق استراتيجية مهمة مثل خطوط بترول وغاز وتموين طائرات وكهرباء ضغط عالٍ وبجواره خزانات للمخزون الاستراتيجي من الوقود. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل خاطبت الجمعية الأهلية الأمانة العامة لوزارة الدفاع ووزير الإسكان والمرافق والجهات المعنية من البيئة والصحة وعلماء وخبراء البيئة لعقد مؤتمر يوم 11 من الشهر الماضى بنقابة الأطباء حضره مستشار رئيس الجمهورية للزراعة وسكان مجاورون للموقع، في حين خاطبت شركة الصرف الصحي المسئولين والجهات السيادية لوضع الحقائق العلمية أمامهم، والتحذير من خطورة العبث بالمشاريع القومية0 موقع يمنع الأمراض الدكتور سيد شلبي وكيل معهد الدراسات العليا والبحوث وأستاذ بيئة التربة العالمي أكد أن موقع «9ن» تم اختياره بناء على الدراسات العلمية السليمة وأنه أفضل المواقع من الناحية البيئية، مشددا على أن الفترة الأخيرة شهدت إجراء قياسات متنوعة على الهواء والمجارى وغيرهما في معهد الدراسات والبحوث ووزارات الصحة والزراعة والبيئة وإجراء دراسة لتقييم الأثر البيئي وجاءت نتائجها لتثبت أن الموقع آمن تماما وأنه لا توجد ملوثات، وأقل كثيرا من الحدود المسموح بها قانونا مطالبا بتعميم هذا الموقع على مستوى المحافظات للحفاظ على البيئة وصحة الإنسان. وبسؤال الدكتور سيد شلبي: «ماذا لو لم يكن الموقع موجوداً؟» أجاب: كان ذلك سيؤدى إلى توقف خدمة المعالجة والتخلص الآمن من المخلفات لسكان مدينة الإسكندرية، وبالتالي تتم إصابتهم بالأمراض، مع عدم قدرة الدولة على حماية البيئة والصحة العامة من الأخطار وتلويث شواطئ البحر وبحيرة مريوط بمياه الصرف غير المعالجة وانتشار الروائح الكريهة والحشرات بالمناطق المجاورة لمحطات المعالجة بأحياء الإسكندرية بالإضافة إلى استحالة تطهير وإزالة الرواسب والأوحال من شبكات الصرف والبيارات ومحطات الرفع مما سيؤدى إلى حدوث انفجارات بالوعات الصرف وغيرها من المشكلات التي يصعب مواجهتها، على حد قوله.