الاشتراكيون أنت إمامهم/ لولا دعاوى القوم والغلواء.. هذا بيت من قصيدة ولد الهدى لأمير الشعراء أحمد شوقى، التى كتبها عام 1917 ووصف فيها نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بأنه إمام الاشتراكيين. وجاء جمال عبد الناصر فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وما أدراك ما الستينيات، ونادى بالاشتراكية التى تقوم على دعامتين أساسيتين، هما كفاية الانتاج وعدالة التوزيع، وذلك للقضاء على ظلم سيطرة اقطاع ونصف فى المائة من القوم على ارزاق الملايين من الفقراء والغلابة المصريين.. طبعا قيام المجتمع الاشتراكى العربى المصرى القائم على الحرية والاشتراكية والوحدة سيقضى تلقائيا على سيطرة رأس المال المستغل. وبالتالى على قواعد اعتماد الاستعمار القديم والحديث على المجتمع المصرى، وبالتالى على المجتمع العربى لأن مصر أم الدنيا هى قوة الجذب وقوة التأثير. قامت قيامة المعسكر المعادى وتوابعه ومن بعض الأنظمة والحكام العرب والتيارات الملتحفة ظلما بالاسلام، باتهام جمال عبد الناصر بالشيوعية تارة، وبالكفر أو بالالحاد تارة أخرى ، وذلك فى محاولة لعدم قيام المجتمع المصرى القوى الذى سيترتب عليه تحرير الأمة العربية كلها من المحيط الى الخليج، وما سيتبع ذلك من قيام أنظمة حرة ليست تابعة وزوال سيطرة الاستعمار ورأس المال المستغل على الحكم وتمكين شعوب الأمة العربية كلها من مواردها. وتخيلوا يا قوم كيف سنكون ! كلام لا يحتاج لتفسير. من هنا استأذن القارىء الكريم بأن انتقل للمزيد من الايضاح، وأقول إنه حقآ ديكتاتور القلوب. في عصر عبد الناصر تساوي الفقير والغني.. فى عصر هذا الديكتاتور، تساوت الفرصة في التعليم والعلاج والسكن والدواء والرغيف.. فى عصر هذا الديكتاتور، بنينا ، نحن الشعب، السد العالي ومجمع الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم وغيرها من مئات المشاريع الصناعية الثقيلة والصناعات الأخرى الانتاجية المتنوعة التي كانت بمنزلة خيال علمي بالنسبة لمجتمع زراعي.. في عصر هذا الديكتاتور، أممنا قناة السويس وبهذا القرار الوطنى فتح الديكتاتور بنك مصرى كان يدر مليون جنيه أصبح يدر اليوم أكثر من خمسة وثلاثين مليار جنيه سنويا تتزايد، وفعلنا ما نريد وتحدينا الديكتاتورية العالمية.. فى عصر هذا الديكتاتور، تم بناء التليفزيون المصرى واستاد ناصر الرياضى القاهرة حاليا، وبرج القاهرة وكثير من معالم وتحديث أربعة آلاف قرية من اضاءة لمراكز شباب لوحدات صحية ومدارس وتنظيم الدورة الزراعية فى محاولة للاكتفاء الذاتى.. وفي عصر هذا الديكتاتور، قامت الوحدة العربية في أزهي صورها وصار ما يجري في مراكش يشعر به أهل البحرين.. وفي عصر هذا الديكتاتور، قامت حركة ثقافية وفنية وأدبية ونال كبار الكتاب والأدباء حقهم فى التأليف، ونشر ما ينقد النظام بحرية كاملة، سواء فى الكتب أو السنيما أو المسرح.. مازلنا نعيش علي عطرها ونتنفس عبيرها حتي الآن. فى عصر هذا الديكتاتور، لأول وآخر مرة في تاريخ مصر تحقق فائض في الميزانية، وبعد النكسة عام 1969 بواقع 46.9 مليون جنيه.. وفى عصر هذا الديكتاتور، لأول مرة في التاريخ المصرى تم اطلاق برنامج الصواريخ المصرية، القاهر والظافر علم 61 ، وكذلك الطائرة القاهرة 200 والطائرة 300 كأحد انجازات البرنامج الفضائى للديكتاتور متوازيا مع البرنامج النووى، كسلاح للمهام التى تحقق ضمان الأمن القومى لمصر أم الدنيا.. وفي عصر هذا الديكتاتور، دعمنا دول الأمة العربية المدنية وشجعنا الحداثة. في عصر هذا الديكتاتور، قامت ثورة ليلة 23 يوليو 1952 ولم يقتل أو يجرح ليلتها مواطن مصرى سوى واحد فقط ولو بالخطأ.. وفى عصر هذا الديكتاتور، أنشئت مصانع سيارات رمسيس، ثم النصر كأول مصانع سيارات بالشرق وللاسف توقفت بعده عمدا مع سبق الاصرار.. وفى عصر هذا الديكتاتور، أنشئ مجمع الحديد والصلب بحلوان ومجمع الألمونيوم بنجع حمادى عام 69 بعد النكسة، فى ظل اعادة بناء القوات المسلحة وتهجير مدن القناة، بتكلفة ثلاثة مليار جنيه كأكبر مشروع للألومنيوم حينها بالشرق.. وفى عصر هذا الديكتاتور، بنى 11 ألف مسجد بمصر كأكثر من كل مابنى منذ مجئ عمرو بن العاص إلى مصر. في عصر هذا الديكتاتور، تمكن العرب من إيصال كلمتهم لشتي بقاع الأرض وفرض الاحترام علي الجميع لكل عربي، وللأسف جاء من بعده مباشرة من سلم 99%من أوراق مصر لأمريكا، وقام نظام الجمهورية الثانية (جمهورية الكامب) التى مكنت شياطين الارهاب الذين لا عهد لهم ولا دين، الذين انقلبوا عليه وقتلوه وسط جنوده يوم 6 أكتوبر العظيم، وليس هذا فقط بل قام رأسماليو هذه الجمهورية الثانية ببيع وتخريب كل ما بناه الديكتاتور من مصانع وزراعة واقتصاد وتنمية حقيقية . في عصر هذا الديكتاتور، وصلنا لمعدل تنمية يكاد يصل لمعدل التنمية الياباني والألماني في وقت من الأوقات وحقق نسبة 7ر6 % سنة 1969/ 1970 .. وفي عصر هذا الديكتاتور، قامت حركات التحرر العربية والإفريقية وفي أمريكا اللاتينية بدعم ناصري وحققت جميعها أهدافها فى الحرية والعدالة.. وفي عصر هذا الديكتاتور، رأينا الزعيم الذي له القدرة علي التنحي وعلي تحمل المسئولية. وتم إعادة بناء وتسليح الجيش المصرى، بعد عدوان 67 ، وأصبح أقوى بكثير من قبل، وتم تدريبه بكفاءة عالية لعبور القناة وتحطيم خط بارليف، وكان الجيش جاهزا للعبور فى أبريل أو أكتوبر1970، وتم تحريك وبناء حائط الصواريخ الركيزة المحورية لأى عملية لتحرير سيناء.. وفى عصر هذا الديكتاتور، كفي لم أعد أستطيع أن أكتب عن هذا الظلم الذي أوقعه علي رءوسنا.. إني أقف عاجزا عن إحصاء ما تركه جمال عبد الناصر من إرث للإنسانية، وما قدمه من تضحيات وإنجازات للأمة العربية، لكنني أسعى الى تسجيل عظيم امتناني بدل الرثاء لهذا العملاق الذي جاء لينفض عنا ثوب المذلة والتبعية، ويغسل وجوهنا بماء الكرامة|، ويأخذ بأيدينا نحو الشمس، ذلك القائد الذي اختارته السماء ليكون مصلحا في أرض الأنبياء، بعد أن امتلأت قهرا وفقرا وتخلفا وهوانا، وشربت الظلم كأسا حنظلا، والهزائم خبزا علقما. إنه حقآ ديكتاتور القلوب.. يمكن يكون فعلا ديكتاتورا، لكنه كان زعيما وطنيا.. أحب بلده وكان صاحب مشروع .. مشروع اسمه الكرامة.. الكرامة التي نبحث عنها الآن . لمزيد من مقالات سامى شرف