اسودت الدنيا في عينيه وغلقت جميع الأبواب في وجهه بعد أن تراكمت عليه الديون وشعر بأن سنوات العمر تمر به وتزداد معها الهموم والمعاناة فلديه 3 أطفال في الدراسة وراتبه لا يكفيهم ومع قدوم المدارس والعيد شعر بأن الأعباء تتراكم عليه وقد استدان من كل من يعرفه. حتي إنه أصبح هاربا من حكمين بالسجن في قضايا شيكات وإيصالات أمانة، لعدم قدرته علي سداد مبالغ استدانها من زملائه ولم يتمكن من سدادها فقرر التخلص من حياته ليودع أبناءه ويتوجه بعدها إلي عمله بمصنع بمدينة العبور ليودع زملاءه و كأنه أراد أن يصل صوته للدنيا كلها بعد مماته بعد أن عجز عن إيصاله خلال حياته فقد عاش 48 عاما يصرخ من أعماقه بسبب الفقر الذي جعله رهين السجن وكان السبب في أن يترك الدنيا كلها. ففرج رزق يعمل سائقا بمصنع بمدينة العبور يقطع رحلة يومية من منزله بمنطقة عين شمس إلي عمله ذهابا وإيابا و يحصل في نهاية الشهر علي مبلغ 1200 جنيه هو راتبه ولديه زوجة و3 أطفال في مراحل التعليم المختلفة يكبرون كل عام وتزيد معهم الأعباء والمتطلبات ولا يبقي شيء علي حاله سوي راتبه الذي أصبحت الأسعار غولا تأكله وأصبح دائم الشكوي لزملائه في العمل وجيرانه في المنزل جاب الأرض بحثا عن عمل إضافي إلا أنه كان لا يستمر لأنه لا يتناسب وعمله الأصلي وتمر به المواسم والأعياد وهو لا يستطيع أن يفي باحتياجات أبنائه حتي استدان من كل من يعرفه ولم يتمكن من السداد فأضطر إلي التوقيع علي إيصالات أمانة لأشخاص حتي يرتضوا إقراضه أموالا يسد بها حاجات أطفاله الثلاثة علي أمل أن تتحسن الأحوال ولكن العكس تماما هو ما يحدث فالأسعار تزداد غلاء و مطالب أبنائه تكبر معهم فأصبح يري الدنيا من ثقب الإبرة ضيقة مظلمة لا يكاد يري فيها أي أمل غلب عليها اللون الأسود ومع زيادة احتياجاته أصبح مكبلا بالديون وهدده أصحابها بالسجن إلا أنه لم يكن يملك ما ينجيه وبالفعل تقدموا ببلاغات ضده بإيصالات الأمانة التي سبق وأن وقع عليها حتي صدر ضده حكمان بالسجن وأصبح بالإضافة إلي أعبائه طريدا خوفا من القبض عليه فيسجن فيموت أبناؤه الصغار جوعا إلا أن الشيء الوحيد الذي لم يدركه فرج الذي يحمل إسما علي عكس حياته فعلي الرغم من أن اسمه يعني السعة والفرج إلا أن حياته ضاقت واستحكمت حلقاتها. كان كل زملاء فرج في العمل يعلمون بمعاناته وشكواه التي كثيرا ما حكي لهم عنها وضيق ذات اليد فكانوا كثيرا ما يتعاطفون معه كما أن جيرانه وأقاربه أيضا كانوا يشفقون عليه كثيرا إلا أن أحدا لم يتخيل يوما أن يكون ذلك سببا لإنتحاره إلا أن فرج كان له رأي آخر فبعد أن ضاقت به الدنيا علي الرغم من سعتها ولم يسمعه أحد بعد أن إنفطر قلبه صراخا علي حاله فقرر أن تعلم الدنيا كلها بأن الدنيا ضاقت عليه و أصبح لا يوجد له مكان بها وعلي الرغم من أن الانتحار يخالف تعاليم الشرائع السماوية إلا أن شيطانه تملك منه وكأنه يودع الدنيا ففي صباح الثلاثاء الماضي اصطحب أطفاله الثلاثة إلي مدرستهم وقبل أن يدخلوا باب المدرسة نظر إليهم وهو يودعهم ولكنهم لا يعلمون وقبلها كان قد زار أشقاءه ثم توجه إلي عمله ليسلم علي زملائه جميعا واستقل سيارة العمل النقل وعلي غير العادة وضع حبلا كبيرا بها متوجها في مأمورية عمل إلي منطقة الصالحية كما يعلم زملاؤه إلا أنها كانت المأمورية الأخيرة فلن يعود بعدها وأثناء سيره بطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي وبالتحديد أمام مدينة بدر كان القرار فقد هانت روحه عليه وقرر أن تري الدنيا كلها وفاته بعد أن غفلت عن حياته فتوقف بسيارته إلي جوار إحدي اللوحات الإعلانية الضخمة الموجودة بالطريق ليصعد علي سلم حديدي مثبت بها فاعتقد المارة أنه تابع لإحدي شركات الإعلانات ويصلح شيئا باللوحة واستغرق في الصعود 20 دقيقة كان بعدها قد جهز المشنقة ليضعها في رقبته ليفاجأ به قائدو السيارات يتدلي من اللوحة من ارتفاع شاهق مشنوقا لتعلم مصر كلها قصة فرج التي غفلتها طيلة 48 عاما هي سنوات عمره التي انتهت يوم الثلاثاء الماضي. وينتظر أبناؤه و زوجته عودته من العمل كما يحدث يوميا ولكن انتظارهم طال حتي أتاهم اتصال هاتفي من زملائه لتصرخ زوجته صرخة كادت تخرج معها أحشاؤها من الداخل فهي التي كانت تعاني في حياة زوجها ماذا ستفعل بعد مماته ليفيق كل من يعرفه علي هذا الكابوس ويتأكدوا من أنه كان يودع الدنيا عندما قام بزيارتهم قبل الحادث بيوم ويعلم زملاؤه لماذا وضع الحبل داخل السيارة قبل التوجه إلي المأمورية التي لن يعود منها. وكان اللواء علي الدمرداش مساعد وزير الداخلية لأمن القاهرة قد تلقي بلاغا بالعثور علي سائق بشركة نقل بالعبور معلقا بحبل أعلي لوحة إعلانات بمدخل مدينة بدر وكشفت تحقيقات اللواء محمد قاسم مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة عن عدم وجود شبهة جنائية في الحادث وأن المجني عليه فرج رزق فرج (48 سنة ) أقدم علي شنق نفسه بعد إصابته بحالة اكتئاب نفسي شديد نتيجة مروره بضائقة مالية وخاصة مع بدء العام الدراسي الجديد. واستمع العميد عبدالعزيز خضر رئيس مباحث قطاع شرق القاهرة إلي أقوال شقيقه والذي أكد في أقواله أن شقيقه خرج صباح يوم الحادث إلي عمله كعادته وقبلها قام بتوصيل زوجته وأبنائه إلي المدرسة ولم يتوقع أحد أن يقوم بشنق نفسه كما قرر اثنان من زملاء المجني عليه بالعمل واللذان أكدا بأن المجني عليه كان دائما يشتكي لهما من ظروف الحياة الصعبة وارتفاع الأسعار علاوة علي مصاريف المدارس وأنه يوم الواقعة توجه لمأمورية عمل لمنطقة الصالحية وبصحبته سيارة الشركة التي تحمل لوحات رقم ر ج 2856 مصر وفوجئا بأن المجني عليه قام بوضع حبل وسلم داخل السيارة وغادر مقر الشركة دون أن يتحدث مع أحد. وانتقل العميد عبدالعزيز خضر إلي لمعاينة مكان الحادث وجثة المجني عليه ورجحت المعاينة أن الحادث لم يستغرق أكثر من 20 دقيقة فقط وأن المتهم قام بالتوقف بسيارة الشركة التي يعمل عليها بطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي وقام بإيقاف السيارة وتسلق علي السلم وربط الحبل بلوحة إعلانات بالطريق وشنق نفسه أعلي لوحة الإعلانات وذلك علي مدخل مدينة بدر. وصرحت النيابة بدفن الجثة بعد توقيع الطب الشرعي الكشف عليها لبيان سبب الوفاة وطالبت بتحريات المباحث حول الواقعة واستدعاء زوجة المجني عليه لسماع أقوالها. كان العميد هشام شبانة مأمور قسم شرطة مدينة بدر قد تلقي بلاغًا من السائقين أصدقاء المنتحر بأنه قام بوضع سلم وأحبال في سيارة الشركة وغادر وهو في حالة نفسية سيئة.