هذا الكاتب «العرَّاف» تنبأ منذ نصف قرن بمصير إمارات التطرف و«الغيبوبة العربية»، بعد أن صار مصيرها ك «مصير صرصار» ألعوبة فى يد عصابات الأشرار ومرتعا لألاعيب الأمريكان الذين ظنوا أن مصيرها فى أيديهم، يعزلون حاكما وحاشية وينصبون أميرا من أمراء الحرب أو «خليفة» أو ملك من طوائف التطرف، ممن شوهوا بيت المقدس بحملهم لاسمه، وحرفوا الشريعة باسم «نصرة الشريعة»، كأن هذا الكاتب الفيلسوف كان يقرأ وقتها فى فنجان ويشاهد ويلمح الى دور الولاياتالمتحدة فى تعميق «غيبوبة» الحاكم والمحكوم، لكى تلعب بهم وقتما تشاء، هكذا..أعدت فهم تشخيص توفيق الحكيم لأحوالنا فى مسرحية مصير صرصار، نفس أوجاعنا وطريقتنا فى حل المشكلات والجزر المنعزلة والحوار المقطوع، والمعايير المختلة التى كانت سائدة بين الحاشية والناس، فى مسائل السياسة العويصة ومشكلات الحياة اليومية، فبعض البشر رآهم الحكيم يتعاملون بطريقة الصراصير، والصراصير تتعامل نخبها بطريقة البشر، وتهفو للرقى العقلى الذى كرم الله به الإنسان، والنتيجة أن ملك الصراصير فشل فى إيجاد حل لمشكلة هزائمهم المتكررة أمام جيوش النمل المنظمة، وتفشت السطحية ولغة القدم على لغة القلم والفكر، وكانت النتائج تخبطا بين النخب وهبوطا فى مسوى الأداء حتى فى الملاعب! كل ذلك فى عمل مسرحى ذهنى، تدور أحداثه حول بلاعة حمام، وناقش هذا الكاتب أوضاع مملكة يقودها صرصار «هنكار» كل مؤهلاته فى الحكم أنه نظر صدفة فى بركة ماء حول البالوعة، واكتشف أنه يملك أطول شارب بين الصراصير، وبينما لم تعترف زوجته الملكة بهذه الطريقة في الاختيار، ولأنه اكتفى بأن الحل الوحيد الذى طرحه لمشكلة النمل الأزلية هو التحذير من انقلاب زوجته أو أي صرصار على ظهره، ولم يصدقه إلا المنتفعون من حاشيته فقط، وهم الوزير والكاهن والعالم العلامة،ووجد أيضا من رعاياه ومن القوى العظمى حول مملكته، من يدعم ملوك التطرف على المزيد من الوهم والغيبوبة بينما هم انشغلوا بقضايا شعوبهم الحقيقية التى عليهم انجازها للبقاء فى الحكم وليس لديهم وقت لقياس اللحى وتطويل الشوارب! لا تصدقوا توفيق الحكيم إن أقسم بجدود جدوده أن هذا العمل العبقرى لم يتعد مصير صرصار، التى زعم أنها تحوم حوله فى الغرفة “بألفة وبدون كلفة”، فلابد له من ركيزة على حقيقة أو واقع او حتى علاقة بين رجل وزوجته ، فهذا العمل المسرحى الذهنى العبقرى نبوءة بمصير أمة، ودرس للاعتبار يمكن فهمه علي كل الوجوه فى السياسة والفلسفة والأدب والأخلاق وعلم الحشرات! هل سمعتم عن إمارات الشر فى جبل الحلال ونظيرتها فى العراق؟ من صنع منهم أمراء وملوكا وخلفاء؟ هل ورث أميرهم المملكة عن جدوده أو بايعه الرعايا ، فخليفة داعش الجديد لم يفعل أكثر من الاغترار بطول لحيته، وانتهز أجواء الانقسام فى بغداد واستبداد المالكى وإبعاده السنة واغتراره بأهل شيعته وسعي الأكراد حثيثا لإعلان دولتهم فى الشمال، فلم يجد البغدادي بدا من إعلان دولة الخلافة ووجد الضوء الأخضر الأمريكى حاضرا بغض الطرف،كما غضوا طرفهم من قبل عن صدام حتى دخل مصيدة الكويت، وسوابق أمريكا مع جماعات الإرهاب الإخوانية مشجعة، فلم تدعم الحرية وحقوق الإنسان فى أى منطقة خلال العقد الأخير الا وتحولت الى دويلات وإمارات وممالك، فى يوغسلافيا والبلقان وليبيا والسودان والعراق وسوريا وأفغانستان،وبينما ينشغل الرئيس الأمريكى بقضايا ناخبيه وأمنهم القومى، ينشغل الخليفة فى كل إمارة بطول اللحى والشوارب واختيار أفراد الحاشية الذين يلقون “ترحب بهم أمريكا وترضى عنهم إسرائيل” ، ألم تشجع أمريكا من خلال أعوانها نوعيات مثل حكيم البادية والرئيس الملهم والقائد الضرورة ومؤسس الجماهيرية وصاحب النظرية على مدى نصف قرن، تجهض المحاولات التنموية وترعى النزعات الدكتاتورية الرجعية لترتب أجواء التغيير أمام الانتهازية الإخوانية؟ تأملوا.. ملكة الصراصير عند توفيق الحكيم تسأل زوجها الملك عن وزرائه وحاشيته: كيف تختار وزيرك، فيجيب : أهم مؤهلاته اهتمامه البالغ بعرض المشكلات المربكة، فتسأل : والكاهن ما موهبته؟، فيجيب: كلامه الذى لا أفهم له معنى!، والعالم العلامة؟ فيقول : تبهرنى معلوماته الغريبة عن أشياء لا وجود لها إلا فى رأسه! بلاط مثل هؤلاء الحكام فى حاجة لقوة توفر لهم الخزائن والبنوك والحماية، والقوة العظمى فى حاجة لأصوات دولية يسلمون بجدارتها على قيادة العالم، وبالمثل في دولة الصراصير فالوزراء فى ذلك الزمان البعيد كانوا فى حاجة لحاكم يفضون اليه بسخافاتهم، والحاكم كان فى حاجة لمن ينادونه بحكيم الحكماء وصاحب العزة وفخيم الأمة وعميد الرؤساء!.. الشهر القادم تمر 114 سنة على ميلاد توفيق الحكيم.. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف