رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "أعلن تنظيم الدولة الإسلامية حظر التعامل بالبيع أوالشراء فى المكسرات"!! كان ذلك هو مضمون الرسالة التى قفزت فى وجهى من شاشة تليفونى المحمول فى الصباح الباكر. وعلى الرغم من غرابة القرار الذى إتخذه تنظيم "الدولة الإسلامية" إلا أنه كان يتماشى مع "غرائب وطرائف" التنظيم الذى كان يعرف منذ شهور سابقة بتنظيم "الدولة الإسلامية فى العراق والشام" (داعش) والذى أعلن قيام "الخلافة" ونصب زعيم التنظيم "خليفة" على المسلمين فى أنحاء الأرض. فقرار "المكسرات" لم يأت منفردا بل جاء فى سياق قرارات أخرى أشد غرابة. فقد تم منع بيع وشراء الطرشى والمخللات والمكسرات بجميع أنواعها فى أسواق محافظة نينوى العراقية بعد أن قام أتباع التنظيم بإغلاق المحلات التى تتعامل فى تلك المنتجات مما أثار إستياء الأهالى خاصة وأن مدينة الموصل تشتهر بالطرشى الموصلى وبالتجارة فى جميع أنواع المكسرات. وسبق أن فرض (داعش) على أهالى مدينة الموصل قرارات غريبة مثل إرتداء الزى الأفغانى ومنع التدخين وحظر تسليم حصص التموين لأبناء الأقليات الدينية وفرضوا الجزية وتداولوا النساء بالبيع والشراء!! أما الأكثر غرابة فكان تأثر البعض بظاهرة سفك الدماء فظهرت صور دعائية لطفل ليبى يقوم بالتدرب على الذبح مستخدما سكين فى ذبح دمية وفصل رأسها عن جسدها!! وقد حملت الصورة عبارة "علموا أولادكم جز الرقاب"!! واليوم ، إذا كانت تلك القرارات والتصرفات العجيبة تثير الذعر والقلق لدى أبناء الدول الأخرى فإن أبناء مصر شهدوا منذ مئات السنين ما هو أكثر غرابة وطرافة مما جعلهم أصحاب خبرة فى التعامل مع أصحاب تلك الغرائب والطرائف. فقد شهد عام 386 هجرى الموافق لعام 996 ميلادى (أى منذ 1018سنة) تولى أبوعلى منصور العزيز بالله الشهير بالحاكم بأمر الله مقاليد الحكم فى مصر. بدأ أبو على غرائبه بعدم دخول الحمام!! وقتل العلماء والكتاب وأمر بقتل الكلاب قبل أن ينهى عن ذلك فى وقت لاحق! ومنع صلاة التراويح ثم عاد وسمح بها! وقطع العنب ومنع بيعه وأمر بإلقاء العسل فى البحر وحظر أكل الملوخية والجرجير!! وفى النهاية لم يكتف الحاكم بأمر الله بالسلطة السياسية والدينية بل ظهر من أتباعه من أيد فكر تأليه الحاكم!! وعندها تعقبهم أبناء الشعب وقتلوهم فساعد الحاكم الباقين على الهرب إلى خارج البلاد. وعلى الرغم من كل الغرائب والأفاعيل التى إرتكبها الحاكم بأمر الله فإن الشعب المصرى الصبور العاقل تناول أفعاله بالسخرية تارة وبالغضب تارة أخرى إلى أن حانت ساعة النهاية فتم التخلص منه بقتله وقتل حماره أيضا ولم يجدوا جثته حتى الآن. وهكذا بدا من الواضح أن الفكرة الأزلية للتلاعب بالشعوب المقهورة بإسم الدين والسماء قد تمت تجربتها فى مصر من قبل. بل ومن الطريف أيضا أن الحاكم بأمر الله كانوا يدعون له فى صلاة الجمعة بمساجد الموصل والأنبار وهى ذات المناطق التى يفرض تنظيم (داعش) نفوذه عليها اليوم!! إنها عجلات التاريخ المستمرة فى الدوران والتى لايستطيع أن يقودها ويحول مساراها إلا المؤمنون الصابرون الشجعان مثل أبناء شعب مصر العظيم. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ