لم يدر فى خلد من قام باختراع مواقع التواصل الاجتماعى ولو لبرهة أن تصبح بمرور الوقت ملعباً كبيرا وميدانا واسعا لانتشار الجهاديين والجماعات المتشددة ، بعد أن استغلوا تقنياتها الحديثة فى بث سمومهم لتمثل هذه المواقع ساحة خصبة لترويج ايديولوجياتهم . ففى خلال الفترة القليلة الماضية، لم يكد يمر علينا يوم دون أن نسمع عن قيام التنظيمات الإسلامية بنشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى من شأنها أن تثير الرعب والخوف فى نفوس المواطنين ولعل أشهرها كانت تلك الخاصة بمقتل الصحفيين الأمريكيين على يد تنظيم داعش والتى ربما أقل ما يقال عنها أنها شديدة القسوة والهمجية , وبذلك تحولت مواقع التواصل الاجتماعى من وسيلة سهلة يقصدها من يريد التعبير عن أرائه الى منبر للجهاد الالكترونى الذى لا يختلف كثيرا من حيث طبيعته من وجهة نظر هذه الجماعات عن الأنواع الأخرى من الجهاد سواء العسكرى والاقتصادى والسياسى . فمنذ أن أدركت الجماعات الجهادية مثل داعش أهمية مواقع التواصل الاجتماعى ،كما جاء فى تقرير نشرته صحيفة "الاوبزرفر البريطانية", بات من السهل التواصل مع مجندين محتملين أو بث أفكار معينة عبر منصات تويتر ويوتيوب وفيسبوك لمختلف دول العالم للدفع بهم إلى ساحات القتال، إضافة إلى تخصيص مستخدمين الانترنت ممن يجيدون اللغة الانجليزية بطلاقة للإجابة على أسئلة الشباب الذين يسعون للتعرف أكثر على هذا العالم المجهول بالنسبة لهم . واللافت للنظر أيضا التطور الكبير الذى شهده الجهاد الدعائى للجماعات الإرهابية ومروره بثلاث مراحل، المرحلة الأولى والتى يمثلها أسامة بن لادن إعتمدت على نشر بياناته، خلال السنوات التى قضاها فى الخفاء, على فيديوهات يتم عرضها على شبكات التليفزيون مثل قناة الجزيرة ، المرحلة الثانية يمثلها أنور العولقى الذى كان يلقى خطاباته عبر اليوتيوب باللغة الانجليزية ، وأخيرا المرحلة الثالثة من الجهاد الالكترونى ممثلا فى داعش الذى يملك عشرات الحسابات على موقع "تويتر" يبث من خلالها الرسائل المؤثرة ، وحين تتعرض حساباته للحظر، تظهر غيرها على الفور. وجاء الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعية بعد أن أصبح من الصعب جدا إستخدام الوسائل التقليدية مثل المساجد والتجمعات التى كانت تستغل لتنشر الأفكار المتطرفة والسيطرة على عقول الشباب، ويعود ذلك لتوافر غطاء كبير من الرقابة على هذه الوسائل ،علاوة على أن مواقع التواصل الاجتماعى بها إمكانيات كبيرة من الصعب الحصول عليها فى أى من الوسائل الأخرى فهى الأكثر أمانا فى التجنيد والاستقطاب ،إضافة إلى طابعها العالمى مما يعزز من تزايد فرص المتأثرين والمتعاطفين. ولم تعد كثير من هذه المواقع تعتمد على التهديد ونشر مقاطع الفيديو واستقطاب الشباب فقط ، إذ تطورت إلى شرح كيفية صنع المتفجرات على غرار شبكة “المجاهدين الإسلامية "التى تقدم وسائل بدائية لصنع قنابل عالية الاشتعال. وتعتمد هذه الجماعات فى جهادها الالكترونى على جيش من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين تربى على ثقافة التواصل الاجتماعى بعد ان أجادوا استغلال أدواتها بحرفية كبيرة , وتجمع بينهم قواسم مشتركة وهى أن غالبيتهم من أبناء الطبقة الوسطى لا تظهر عليهم سمات التشدد يطلق عليهم خبراء التطرف اسم "الناشرون الجدد" . مكافحة بلا جدوى وتعتبر مواجهة هذا النوع من الجهاد الالكترونى ليس بالأمر الهين كونه نوع من الحروب التى تخلو من المواجهة المباشرة ليشبه بشكل كبير حرب العصابات، ولا سيما أن هؤلاء المقاتلين مدربون جيدا على اختراق أى شبكة أو أى جهاز للاستيلاء على المعلومات من المواقع الإستراتيجية. بالإضافة إلى قيام "المجاهدين الالكترونيين" بإرسال ونشر الفيروسات، بقصد تخريب محتوياته، ,متحصنين بالمواقع الالكترونية التى يصعب ملاحقتها وتتبع مصدرها. وتشير التقديرات إلى أن الولاياتالمتحدة أنفقت نحو 250 مليار دولار حتى نهاية عام 2013 فى حملتها للتصدى ل "الجهاد الالكتروني" وصد هجماته، كما تكبدت السعودية قرابة مليار دولار خلال العام نفسه لذات السبب . وعلى الرغم من أن سياسة كلا من "فيسبوك" و"تويتر" تنص على أنه "لا يحق لأى مستخدم أن يكتب موضوعاً يحمل مضموناً ينتهك حقوق الآخرين أو ينتهك القانون، أو يحرض على العنف وإلا سيضطر الموقع إلى إغلاق الحساب فى حال انتهاك هذا البند، إلا أن شباب الجهاد الألكترونى لديهم مهارات كبيرة فى مجال تفادى الرقابة والحجب التحايل عليها . وأخيرا يبقى حقيقة واحدة تكشف عن مدى عمق التحول فى الأدوات التى تستخدمها داعش للوصول إلى أهدافها بعد أن وجدت ضالتها عبر ساحات شبكات التواصل الاجتماعى ليصبح الجهاد الالكترونى سبيلا لا يختلف كثيرا عن المواجهة المباشرة بل قد يفوقها تدميرا.