يعيش لبنان وخاصة العاصمة بيروت حالة ظلام مستمرة، فبعد أن كان التيار يقطع ثلاث ساعات نهارا يوميا بالتناوب بين مناطق بيروت المختلفة موزعة مابين السادسة صباحا والسادسة مساء، أصبح التيار الكهربائى يأتى كل ثلاث ساعات ليلا ونهارا بإجمالى 12 ساعة فقط كل أربع وعشرين ساعة. والسبب هو الإضراب المفتوح الذى يقوم به "المياومين"وهم موظفو وعمال شركة كهرباء لبنان ،حيث أغلقوا مؤسسة الكهرباء أمام عمال الصيانة الدورى ة،وذلك للمطالبة بتعديل الأجور وتعيين غير المثبتين بوظائفهم. وحتى اليوم لاتزال الكهرباء على إختفائها المريب وغير المستقر فى بيروت وغيرها من المدن والضيعات اللبنانية ،بعد فشل المفاوضات بين موظفى الكهرباء والحكومة ممثلة بوزارة الطاقة،مما جعل لأصحاب مولدات الكهرباء سطوة على المواطنين حيث hرتفعت أسعارهم لأضعاف قيمتها ،خاصة مع إرتفاع اسعار الوقود حيث يصل سعر البنزين إلى أكثر من دولار للتر الواحد. رئيس لجنة الأشغال والطاقة بمجلس النواب محمّد قبانى يقول إن "مشكلة الكهرباء هى مشكلة كل لبنان، وليس فقط العاصمة، فتفاقم أزمة الكهرباء فى هذا الوقت يتحمل ربعها الإضراب الحاصل للمياومين وثلاثة أرباع المشكلة تعود لغياب الانتاجية، ووضع هذا القطاع أصبح مزرياً. ونتيجة لضعف الإستقرار السياسى والأمنى بعد إغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى 2005، والعجز المالى والدين العام وعدم تنفيذ المشاريع، وغياب التوافق السياسى وتأثيرات الوضع السورى فى لبنان، تستمر أزمة الكهرباء والتقنين الكهربائى القاسي، ما ينعكس سلباً على حياة المواطنين اليومية والحركة الاقتصادية والتجارية، وما يفرض على المشتركين دفع فاتورتين: الأولى للدولة والثانية لأصحاب مولدات الكهرباء. وقبل حدوث الحرب الأهلية فى لبنان عام 1975 كانت التغذية بالتيار الكهربائى فى لبنان مستمرة 24ساعة يوميا، وكان لبنان يبيع الكهرباء لسوريا، فيما يأخذ لبنان، اليوم، الكهرباء من سوريا، وفى العامين 1991 و1992 كانت الكهرباء مؤمَّنة 18 ساعة يومياً بالرغم من خروج لبنان لتوه من الحرب وقتذاك. وبالرغم من زيادة الإنفاق العام على الكهرباء منذ العام 2006، لم يتحسن وضع الكهرباء بل تدهور، وتراجعت معدلات التغذية فى المناطق اللبنانية ليصل التقنين الى أكثر من 12 الى 14 ساعة يومياً فى بعض المناطق، مع تزايد القطع لأكثر من 3 ساعات حتى فى بيروت، فيما انتعش عمل أصحاب المولدات ووصلت أسعار الاشتراكات بالمولدات الخاصة الى 150دولارا أحياناً للخمسة أمبير شهرياً، وهنالك حوالى 750 ميغاوات تنتج من المولدات الخاصة فى لبنان، ولم يتم اتخاذ أية خطوة منذ 1996 أى منذ سبعة عشر عاماً لتحسين واقع الكهرباء، فليس ثمة محطة جديدة قد أنشئت، وخلال الثلاثين عاماً الماضية تعاقب على وزارة الكهرباء أكثر من عشرة وزراء. وتعود أسباب عجز الكهرباء فى لبنان إلى العجز المالى فى مؤسسة كهرباء لبنان، والنقص الكبير فى المحطات وخطوط النقل والتوزيع، والأعطال المستمرة فى معامل الإنتاج، والتعديات على الشبكات وسرقة التيار وتراجع تحصيل الفواتير المستحقة ، والأضرار التى أصابت الشبكة نتيجة أحداث عسكرية وأمنية، وزيادة الطلب على الإستهلاك دون توفير خطط لتوفير المزيد من الكهرباء، والنقص الكبير فى الجهاز البشرى العامل فى المؤسسة، ومشكلة المياومين. وبالرغم من إنفاق الدولة سنوياً1.5 مليار دولار على الكهرباء، لم يلمس المواطن أى تحسن فى التغذية بالتيار الكهربائي. وفى لبنان اتجاهان لحل مشكلة الكهرباء يطرحهما المتخصصون وهما الأول تتبناه الحكومة ويقضى بالشراكة بين القطاعين العام والخاص لاستثمار المشاريع فى الكهرباء، والثانى الخصخصة، ويطالب أصحاب هذا الاتجاه بتطبيق قانون الخصخصة الذى أقرّ عام 2002، ويقترح آخرون إستئجار بواخر من تركيا لتوليد الكهرباء وهى فى عرض البحر وتغذية لبنان بها ولكن هذا الإقتراح يواجه صعوبة التنفيذ فى ظل نقص التمويل اللازم وضعف الموازنة العامة للحكومة. وهناك دراسات تؤكد أن نصف الكهرباء فى لبنان تذهب هدرًا فى النقل، وهناك مشكلة لدى المستهلكين فى لبنان ،فهناك قسم كبير لا يدفع فاتورة الكهرباء، من خلال سرقة التيار من الخطوط العامة ومجانًا، وهناك من لا يدفعون الفاتورة والدولة لا تحصِّل الأموال كما يجب. وهكذا تتعثر كهرباء لبنان بين الحضور والإنقطاع ،تاركة الساحة مفتوحة لمافيا المولدات الكهربائية التى تنتشر فى شوارع وبنايات بيروت مصدرة الأصوات العالية والعوادم الخانقة لتسحب فى آخر الشهر من جيوب المواطنين والمغتربين قيمة الإشتراك الشهرى بالدولار،فهل تظل باريس الشرق - بيروت- فى حالة من الظلام والحر خاصة فى موسم الصيف الذى يزور لبنان خلاله مالايقل عن مليونى سائح؟