تسبب الجدل الذى تشهده المانيا حاليا حول قرار حكومة المستشارة انجيلا ميركل بإرسال اسلحة المانية للأكراد فى شمال العراق لدعمهم فى مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، فى توتر العلاقات الألمانية القطرية وهو ما سعى الطرفان سريعا لإحتوائه على الصعيد الدبلوماسى وإن إستمرت الأزمة قائمة على صعيد التصريحات والتناول الإعلامى فى المانيا. الجدل الدائر فى المانيا حاليا بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية يتمحور حول قرار اتخذته الحكومة الألمانية الإسبوع الماضى بإرسال اسلحة قاتلة لدعم الجبهة الكردية بإعتبارها حائط الصد الأخير امام تنظيم الدولة الإسلامية الذى بات يمثل "تهديدا وجوديا" كما صرح وزير الخارجية شتاينماير، ليس فقط لوحدة العراق وإنما لدول الجوار ومن بعدها اوروبا. وإعتبر الكثير من السياسيين هذا القرار تحولا تاريخيا فى سياسة المانيا الخارجية التى تجنبت حتى الآن المشاركة بقواتها وتصدير اسلحتها بشكل مباشر إلى مناطق الحروب. فمشاركتها فى افغانستان تمت فى الشمال الهادئ نسبيا من البلاد تحت شعار إعادة الإعمار والبناء وتجنبت فيها القوات الألمانية قدر الإمكان خوض مواجهة مباشرة مع قوات طالبان. وقبلها رفضت حكومة المستشار الأسبق شرودر الإنضمام لتحالف الرئيس الأمريكى جورج بوش الإبن فى غزو العراق وإن كانت القواعد الأمريكية فى المانيا مركزا للعمليات، كما رفضت حكومة ميركل المشاركة فى إسقاط نظام القذافى بالقوة واتهمت بأنها تعزل نفسها تاركة الساحة لدول اوروبية منافسة مثل بريطانياوفرنسا للقيام بهذا الدور العسكري. غير ان المانيا اصبحت على قناعة بأن طموحها للعب دور اكبر على الساحة الدولية وتحقيق املها فى الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن وقيادة اوروبا فعليا اصبح يتطلب التخلى عن سياستها الخارجية الحذرة وتخفيف العبء على شركائها فى الناتو عسكريا فى مناطق الأزمات والحروب. فجاء التحول فى موقفها متدرجا، بدأ كالعادة بتقديم الدعم الإنسانى والمعونات الهائلة للاجئين والهاربين من إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية ، ثم بقرار إرسال اسلحة المانية غير قاتلة كأجهزة الرؤية الليلية والكشف عن الألغام والعربات المصفحة لدعم البشمركة وحماية الإيزيديين والأكراد، واخيرا قرارها بإرسال اسلحة قاتلة لدعم الأكراد سيتم تحديد نوعيتها وحجمها خلال أيام. القرار اثار زوبعة واعترض عليه مثلا رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان نوربرت روتجن وهو من حزب ميركل المسيحى الديموقراطى بإعتبار انه لا يوجد ضمان بألا تقع هذه الاسلحة فى ايدى الجهاديين المتطرفين فيستخدموها فى قتل الأبرياء والمدنيين فيما بعد وهذه مسئولية لا يمكن ان تتحملها المانيا. هناك كذلك إعتراضات من المعارضة ممثلة فى حزب اليسار والخضر ومخاوف من أن ينقلب السحر على الساحر فتجد المانيا و فرنساوبريطانيا والدول التى ستدعم الأكراد بالسلاح المتطورأن الأكراد انفسهم - فى حالة تم السيطرة على خطر التنظيم الإسلامى - قد يستخدمون هذا السلاح لتحقيق حلمهم وإعلان دولتهم الكردية المستقلة لتبدأ مواجهة جديدة مع تركيا ودول الجوار التى لن تقبل بتقسيم العراق. فضلا عن مخاوف لدى الكثير من الألمان من أن تكون هذه الخطوة هى بداية سيعقبها فى المستقبل إرسال قوات المانية لمناطق الحروب وهو ما ما ترفضه غالبية الشعب الألمانى فى إستطلاعات الرأي. وفى خضم هذا الجدل خرج العديد من المسئولين والسياسيين الألمان ليشنوا هجوما لاذعا على قطر مطالبين الحكومة الألمانية بدلا من تسليح الأكراد ان تستخدم نفوذها لوقف تمويل هذا التنظيم الإرهابى من قبل دول بعينها وفى مقدمتها قطر،وابرز هؤلاء المسئولين وزير التنمية الألمانى جيرد مولر وينتمى للحزب المسيحى الإجتماعى البافارى الشريك فى الإئتلاف الحاكم والذى قال فى تصريحات تليفزيونية أن الغرب فشل فى إنتهاج سياسة وقائية لمنع خطر داعش قبل ان يتضخم لذا علينا الآن ان نسأل انفسنا من يمول هذا التنظيم؟ ثم ذكر قطر مطالبا بإعادة النظر فى كيفية التعامل مع هذه الدول الداعمة للجهاديين. طبعا اثارت تصريحات الوزير إستياء كبيرا فى الدوحة التى إستدعت السفير الألمانى هناك. وإلى جانب الوزير الألمانى شن يورجن تريتين السياسى البارز فى حزب الخضر هجوما شديدا على سياسة الحكومة الحالية فى التعاون مع قطر وقال أن ما نشهده اليوم نتاج سياسة خارجية خاطئة للمستشارة ميركل التى تعتبر قطر عاملا لإستقرار المنطقة رغم أنها الممول الرئيسى لداعش على حد تعبير تريتين الذى انتقد ايضا تركيا التى تسمح بمرور الدعم لتنظيم الدولة الإسلامية عبر حدودها. وطالب تريتين بممارسة ضغوط إقتصادية شديدة على قطر بل وفرض عقوبات عليها مثل حظر واردات النفط مشيرا إلى أن الاستثمارات والأموال القطرية موجودة فى الغرب ويسهل الضغط على الدوحة من خلالها،كما يتعين ايضا وقف تصدير الأسلحة لها، واصفا دعم المانيالقطر بغض النظر عن دعمها للمتطرفين الإسلاميين لإسقاط الأسد بأنه خطأ فادح. طبعا نفى وزير الخارجية القطرى هذه الإتهامات الألمانية بتمويل تنظيم الدولة الإسلامية وقد رد عليه فورا عدد من السياسيين الألمان مثل اوميد نوريبور الذى قال ان الحكومة القطرية لا تمول الجهاديين مباشرة ولكن رجال اعمال وشخصيات قطرية مولت وتمول جبهة النصرة التى انضم اعضاؤها لتنظيم داعش فيما بعد بما فى ذلك الكثير من الاسلحة الممولة من قطر.