في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصرنا الغالية وما يتردد من وجهات نظر متباينة بشأن كيفية تطوير جامعاتنا والنهوض بها, فضلا عن المطالبة بإعادة النظر في قانون تنظيم الجامعات المطبق حاليا. , رأيت أنه من واجبي كأستاذ جامعي وكمواطن مصري محب لبلده ومعترفا بفضله الافصاح عن رؤيتي ووجهة نظري في هذا الشأن. لقد مر شغل المناصب القيادية بالجامعات المصرية في ثورة52 يناير1102 بنظامين رئيسيين, الأول: نظام الانتخاب الحر المباشر, والآخر: نظام التعيين المباشر من قبل السلطة المختصة. وبعد ثورة52 يناير1102 طالبت شريحة عريضة من المجتمع الجامعي بضرورة العودة لنظام الانتخاب الحر المباشر لاختيار القيادات التي تفرض علي المجتمع الجامعي بناء علي تقارير أمنية. ولتلبية رغبة المجتمع الجامعي في ممارسة الديمقراطية لاختيار قيادته أصدرت وزارة التعليم العالي آليات اختيار القيادات الجامعية بنظام الانتخاب الحر المباشر. غير أن سيلا من الأحكام القضائية التي أصدرها القضاء الإداري قضت ببطلان هذه الآليات لمخالفتها مواد قانون تنظيم الجامعات بشأن تعيين القيادات الجامعية. وبالنظر الي الغاية المرجوة من مواد قانون تنظيم الجامعات بشأن نظام اختيار وتعيين القيادات الجامعية, ومن ثم معايير الاختيار الواجب توافرها فيمن يشغل تلك المناصب القيادية. نجد أن أيا من نظامي شغل المناصب القيادية الجامعية آنف الإشارة في صدر هذه الرسالة لايضمن تحقيق المصلحة العليا للجامعة وهو مايجعلني أعتقد أن ذلك كان السبب الرئيسي لتدهور وتدني مكانة جامعاتنا أقليميا ودوليا. ففي ظل التعيين المباشر, نجد أن التقارير الأمنية بشأن الانتماءات السياسية هي الركيزة الأساسية للترشح, حيث يتم تقييم وتثمين أهل الثقة والمفاضلة بينهم لاختيار الأكثر ولاء وانتماء للنظام الحاكم وبغض النظر عن اعتبارات الكفاءة والقدرة علي النهوض بالجامعة وتطويرها. وإذا تحولنا تجاه نظام الانتخاب الحر المباشر, سواء في ثوبه القديم قبل ثورة52 يناير1102 أو ثوبه الجديد بعد الثورة, نجد أنه لا يتوافر له من المقومات الموضوعية ما يضمن تمكين الكفاءات من قيادة الجامعات, حيث يفرز نظام الانتخاب الحر المباشر غالبا ما يطلق عليه بالشلالية, ومن ثم تسيطر الشلة ذات الوزن النسبي الأعلي علي العملية الانتخابية وينتهي الأمر بانتخاب الشخص ذي الدعاية الانتخابية الاكثر تلبية لمطالب الناخبين وتوجهاتها الشخصية والايدلوجية وبغض النظر عن اعتبارات الكفاءة والقدرة علي النهوض بالجامعة وتطويرها. وباختصار شديد أقول إنني أتفهم الظروف التي تمر بها البلاد والتي استوجبت الاستجابة لمطلب اختيار القيادات الجامعية بطريق الانتخاب الحر المباشر وبناء عليه أصدرت وزارة التعليم العالي آليات اختيار القيادات الجامعية. غير أنني أؤكد أن هذه الآليات, فضلا عن كونها مخالفة لقانون تنظيم الجامعات وهو ماقضي به القضاء الإداري, فإنها تفتقر إلي المقومات الموضوعية التي توفر ضمانات اختيار أفضل الكوادر لقيادة جامعاتنا والنهوض بها وتطويرها لتتبوأ مكانتها التي تستحقها بين الجامعات الاقليمية والدولية وبناء علي ما سبق فإنني أناشد برلمان الثورة أن يأتي التعديل المرتقب لقانون تنظيم الجامعات محققا للمصلحة العليا للجامعات المصرية وللمجتمع. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال اختيار الأكفأ لقيادتها وأعتقد أن السادة النواب يتفقون معي أن هناك سبيلا واحدا فقط لاختيار الأكفأ, وهو تقييم المرشحين والمفاضلة بينهم علي قاعدة معايير موضوعية مسبقة التحديد ومعلنة بكل شفافية للكافة. ولضمان حيادية تطبيق المعايير الموضوعية يتعين توافر امران, الأمر الأول: قياس مدي توافر هذه المعايير لدي المرشحين والتعبير عنها كميا في صورة نقاط ترجيحية يتم تسجيلها في استمارة كل مرشح. ولا اعتقد ولا ينبغي أن يكون بين المرشحين من يخشي أو يخاف من التقييم الموضوعي والمحايد للوقوف علي نقاط الترجيح التي تعكس حقيقة الوزن النسبي لكل مرشح تمهيدا لاختيار الأكفاء, والامر الثاني لضمان حيادية تطبيق المعايير الموضوعية, يتم اختيار لجنة التقييم من شخصيات جامعية وشخصيات عامة وفق معايير تضمن توافر الكفاءة والخبرة والنزاهة والموضوعية في أعضائها. وفي حال تساوي إثنين أو أكثر من المتقدمين لشغل منصب معين, يتم اختيار أحدهما سواء علي مستوي الكلية أو الجامعة بطريق الانتخاب الحر المباشر. فالمصلحة العليا لجامعاتنا ومجتمعنا تعلو ولايعلي عليها.