كانت المرة الاولى التى ينزل فيها الإسكندرية فقد سمع عنها كثيراً من أصدقائه فى المصنع الذى يعمل به وكثير من جيرانه وأصدقائه. كلهم زاروها حيث يجلسون لمدة أسبوع ثم يعودون وبشرتهم سمراء مشوبه بالحمرة. وكان يرى صورهم وهم يرتدون المايوهات والبحر وراءهم، أجسامهم عارية وتبدو عليهم السعادة كان يتمنى أن يذهب معهم وأن يجلس بجوار البحر ايضا فللبحر شهوة كما يقولون . كان يوم الجمعة وقد ارادت زوجته ان تزور والدتها المريضة. ودعها و أعطاها بعض النقود قبل أن تصعد إلى الأتوبيس وقبل ابنته الصغيرة و بكت الطفلة لفراقه و هو الاخر شعر بلوعة الانسحاب منه . كان الجو بارداً ولم يزل الصباح رائقاً. محطة مصر قريبة جداً. مشى إلى المحطة، مر بسائقى التاكسى والميكروباس وهم ينادون على الركاب الإسكندرية الإسكندرية. شكرهم ودخل المحطة . كانت باردة وأسقفها عالية. فى وسط المحطة يقبع هرم زجاجى مقلوب وهرم معتدل ومكتوب عليه نصب تذكارى لشهداء ثورة يناير. قال لنفسه ما علاقة هذا الهرم القبيح الزجاجى بالشهداء. على رصيف المحطة قطار فسأل أحد المارة إلى أين يذهب هذا القطار فرد دون أن ينظر له إلى الإسكندرية ويجب أن تسرع لأنه سيتحرك الآن. كان القطار قد بدأ فى التحرك فجرى معه وهو فرح وقفزً فى القطار وقال له و هو ينهج «الحمد لله، توصل بالسلامة» ثم تركه ليبحث عن مكان يجلس فيه. من نافذة القطار كان يرى المروج الخضراء والقنوات المائية والفلاحين والأشجار والشمس والضوء الجميل. والقطار يمر على المدن التى يسمع عنها ولم يزرها فقط بنها وطنطا. بنها لأن أهل زوجته يعيشون هناك وطنطا لأنه ذهب مرة مع أبيه أثناء مولد السيد البدوى ليجرى له الطهارة هو و ابن عمه وكان احتفالا كبيرا حيث أقاموا وليمة بجوار الجامع. ما زال يتذكر الحلاق وهو يقطع جلدته بالسكين الحاد والدم ينزف منه. وفى القطار الباعة الجائلون ينادون على بضاعتهم: شرب كوكاكولا، كانت باردة رغم حرارة الجو هناك أيضاً فتيات ونسوة ريفيات وأطفال يئنون من الحر وآخرون ينظرون إلى الحقول حيث النسمة باردة فسأله جاره فأجابه المحطة القادمة سيدى جابر ثم سئله الراكب هل هذه اول مرة تأتى الى الاسكندرية؟ فأجابه بنعم فضحك الرجل و قال له إن شاء الله تنبسط ثم قال و هو يبتسم محذرا بس خلى بالك من الحريم . على الكورنيش كان الجو بارداً ولولا الشمس لكان صقيعاً، نظر للبحر, أول مرة يراه بلونه الأزرق وهذا الأفق الممتد أمامه . شعر بالفرحة وكاد قلبه يقفز . لقد تحقق حلمه وها هو فى الإسكندرية الجميلة. وتمنى أن تكون زوجته وابنته معه بالتأكيد كانتا ستفرحا معه وربما كانوا قد سبحوا معا فى الماء كما يفعل الممثلون فى السنيما، بفرحة أقترب من الشاطئ بعدما عبر الطريق، كانت السيارات مسرعة بدرجة مجنونة وكادت سيارة تدهسه. كالطفل جرى على الرمال وكانت الأمواج ترتفع وتعلو وتأخذ بقوة رمال الشاطئ فى أحضانها. بجوار الحائط خلع ملابسه... نعم سينزل المياه هذه فرصة لن تتكرر... متى سيعود إلى الإسكندرية مرة ثانية؟ ..لا يعلم؟ كانت المياه باردة جداً لدرجة التجمد كان جسده لا يزال يحتفظ بقوته وجماله كان مثل الفارس المكتمل التكوين حيث ساقان قويتان وصدر عريض وذراعان تبرز عضلاتهما بوضوح. ارتعش وصكت أسنانه... بعد دقائق كانت المياه تسخن بحرارة جسده ...كاد يغرق لانه لا يعرف العوم جيداً ولكنه كان مدهوشاً بحركته وليونة جسده التى ترفعها الأمواج والمياه الرائعة الانسيابية. وعندما جاءت موجة عالية وكادت تأخذه فى طياتها نهض وقام رغم شربه بئرا من المياه المالحة وسعاله المتكرر لكنه حمد الله على أنها لم تأخذه معها إلى الأعماق. خرج من المياه وجسده ثقيل وكاد يسقط وكأن الرمال التى تحت قدميه تأخذ به نحو البحر مرة ثانية. ارتعد فجرى نحو سور الحائط ليرتدى ملابسه. كان هناك شاب آخر يتردد فى نزول البحر كان جميلا ًويبدو أنه لم يكمل العشرين من عمره. اقترب منه و ساءله مش تنزل البحر مرة ثانية فأجابه أنا بنزل على طول أنا اسكندرانى أصلاً. كان يرتدى مايوهاً أسود وجسده متماسك وقوي. قال أنا أسكن فى أبو قير وأبى يعمل صيادا وأنا أعمل فى ورشة حدادة. سئله : إيه ....تنزل ؟ و ابتسم له قال و هو يرتعد ووجه شاحب ... بردت ومعرفش أعوم. نزل الشاب المياه وأخذ ينظر إليه ويشاور إليه ويضحك ويحثه على النزول ولكنه لم يلتفت إليه, وارتدى ملابسه وقال سأراك بعد قليل، ثم خرج إلى الشارع. الكورنيش بارد ولا يوجد بشر كثيرون والشمس مالت للاختفاء ونزل القرص الأرجوانى وغمس نفسه فى المياه. وتجول حسن فى شوارع المدينة قادته خطواته محطة الرمل أكل آيس كريم وقرأ عناوين الجرائد ودخل شارع صفية زغلول وشاهد الفتارين. ثم عاد إلى البحر شرب شاياً فى مقهى البورصة ورأى القلعة البعيدة وأضواءها المنيرة، مال ومشى باتجاه الشاطئ. كانت أغنية لسه ناوى على الرحيل لأنغام تصدر من كاسيت سيارة فشعر بالحنين لابنته . لمحها من بعيد كان شعرها يتطاير و تحاول أن تلمه و كانت بيضاء و ممتلئة و يبدو أنها تبتسم له وهذا ما أثاره وربما أشارت له أن يصعد إليها .. وانتظر طويلاً حتى هدأت السيارات . فعبر الطريق ...و كان يراها تنظر من نافذة فى الدور الأرضى و تشاور له . فتحت له و رحبت به و صوتها يرتعش وكان هو محموما و متوترا .... قالت له إنها وحيدة وأنها تعيش مع طفلها منذ رحل زوجها إلى بلدا بعيد و وأردفت وهى تتنهد و تضع له مشروبا .. مرت شهور وشهور ولم يعد من الواضح أنه سوف يعود قد أعجبته الحياة هناك ومنذ قيام المظاهرات والحال تبدل فترك مصر وهاجر ولم يعد يرسل نقوداً أيضاً. الله وحده يعلم ماذا حدث له. وها أنا أعانى الوحدة ... والحياة بدون رجل كئيبة أكيد حاسس بى. هل أنت متزوج؟ سألته بدلال لم يرد وسألها وهو يلتفت حوله : وعايشه لوحدك فى البيت ده؟. قالت: ده بيت أبويا الله يرحمه كان يعمل فى الميناء ولم يترك لى سوى هذه الشقة إيجارها سبعة جنيهات فى الشهر تخيل؟. الناس كلها بتقولى أجريها للمصطافين ولكن لا أحب ذلك. وكيف تعيشين؟ -حبيابى كتير وكلهم ذوق زى حضرتك. دارت برأسه الظنون ..إذن هى تتوقع أن يعطيها بعض المال و لكن ليس لديه المال الكافي. نعم يشعر بالامتنان لها لأنه استضافته ويشعر بالرغبة فى أن يجالسها ويسامرها فمنذ أن حملت زوجته فى الطفل الثانى ولم يقترب منها وحذره الطبيب أنه من الممكن أن تفقد الجنين لو ضغط عليها فى الفراش . ولولا مرض أمها لما تركت المنزل وذهبت إلى بنها ..ولكنها أمها و مريضة و كيف لا تزورها ...وقالت له وهى تركب الاتوبيس لو فيه نصيب الواد هيعيش كله بتاع ربنا . قالت له ان اسمها طوفى اسمع الدلع يعنى ... وخمن أن يكون تفيدة فقالت تفيدة إيه أسمى فاتن ... هو يرغبها فهى امرأة حقيقية جسدها حركتها ضحكتها ومشيتها كلها تنطق وتصرخ بالرغبة وهو كذلك أرادها وشعر أنه مراهق وعادت له قوته وكأنه صبى بلغ حديثاً تقتله الرغبة المحمومة. كانت أغنية أم كلثوم «جددت حبك ليه» تتردد فى أركان الشقة. مالت عليه وقالت اخلع حذاءك لا تشعر بالحرج فالبيت بيتك. فعل وخلع حذاءه. وسألته و صوتها يشبه الحفيف ألا تشعر بالحر؟ ثم همست أنا أشعر به. وتنهدت.. اووف.. مش طايقة لحمى ... ثم خلعت الروب و كشفت عما كشفت فدبت القشعريرة فى جسده وبلع ريقه، اقتربت منه وجذبته من يده وقالت: الحجرة الثانية هواها حلو و بارد ..بحرى ، شعر بنبض رغبتها عندما أمسكت بأصابعه وشعرت هى بحرارته وقوته فتشجعت أكثر. كانت الحجرة يتوسطها فراش ومضاءة بمصباح خافت ولكنه كان يستطيع أن يتعرف على أركانها حيث يوجد دولاب كبير بعرض الحجرة وتسريحة عليها بعض الصور لرجل يحمل طفلا – وصورة إمرأة ترتدى فستان زفاف ولا يقف بجانبها أحد. اقتربت منه غير صوت بكاء طفل لمحه يجلس على الفراش ثم بدأ فى الصراخ أما هو فقد افاق من النشوة و أما هى فقد كان من الصعب أن تبتعد لتلبى حاجة الطفل ولكنه تململ وشعر فجأة بغصة وتذكر ابنته وزوجته التى ودعهما فى محطة مصر وارتسمت صورتهما على وجه الطفل والفراش، فانسحب منها ولكنها لم تفهم انسحابه وأرادته أكثر ولكن الطفل بكى وبكى فاستجابت له مؤخراً بعدما قال لها شوفى الواد. ذهبت للطفل متثاقلة ونهرته صارخة فيه «هتبقى أنت وأبوك». ولكنها احتضنته وجففت عرقه. خرج من الحجرة ثم ارتدى حذائه ووضع بعض النقود على الطاولة ثم بسرعة خرج يلفحه الهواء. أسمك ايه ... يا أستاذ.. كان يسمع نداءها على السلم تتوسل له بالصعود ولكنه كان على رأسه الطير، كان يردد كلمات عن الاستغفار والتوبة، عبر الطريق كان البحر هادئاً ومظلماً وكنت بعض أضواء خافتة ربما تصدر من مراكب حديد صغيرة تظهر من حين إلى آخر. وهو يمشى قابل نفس الشاب الذى كان يعوم معه منذ ساعات قليلة. تبادلا التحية واتجها ناحية المقهى ربما يحتسيان الشاي.