بعد غياب مصر عن هذا المنصب لمدة 35 سنة كاملة, فاز السفير محمد سامح عمرو، وهو أحد أساتذة القانون الدولي المشهود لهم، في نوفمبر 2013 برئاسة المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو, وقد شارك في التصويت حينها 56 دولة لتحصل مصر علي 55 صوتا. جدير بالذكر ان لرئيس المجلس التنفيذي العديد من الأهداف التي يسعي الي تحقيقها خلال مدته التي تمتد لأربع سنوات وذلك في مجال صيانة وترميم وتسجيل بعض المواقع الآثرية علي قائمة التراث العالمي بالإضافة الي اهتمامه الكبير بملف التعليم ومحاولاته المضنية لإيجاد حل جذري لقضايا محو الأمية, أطفال الشوارع و التعليم والتدريب الفني. لذا كان هذا الحوار الشيق الذي تنفرد به الأهرام. غابت مصر عن منصب رئاسة المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو 35 سنة وعادت في 2013 بعد ان حصلت علي 55 صوتا- كيف تثني ذلك؟ تمكنا من الفوز بعضوية المجلس التنفيذي وبأعلى الأصوات التي أعطيت للدول العربية كإشارة تأييد لمصر، وحفاظا علي مكانتها رغم الضغوط الدولية التي تعرضت لها. وفى أعقاب ذلك جرت الانتخابات الخاصة برئاسة المجلس التنفيذي وتقدمت كمرشح مصري عن المجموعة العربية باليونسكو وقد تكللت جهودنا بالنجاح حيث فزت بالمنصب بأغلبية ساحقة وتأييد 56 دولة عضو بالمجلس وامتنعت دولة واحدة فقط عن التصويت. لقد كانت معركة انتخابية بمعني الكلمة حتى يتثني لمصر الفوز بعضوية المجلس التنفيذي وكذلك برئاسة المجلس التنفيذي في ذات العام وبرغم الظروف الصعبة التي كانت تمر مصر بها، والنظرة الخاطئة من قبل بعض الدول لما يحدث في مصر بعد 30 يونيو. ولقد ساهم في النجاح ثقل مصر كاحدي الدول الكبرى التي لها دور ريادي وثقافي وتعليمي وعلمي في المنطقة العربية ككل. لقد فرضت مصر نفسها كدولة لها ثقل كبير داخل المنظمة. ولقد كان هناك عمل جماعي متميز حيث قمنا بالتنسيق مع كل من وزارة الخارجية، بالإضافة الي العلاقات الطيبة التي نتمتع بها داخل المنظمة. وما هو دورك كرئيس للمجلس التنفيذي؟ المجلس التنفيذي هو جهاز حاكم بالمنظمة يعمل على متابعة تنفيذ السكرتارية للبرامج والمشاريع التي تتفق عليها الدول الأعضاء كل عامين. ويعمل المجلس بشكل مؤسسي في ضوء القواعد الحاكمة للمنظمة. أيضا فكرت بوجوب ان يكون المجلس بمثابة ملتقي للمفكرين والباحثين والخبراء علي مستوي العالم بهدف فتح أبواب اليونسكو علي العالم الخارجي، ولتتمتع المنظمة بالحيوية وتبتعد عن الجمود، ولكي لا تتسم بالجانب النظري فقط. ولقد قدمت مبادرة من جانبي بصفتي رئيس المجلس التنفيذي لدعوة المفكرين والمتفوقين في مجال العلوم والتنمية على مستوى العالم، لعمل حوار مفتوح مع ممثلي الدول، وذلك حتى نستفيد من خبراتهم. وتأتي هذه المبادرة في إطار الاحتفال في عام 2015 بالذكري ال 70 لتأسيس المنظمة. هذا ومن المتوقع ان تتبني الأممالمتحدة أجندة للتنمية المستدامة لفترة ما بعد 2015، وعليه فنحن نسعى من خلال المبادرة المقدمة الي إرساء دور اليونسكو وإلى ان تكون لهذه المنظمة دور الريادة في تنفيذ الجوانب المختلفة لهذه الأجندة فيما يخص مجالات عمل المنظمة ومن خلال برامجها في القطاعات الخمسة التي تقوم عليها. علاقة مصر باليونسكو وطيدة جدا منذ البدء في مشروع أبو سمبل وحتى مشروع إحياء مكتبة الإسكندرية ولكن هل يعقل ان مواقع التراث العالمي بمصر لا تتعدي المواقع السبعة؟ إن سبب الارتباط الحقيقي بين مصر واليونسكو هو الآثار، ولقد ازداد هذا الارتباط بعد نجاح اليونسكو في مشروع إنقاذ آثار النوبة وأبو سمبل من الغرق في الستينيات من القرن الماضي. وبالفعل يوجد سبعة مواقع فقط في مصر مسجلة علي قائمة التراث العالمي, منهم ستة علي القائمة العادية وموقع واحد وهو «أبو مينا» القريب من الإسكندرية علي قائمة التراث المهدد بالخطر. ونحن نعمل جاهدين حتى يعود مرة أخري الي القائمة من خلال مشروع فني يتعلق بسحب المياه الجوفية دون التأثير علي الموقع نفسه. ولقد قدمت احدي الجمعيات الفرنسية المعنية بالحفاظ على التراث الثقافي دعما ماليا يكفى لإتمام عملية سحب المياه ومعالجة آثارها تحت إشراف وزارة الآثار. وما أهم شروط إدراج موقع اثري في قائمة التراث العالمي؟ إن عملية إدراج موقع اثري علي قائمة التراث العالمي ليست بمسألة سهلة لأن ذلك يعني ضرورة إثبات أن الموقع الآثرى المراد تسجيله له قيمة سياحية وأثرية كبري على المستوى العالمي. وتوجد منافسة كبيرة بين الدول لادراج اكبر عدد من المواقع لديها لما يحقق لها مكاسب اقتصادية نتيجة لازدياد الإقبال السياحي على هذه الدول والمواقع الأثرية المدرجة على قائمة التراث العالمي. ولعل من أهم الشروط لإدراج المواقع على قائمة التراث العالمي هي إعداد ملف علي المستوي الوطني لإثبات ان الموقع له قيمة عالمية استثنائية، يلي ذلك إعداد الدراسات الفنية واثبات ان الدولة الراغبة في إدراج الموقع الأثري قادرة علي حمايته وصيانته بالشكل اللائق. ويعرض الأمر بعد ذلك علي لجنة استشارية معروفة باسم «الأيكوموس» لفحص الملف ثم زيارة الموقع للتأكد من صحة ما ورد في الملف المقدم. وبعد صدور الرأي الاستشاري يعرض الأمر برمته علي لجنة التراث العالمي لتتخذ الدول الأعضاء في اللجنة والبالغ عددهم 21 عضوا للنظر في الموضوع واتخاذ القرار الملائم نحو تسجيل الموقع من عدمه. ومن هنا يجب على المستوى الوطني ان يكون هناك تعاون لصيق بين كل وزارتي السياحة والآثار. واتفق معك انه لا يصح لمصر التي تمتلك ثلث أثار العالم ان يكون لديها سبعة مواقع فقط مسجلين علي قائمة التراث العالمي التي تضم أكثر من ألف موقع من كل دول العالم. وما هي أهم المشروعات التي يقوم بها اليونسكو حاليا في مصر؟ تقع مصر في بؤرة اهتمام اليونسكو ولعل خير دليل على ذلك موقف المنظمة لما حدث خلال العام الأخير في متحف ملوي ومتحف الفن الاسلامى. ففيما يخص متحف ملوي قام وفد مصر باليونسكو بإدراج ونشر بيان بكافة القطع الأثرية التي كانت موجودة بالمتحف وفقدت وسرقت من المتحف مما أغلق الباب في وجه تجار الآثار الذين لم يجدوا أي منفذ لهم علي مستوي السوق الدولية. ومن ناحية ثانية قامت في ذات اليوم بإدانة الجريمة التي أصابت المتحف الإسلامي كما قدمت دعما ماليا لإعادة ترميمه بمبلغ مائة ألف دولار رغم أن اليونسكو جهة خبرة وليس جهة تمويل، فكان بمثابة رسالة للعالم اجمع وللمجتمع الدولي ليحثهم على تقديم المساعدة في ترميم احد أهم المتاحف الإسلامية. هذا وقد نسق وفد مصر في اليونسكو وصول البعثة التي شكلها المتحف الدولي للمتاحف إلى القاهرة لعقد اجتماع مع وزير الآثار د. ممدوح الدماطى لوضع الخطط التنفيذية للبدء الفوري في عملية إعادة الترميم. ولقد أسفر التحرك خلال الشهور الماضية عن تلقى تبرعات مالية من منظمة اليونسكو والحكومة الإيطالية علاوة على المساعدات الفنية من الحكومة الألمانية ومتحف المتروبوليتان. وهناك مشروعان آخران جار النظر فيهم مثل المتحف الكبير الذي سيكون اكبر متحف في العالم والذي يتم تشييده حاليا بالتعاون مع الحكومة اليابانية التي قدمت مساهمات مالية علي شكل منح وقروض. والانتهاء من هذا المتحف وإعداده للتشغيل يأتي في مقدمة اهتمامات الحكومة المصرية في الوقت الراهن وسنجرى مباحثات مكثفة مع اليونسكو لوضع هذا المشروع تحت مظلة المنظمة والتعاون من أجل إيجاد الوسائل المناسبة لتعويض النقص في الموارد المالية الناتج عن الانخفاض الذي أصاب السوق السياحية المصرية خلال السنوات القليلة الماضية. وأخيرا هناك مشروع متحف الحضارة وهو واحد من أهم المشروعات الموجودة بمدينة الفسطاط حيث تقرر ان يكون الهدف منة ألا يقتصر الأمر على كونه متحفا بالمفهوم التقليدي وإنما ان يكون الي جانب ذلك مركز ثقافي وتأسيس عدد من المعامل الخاصة بترميم الآثار. وللأسف الشديد فقد توقف العمل في هذا المتحف خلال العامين الماضيين نتيجة قلة الموارد المالية، ولكن تبذل بعثة مصر في اليونسكو الجهد لإعادة أحيائه وجار وضعه تحت مظلة اليونسكو ليكون أحد مشروعاتها. امن مصر المائي كان الدافع الرئيسي للترشح لعضوية المجلس بالإضافة الي إيجاد فرص للتعاون مع دول حوض النيل. السؤال هو, ما الذي يمكن ان يقدمه اليونسكو لتحقيق الأمن المائي علي مستوي العالم؟ هناك اتفاق تام بين العلماء والخبراء في مجال المياه علي المستوي الدولي ان العالم كله سيواجه أزمة مياه كبيرة خلال العقود القادمة. ولقد صدر تقرير حديث عن اليونسكو يشير إلى انه بحلول عام 2040 لن يتمكن جزء كبير من البشرية في الحصول على كوب ماء نظيف. وأسباب مشكلة ندرة الموارد المائية متعددة مثل الزيادة السكانية والتغيرات المناخية وتفاقم النزاعات بين الدول خاصة المشتركة في أنهار مائية عابرة للحدود. واليونسكو كمنظمة معنية بالعلوم ولديها برنامج دولي معروف باسم «البرنامج الهيدرولوجي الدولي» تعمل على وضع البرامج الخاصة بتوفير الموارد المائية وتحسين سبل استخدامها وإدارتها. ويسعى المجلس الدولي للبرنامج الهيدرولوجي الدولي والذي تتمتع مصر بعضويته اعتبارا من هذا العام الي تقليل احتمالات الصراعات بين الدول المشتركة في أنهار دولية والسعي لإيجاد فرص للتعاون فيما بينها. وبالطبع فإن مصر مهتمة للغاية بهذا البرنامج باعتبارها من الدول المهددة بالفقر المائي الشديد خلال العقود القادمة. ونسعى جاهدين من خلال اليونسكو للإعداد لبرامج علمية تضم الخبراء الفنيين من دول حوض النيل لتوفير التقارب العلمي فيما بينهم بهدف التوصل إلى سبل الإدارة الرشيدة للموارد المائية لنهر النيل. وفى ذات السياق جار دراسة لمشروع علمي مشترك من خلال تكوين شبكة بين جامعات حوض النيل بحث تقوم كل دولة باختيار جامعة لتكون أحد الشركاء في هذه الشبكة العلمية على ان تعمل هذه الشبكة كبوتقة بحثية وفكرية لدول حوض النيل بغية توفير المناخ المناسب لأفضل سبل إدارة وتعظيم الموارد المائية مما هو متاح. كيف يمكن رفع وعي الشعوب بأهمية حماية تراثهم الثقافي؟ للأسف لقد أصبح التراث الثقافي احد ضحايا النزاعات المسلحة في العالم، لأن تدميره يعني تدمير الهوية الثقافية لأي شعب من الشعوب. وللأسف هناك أسواق تسمح بالاتجار بالآثار في الخارج لأن عائدها المادي كبير. ولقد تألمنا جميعا لما يحدث حاليا لآثار العراق وليبيا وسوريا من تدمير متعمد للتراث الثقافي. ومن هنا يتضح ضرورة الاهتمام برفع وعي الشعوب بقيمة تراثها من خلال دور التعليم والإعلام المرئي. كذلك يجب العمل على تنفيذ مشروعات اقتصادية وسياحية ترتبط بأي متحف أو موقع أثري بغرض توفير الموارد المالية للصرف على هذا الأثر كما يمكن ان تخدم هذه المشروعات أهالي هذه المدن والمحافظات باعتبارهم المستفيدين من الحركة السياحية القادمة إليه. علما ان توجه الحكومة المصرية هو الترويج للمناطق التي أهملت سابقا مثل رشيد ومدن الصعيد. إلى جانب ذلك يجب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى والتي تتبع بعض النظم الاقتصادية المختلفة كبناء المتاحف بنظام الشراكة مع القطاع الخاص. فالمتحف لا يجب ان ينظر إليه كمكان لتخزين الآثار وإنما يجب ان يتحول الي منفذ ثقافي لمدينة أو منطقة ما وأن يكون سببا لإيجاد فرص عمل أهالي هذه المناطق. كما يمكن تأسيس المتاحف لتحقيق أغراض سياسية ولتنمية التقارب بين الدول المتجاورة ولعل خير مثال علي ذلك ما تقوم به وزارة الموارد المائية حيث تؤسس لمتحف خاص بمحافظة أسوان بجوار السد العالي وتم بالفعل مخاطبة دول حوض النيل لتقديم بعض القطع الأثرية التي تعكس حضارة كل شعب والحضارة المشتركة لدول حوض النيل. خلال لقائك مع وزير التعليم تم بحث سبل التعاون فيما يخص قضية محو الأمية والتعليم الفني والتدريب المهني وكذلك أطفال الشوارع. كيف سيتثني إيجاد حلول لتلك المشكلات المستعصية؟ إن الحكومة الحالية علي وعي تام انه لا تنمية دون تعليم، وانه مهما قدمنا من خطط لتنمية اقتصادية لن ننجح فيها دون ربطها بالتعليم. وقضية التعليم ثقيلة جدا لأنها تحتاج الي تطوير برامج التعليم بما يتناسب مع الطفرة التكنولوجية الموجودة في العالم حاليا. هذا بالإضافة الي ان الجامعات يجب ان تكون من أهم المؤْسسات التي تساهم في عملية التنمية بمصر لأن بها طاقة بشرية متعلمة لابد ان تستخدم في عملية التنوير والتثقيف ومحو الأمية من خلال تحفيز العمل المجتمعي. فعلي سبيل المثال لقد نجحنا هذا العام في وضع مركز سرس الليان لتعليم الكبار تحت مظلة اليونسكو وليكون أحد مراكزها الإقليمية لخدمة المنطقة العربية ككل وإفريقيا أيضا. ونتطلع لإيجاد منظومة متكاملة يشترك فيها المركز المذكور مع الجامعات المنتشرة في أنحاء الجمهورية بهدف إشراك طلبة الجامعات في محو الأمية. وإذا أتينا الي قضية أطفال الشوارع سنجد أيضا أنها قضية معقدة لأنها قضية تعليم وصحة ومجتمع ويجب حلها من خلال إيجاد هيئة تنسيقية تضم بشكل أساسي وزارات التربية والتعليم والصحة والتضامن الاجتماعي وكذلك وزارة الصناعة، بالتكاتف مع مؤسسات المجتمع المدني، حتى يتم الاستفادة من هذه الطائفة كطاقة إنتاجية عن منحهم طريق برامج تدريب مهني وإعداد فصول مفتوحة تتفق مع ظروفهم المعيشية. ونأتي الي قضية مهمة أيضا وهي قضية التعليم الفني الذي يجب ان نقوم بتغيير ثقافة المجتمع ككل تجاهه ويجب النظر الي دارسيه علي أنهم مثل خريجي الجامعة تماما والمعاهد العليا، مع العمل على تقديم الضمان لدارسيه لتوفير فرص عمل بمجرد تخرجهم بما يعنى ضرورة فتح آفاق الاستثمار بشكل كبير وأن يرتبط التعليم الفني بالمشروعات الصناعية والزراعية والسياحية وغيرها.