يغادر مصر خلال أيام قليلة, السفير عبدالقادر حجار, سفير الجزائر الشقيقة بالقاهرة ومندوبها لدي الجامعة العربية, بعد أن قضي في رحاب مصر والجامعة سبع سنوات, تعتبر من أدق وأصعب المراحل التي يمكن أن تمر بأي دبلوماسي في تاريخه المهني. ولأن عبدالقادر حجار ليس دبلوماسيا عاديا, فقد استطاع رغم ضخامة الأحداث وحساسيتها أن يغالب تلك الصعوبات والحساسيات, وتمكن من خلال حسه القومي العروبي الأصيل, ومن خلال حسن تقديره لمكانة مصر ودورها وتاريخها, أن يوظف الأحداث الصعبة ومؤهلاته الفكرية والسياسية وخبراته النضالية في إرساء تقاليد عفيفة وكريمة لكيفية إدارة ما قد يكون هناك من تباين في بعض الرؤي وتنوع المصالح والمواقف علي نحو يحافظ علي قوة الروابط الشعبية والرسمية من ناحية, ويثري العمل العربي المشترك من ناحية أخري. مرت العلاقات المصرية الجزائرية خلال السنوات الماضية بعدد من التحديات والمواقف الصعبة, كان أبرزها الملابسات والتداعيات المثيرة بين فريقي البلدين, وتصريحات البعض بشأن مبدأ تدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية, إلي جانب بعض الملابسات البيروقراطية والبروتوكولية المرتبطة بتبادل الزيارات والأنشطة, فإن هذا السفير تمكن باقتدار وحكمة من إبعاد خطر الانزلاق في علاقات البلدين, بل نجح فوق ذلك في إعادة بث الحيوية إلي كثير من قطاعات تلك العلاقة حتي أصبحت مصر تحتل مركزا متقدما ضمن شركاء التنمية والإعمار في الجزائر, كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين وزادت الفرص أمام العمالة المصرية هناك, بالإضافة إلي ما تحقق من توسيع وتنويع في أنشطة التبادل الثقافي والتعليمي. ومازلت أذكر الأفكار والمقترحات الثرية التي قدمها هذا السفير الخلاق من أجل ترفيع وتكريم رموز العمل الوطني والجهاد القومي المشترك بين المصريين والجزائريين في مراحل النضال التاريخي وحروب التحرير والاستقلال. أما علي صعيد العمل العربي المشترك في إطار الجامعة العربية, فمن المؤكد أن البصمات التي تركها عبدالقادر حجار لا يمكن نسيانها أو إنكارها, سواء ما تعلق منها بخطوات التطوير التي استحدثت في بعض مؤسسات وآليات العمل داخل الجامعة, وهو ما بدأ تحقيقه في القمة العربية المنعقدة بالجزائر عام 2005 (تعديل نظام اتخاذ القرارات بالجامعة) و(إنشاء البرلمان العربي الانتقالي) و(إنشاء هيئة لمتابعة تنفيذ القرارات والالتزامات الصادرة عن القمم العربية) و(تطوير عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي وغيره من المنظمات والمجالس العربية المتخصصة), أو ما تعلق منها بكبح جماح الهرولة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل وفاء الأخيرة بالتزاماتها في إقامة السلام العادل والشامل, أو ما تعلق بضبط وموازنة المعالجة العربية لقضايا التدخل الأجنبي في كل من العراق والسودان وليبيا وسوريا. كما عرفنا أيضا شواهد لوفاء هذا الرجل لكل من تعامل معه من مواقع رسمية أو أهلية أو اجتماعية, فكان دائم السؤال عن المريض أو الغائب وعمن تقاعد منهم, ولست أنسي ما حييت قدرة هذا الرجل علي تجاوز فجيعته الشخصية والإنسانية بفقد نجله علي البعد عام 2006, وتمكنه بفضل إيمانه العميق بقضاء الله, من مواصلة دوره السياسي والدبلوماسي النشيط في مصر والجامعة العربية.