من يراجع ملفات وأوراق التعامل المصرى مع المشكلة الفلسطينية منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948 حتى بعد إبرام اتفاقية السلام عام 1979 لن يساوره أدنى شك فى أن مصر كانت وما زالت ترى أن جوهر الصراعات والاضطرابات والقلاقل فى الشرق الأوسط هو المشكلة الفلسطينية وأن الأمن والاستقرار والسلام لن يصبح حقيقة تنعم بها كل الأطراف فى المنطقة وأولهم الطرف الإسرائيلى إلا بعد التوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. ومن هذه الأرضية كانت مصر ولا تزال تتحرك وتحدد معالم دورها العربى والإقليمى والدولى وتوظف كل خبراتها السياسية والدبلوماسية والتفاوضية لتضييق الفجوة فى الرؤية الدولية ما بين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى التى يستحيل التنازل عنها فى مواجهة النيات التوسعية والعدوانية التى يتحتم على إسرائيل أن تتخلى عنها كثمن للسلام والأمن والاستقرار وبين الحفاظ على حد أدنى من التفاهم العربى المشترك لضمان وحدة الشعب الفلسطيني! وكان حرص مصر ولا يزال على أن تمارس دورها المساند للشعب الفلسطينى دون أن تتورط فى فرض رؤيتها عليه أو مطالبة قيادته الوطنية الشرعية بانتهاج إطار تكتيكى محدد فى كل ساحات المواجهة انطلاقا من إيمان مصر بحق كل شعب فى بلوغ أهدافه بالطريقة التى يراها ويرتاح إلى نتائجها. والحقيقة أن عظمة وعبقرية الدور المصرى لم تنشأ من فراغ وإنما هى نتاج الفهم الصحيح والاستيعاب الدقيق للمكانة الجغرافية والدروس التاريخية والوزن التأثيرى فى المحيط العربى والإسلامى وبما يوفر لها القدرة على بناء استراتيجية ثابتة ودائمة لا تتأثر بأية متغيرات طارئة أو مؤقتة. وليس من الإنصاف لمصر وتاريخها الطويل والمشرف فى نصرة القضية الفلسطينية أن يتجاهل أحد ما حققته مصر حربا وسلما فهى التى أجهضت بنصر أكتوبر عام 1973 رهان إسرائيل على قدرة الاستمرار فى تخويف العرب وهى أيضا التى انتزعت بالمفاوضات والتحكيم كل شبر من أراضيها ليتم حرمان إسرائيل لأول مرة من أن تجنى ثمار عدوانها فضلا عن مزيج الحرب والسياسة الذى صنعته مصر باقتدار من أجل إسقاط نظرية الأمن الإسرائيلية من جذورها على ضفاف قناة السويس وفوق حطام وركام خط بارليف. وسوف تبقى مصر على عهدها وسيذهب الذين يفترون عليها إلى مزبلة التاريخ! خير الكلام : العدالة بغير قوة عجز ! لمزيد من مقالات مرسى عطا الله