رغم إفراط البعض فى التفاؤل بقرب انتهاء العدوان الإسرائيلى على غزة من خلال الاتفاق على العودة لتهدئة عام 2012 ولكن بعد إضافة بنود إليها تتضمن الاستجابة لبعض مطالب المقاومة الفلسطينية، فإن الواقع على الأرض وفى مطابخ صنع القرار فى الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة وإسرائيل يكشف صعوبة بل استحالة تطبيق هذا السيناريو، لأن الأوضاع على الأرض فى ساحة المعركة وتحديدا قطاع غزة وما حوله أصبحت أكثر تعقيدا بكثير مما كانت عليه فى 2012، حيث تخشى الحكومة الإسرائيلية المدعومة من واشنطن من أن يؤدى هذا السيناريو لسقوطها وتدمير شعبية المشاركين فيها وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو والوزيران أفيجدور ليبرمان ونفتالى بينيت. والسبب الرئيسى فى تعقد الموقف وجعل إمكان استجابة إسرائيل للمبادرة المصرية سواء بشكلها الحالى أو بعد تعديلها مستحيلا رغم أنها سبق أن وافقت عليها عند طرحها قبل عشرة أيام، هو التطورات الميدانية التى أعقبت بدء الهجوم البرى على غزة التى حرمت نيتانياهو من إمكان أن يخرج للإعلام معلنا انتصاره، وخاصة مسألة تأكد السلطات الإسرائيلية من فقدان الجندى شاءول أرون وإعلان حماس أنها أسرته، وكذلك مسألة اكتشاف وجود العديد من الأنفاق الهجومية لكتائب القسام وسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامى وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية على الحدود بين إسرائيل وغزة والتى كانت السبب الرئيسى لبدء الهجوم البرى على القطاع، خاصة بعد تسلل مجموعة من عناصر القسام إلى المستوطنات الإسرائيلية فى عسقلان انطلاقا من أحد هذه الأنفاق فى منطقة بيت حانون بشمال القطاع. والواضح حتى الآن أن إسرائيل سترفض وقف القتال إلى حين التأكد من شيئين، أولهما مصير الجندى شاءول أرون وهل أسرته حماس أم لا وهل هو حى أو ميت، حيث يرجح الإسرائيليون أن يكون قد لقى مصرعه مع ستة من زملائه فى تفجير مدرعتهم بمنطقة الشجاعية بشرق غزة أو أن عناصر القسام أسروه بعد إصابته بجروج خطيرة، والأمر الثانى الذى ستسعى إسرائيل إلى إنجازه قبل القبول بأى وقف للقتال أو استجابة لدعوات التهدئة أو حتى إبرام هدنة انسانية مؤقتة لعدة أيام هو التأكد من تدمير كل الأنفاق الحدودية بينها وبين غزة، حتى يتمكن نيتانياهو من تبرير الثمن الذى دفعه للهجوم البرى والذى يصل إلى 30 قتيلا فى صفوف قوات النخبة بجيشه، حسب الأرقام الإسرائيلية وضعف هذه الأرقام حسب البيانات الفلسطينية. وعلى الجانب الآخر، فإن حماس أيضا لن ترضى بأى اتفاق لا يأخذ فى الاعتبار مطالبها، لأن أعداد الضحايا المدنيين للهجوم البربرى الإسرائيلى على غزة تضاعفت عدة مرات منذ رفضت المبادرة المصرية للعودة للتهدئة ودمر الإسرائيليون مساحات كبيرة من غزة وشردوا الآلاف من سكانها، كما أن معنويات حماس أصبحت أعلى بعد أسر الجندى شاءول ارون، وكذلك بعد إيقاع عدد كبير من القتلى والجرحى فى صفوف قوات العدوان وبالتالى فإن قيادة الحركة تريد اتفاقا للتهدئة بشروطها حتى تتمكن من إعلان النصر. واعتقد أن الحل الذى يسعى إليه الأمريكيون والأوروبيون حاليا بعيدا عن العيون هو ما ذكرته صحيفة «هآرتس» وهو رسم سيناريو شبيه بسيناريو الخروج من عدوان عام 2006 على لبنان وتهدف إسرائيل بمساعدة حلفائها إلى تحويل التوازن الميدانى القائم إلى انتصار سياسى، حيث تتداول الحكومة الإسرائيلية نسخ سيناريو وقف عدوان 2006 بصيغة فلسطينية حيث يتم استصدار قرار من مجلس الأمن يضمن تحقيق الأهداف التى عجزت إسرائيل عن تحقيقها بالقوة العسكرية. وقال تقرير لصحيفة «هآرتس» إنه بعد أسبوعين من الحرب، فإن وقف إطلاق النار لا يبدو فى الأفق. والجهود الدبلومسية التى تشارك بها الولاياتالمتحدة ومصر وقطر وتركيا والنرويج والأمين العام للامم المتحدة، وعدد من الدول الأوربية لم تفض إلى صيغة لإنهاء الحرب، بل العكس هو الصحيح، فإن "كثرة الطباخين أفسدت الطبخة". وتتابع الصحيفة أن إسرائيل واقعة فى مصيدة، فحماس ترفض وقف إطلاق النار، وانتهى لقاء رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس خالد مشعل والرئيس الفلسطينى محمود عباس فى الدوحة بالفشل، حيث رفض مشعل معظم مقترحات عباس. وتضيف الصحيفة أن إحدى الأفكار المتداولة فى المنظومة الأمنية ووزارة الخارجية، وفى أوساط خبراء فى معاهد أبحاث على صلة بمكتب رئيس الحكومة ووزير الأمن، هى إعادة استنساخ سيناريو الانسحاب من حرب لبنان الثانية. وحسب الأفكار المتداولة، تبادر إسرائيل مع الولاياتالمتحدة وحلفائها إلى استصدار قرار من مجلس الأمن شبيه بقرار 1701 الذى أنهى حرب عام 2006. وتضيف الصحيفة أن قرار 1701 لم ينه الحرب فحسب بل حقق أهدافا سياسية لإسرائيل كتعزيز سيطرة حكومة لبنان فى الجنوب، وفرض عزلة على حزب الله فى الساحة الدولية، وإخلاء جنوبلبنان من الصواريخ والأسلحة الثقيلة، ونشر قوات دولية على الحدود مع إسرائيل، منوهة إلى أن قرار 1701 كان امتدادا لقرار 1559 الذى أقر قبله بسنوات والذى دعا إلى نزع سلاح حزب الله وباقى الفصائل المسلحة. وتضيف الصحيفة أن المبادئ ذاتها يمكن أن تخدم أهداف إسرائيل السياسية فى اليوم الذى يلى الحرب. وتقدم الصحيفة نصائح للحكومة الإسرائيلية حول البنود التى يجب أن يتضمنها القرار، وتقول: يجب أن يتضمن قرار مجلس الأمن لإنهاء الحرب فى غزة المبادئ التالية: 1- أن يحدد أن الحكومة الشرعية فى قطاع غزة هى حكومة السلطة الفلسطينية الخاضعة للرئيس محمود عباس، ويلزم ذلك إسرائيل بالتعامل مع حكومة الوحدة. 2- إعادة نشر قوات الأمن الفلسطينية فى غزة على طول الحدود وفى المعابر. 3- تشكيل آلية لنزع الصواريخ والسلاح الثقيل وتدمير الأنفاق فى قطاع غزة، وإرسال بعثات من الأممالمتحدة للمراقبة. 4- أن تقوم إسرائيل بإجراء تغييرات جوهرية فى سياستها على المعابر الحدودية مع قطاع غزة، خاصة ما يتعلق بعبور الأشخاص والبضائع بين غزة والضفة. 5- رفع الحصار البحرى عن قطاع غزة وإقامة ميناء جديد تحت رقابة قوات الأمن الفلسطينية.