بعد مرور 62 عاما على ثورة يوليو 52 تتبدى حقيقية أن الثورة وقائدها الفعلى جمال عبد الناصر كان لهما مشروع ثقافى شامل, و برهن هذا المشروع علي قوة مصر الناعمة وقدم بصورة جلية المواهب المصرية كما ينبغي . وبعد مرور كل هذه السنوات يأتي السؤال بديهيا لماذا كان جمال عبد الناصر مهتما بالثقافة والفنون ؟ كل الشواهد تشير إلى انه كان مؤمنا إلى أبعد حد بقيمة الفنون والثقافة في تغيير الشعوب وفى التواصل بين الأمم .. وربما يكون جمال عبد الناصر كرئيس محظوظا بوجود كل هؤلاء العباقرة خلال حقبة حكمة . فقائمة الأسماء مبهرة بدء ا من الفذ عباس محمود العقاد الذى توفى قبل رحيل عبد الناصر بست سنوات مرورا بعبد الرحمن الشرقاوي صاحب ملحمة الأرض الخالدة التى منحت عبد الناصر روحا وبثت في نفوس المصريين إصرارا وارتباطا بالأرض والجذور .. وكان في نفس الموقع الأديب العالمى نجيب محفوظ ينثر أعماله النابهة التى تحكى عن الحارة المصرية وعن الحرافيش وعن العدل والظلم والثورة والكرامة .. وهناك كان يقف شامخا شيخ الكتاب توفيق الحكيم يسترد معه المصريون الروح في عودة الروح ويوميات نائب في الأرياف .. ويكمل القيمة يحيى حقى برواية قنديل أم هاشم التى تعلى من قيمة العلم والوعى .. وكان حاضرا بقوة عميد الأدب العربى طه حسين الذى برهن عن كبرياء المصرى ونبله في أعماله وتطوره . كان هناك الدكتور يوسف إدريس شاهدا على عهد يعج بالمواهب والكفاءات يقف إلى جواره الملهم إحسان عبد القدوس والمتواضع يوسف جوهر .. وتمتد الصورة إلى مفكر العصر زكى نجيب محمود وعقل هذه الحقبة الدكتور جمال حمدان . عندما نتحدث عن تلك المرحلة تتعجب من كونها كانت شديدة الحظ بوجود كل هذه القامات التى شهدت مجد عملاق الصحافة العربية الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى ارتبط بجمال وارتبط به جمال .. في مجال الكتابة هناك فتحى غانم وفتحى رضوان وثروت عكاشة ومحمد عبد القادر حاتم واحمد حمروش ولطفى الخولى واحمد بهاء الدين ومصطفى وعلى أمين .. في الفن التشكيلي قامات كبيرة وضعت مصر في مكان ومكانة قد نتذكرمنها صلاح طاهر،وفى الغناء الحصر قطعا مخاطرة فهناك بجانب أم كلثوم , وعبد الحليم حافظ , ومحمد عبد الوهاب , شادية وفايزة ونجاة وليلى مراد وعبد المطلب و فريد الأطرش ومحمد قنديل ومحمد العزبى ومحمود شكوكو وغيرهم وغيرهم .وفى الموسيقى رياض السنباطى ومحمد الموجى وبليغ حمدى وسيد مكاوى غيرهم و لمع اسم السيدة أم كلثوم كأفضل مطربة في العالم العربى حيث تجاوزت شهرتها حدود المحيط والخليج ووقفت تشدو فوق أعرق المسارح العالمية بزهو الثورة المصرية وزخم شعبية جمال عبد الناصر .. وعلى نفس الطريق لمع اسم محمد عبد الوهاب موسيقار الأجيال الذي غنى للوطن مدفوعا بالقرب من جمال ومؤمنا برسالة الفن . ولم يكن بعيدا عن المشهد عبد الحليم حافظ العندليب الأسمر الذى قدم أروع الأغنيات عن مصر والثورة والحب وكان قريبا من جمال بموهبته وعطائه للفن والوطن وعلى نفس الدرب تألق الشاعر الموهوب صلاح جاهين وخط بقلمه قصائد للوطن وللمجتمع وللحب ما تزال رغم السنيين في وجدان المصريين باقية وبرع صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الأبنودي وامل دنقل في كتابة القصائد التى ترجمت حال مصر في عهد عبد الناصر ومدى قناعة هؤلاء الكبار من الشعراء به وبوطنهم ومثلت كل هذه القامات القوة الناعمة لمصر حيث امتد تأثيرها خارج حدود الوطن ومنحته العمق والقدرة والتأثير. وعكس ما كان يظنه البعض كشف جمال عبد الناصر عن وجه آخر للثورى،الذى يهتم بالثقافة والفنون درجة كبيرة بل ويتخذ من القرارات الداعمة لتحقيق ذلك لتحقيق نهضة ثقافية توازى التغيير السياسي الذى كانت تنشده الثورة وتسعى إلى تحقيقه . و أنشأت الثورة الهيئة العامة لقصور الثقافة بقصورها ومراكزها المتعددة في ربوع الوطن ، لتحقيق توزيع ديمقراطي للثقافة وتعويض مناطق طال حرمانها كما تم إنشاء أكاديمية الفنون والتى تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية. ومع الثورة بدأت السينما في إنتاج أفلام من الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية. ويرى البعض أن الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، شهدت العصر الذهبي للثقافة في مصر. فشيدت الاستوديوهات الكبرى واشهرها أستوديو مصر،وظهر مخرجون كبار آمثال صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وهنري بركات وكمال الشيخ وفطين عبد الوهاب.والذين اثروا الحياة الفنية في مصر بأعمال خالدة شكلت وجدان المواطن وحملت رسائل عابرة للخارج عن ملكات مصرية مبهرة في عالم الفن. وأسهمت السينما المصرية فى عهد عبد الناصر بإنتاج 936 فيلمًا، بمتوسط إنتاج سنوي 52 فيلما. وهي أفلام تم إنتاجها بعد الثورة واهتمت في موضوعاتها بانتقاد الأحوال الاجتماعية والسياسية والاجتماعية قبل الثورة، وأشهرها أفلام المماليك ورد قلبي و “ثمن الحرية صراع في الوادي والحرام والأيدي الناعمة ومراتي مدير عام والقاهرة 30 وقنديل أم هاشم والأرض وأغنية على الممر . ولم يكن الرئيس جمال هبد الناصر بعيدا عن المبدعين حيث ارتبطت بعلاقة قوية مع جميع هؤلاء خاصة كوكب الشرق أم كلثوم بالرئيس . وفي مجلة «الهلال» بشهر أكتوبر عام 1971، سطرت أم كلثوم مقالًا صحفيًا بعنوان «كيف عرفت عبدالناصر؟»، وروت فيه لحظات اللقاء الأولى بمناسبة مرور الذكرى الأولى لوفاته. كوكب الشرق قالت أن أول لقاء كان عام 1948، وتحديدًا وقت «مأساة فلسطين»، بحسب وصفها «كنت أتتبع أنباء إخوتي وأبنائي أبطال الفالوجا يومًا بيوم، وبعد عودتهم استقبلتهم بدموع المصرية الفخورة بأبناء مصر، وجلست بينهم وأنا أشعر أنهم أسرتي، صميم أسرتي، إخوتي وأبنائي، وهناك قدم لي المرحوم القائد السيد طه ضباطه وجنوده، وحدثني عن أصحاب البطولات الكبيرة منهم، وكان في مقدمة أصحاب هذه البطولات الضابط الشاب جمال عبدالناصر. وتطرقت أم كلثوم في حديثها إلى أغانيها للزعيم الراحل وللثورة بقولها: «هناك أنشودتان من بين كل الأناشيد التي غنيتها للثورة أحسست بانفعال أعمق كلما ذكرتهما، إحداهما «يا جمال يا مثال الوطنية» التي غنيتها له بعد حادث منشية البكري بالإسكندرية، والثانية أغنية «قم» التي قدمتها عقب النكسة