جولة جديدة من حرب ضروس تشنها قوات الإحتلال الاسرائيلى على فلسطين منذ الثامن من يوليو بعدوانية أكاد أجزم أن لا مثيل لها، إنها حرب إسرائيلية بكامل السلاح والعتاد، ضد تجمعات السكان الملتحمين فى شكل كتل بشرية من اللحم الفلسطينى المتكدس فوق بعضه فى قطاع غزة . المتابعة الدقيقة والقريبة لغارات الهجمات الجوية ومعها البحرية على المواطنين الفلسطينيين على القطاع تنبئ بغارة محملة بمئات بل وآلاف الكيلوات من المتفجرات فى الهجمة الواحدة وبمعدل زمنى يتراوح بين 3 دقائق و أربع دقائق ونصف، وتتزايد وتيرتها تكرارا ً فى وقت الفطور فى رمضان وأيضا قبل وبعد السحور. والقصد هو إشعار الناس بقسوة ومرارة الهجوم الإسرائيلى عليهم وصبغهم بحالة نفسية تفرض الانكسار والهزيمة المعنوية قبل غيرها. لكن لماذا كل هذا؟ نعم هو سلوك احتلالى بلا شك، لكن لكل عمل عسكرى أو سمَها جولة حربية أهداف خاصة بالمرحلة، مثل كسر المقاومة وهزيمتها وبالنتيجة فرض حل سياسى على المهزوم لا يُرفع له رأس بعدها. فيما الحركة الوطنية الفلسطينية التى تعتمد فى تشكيلها الرئيس على حركات تحرر شعبية وطنية وليست دينية لم تقبل يوماً بخنوع أو خضوع لعدو استشرس على شعب منكوب منذ عشرات السنين باحتلال سمته الأولى إرهاب الناس وقتلهم أو ترحيلهم ليسكب مكانهم خلطة من مستوردين أجانب ليغيروا سمة المكان (فلسطين) وينكِهونه بنكهة غريبة لا جذر لها فى فلسطين بل وبهيئة مستوطنين يعتنقون فكرا ً متطرفا ً من الصعب التعايش معه أو ترويضه . بكل الأحوال، حكومة نتنياهو والتى يتآلف فيها مع ممثلى هؤلاء المستوطنين الأشد تطرفا دينيا وعقائديا أمثال أفيغدور ليبرمان ونفتالى بينيت، هدفت فى بداية الحرب إلى مجموعة من الأهداف منها: 1- ضرب وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية ومعها حكومة دولة فلسطين للبشر (الشعب الفلسطيني) والجغرافيا (الضفة وقطاع غزة) وإبراز منافس يستند إلى الدينية فى الأيديولوجيا. 2- إنهاء أو على الأقل إضعاف سلطة منظمة التحرير ومعها الحكومة على مناطق سلطتها فى الضفة والقطاع ليبدو الرئيس عباس بما يمثل من واقعية وطنية على أنه (شريك ضعيف التأثير) فى تمثيل الفلسطينيين وبما يسمح لتبريرات إسرائيلية أمام الرباعية والمجتمع الدولى بعدم اتمام حل سياسى استثمرت فيه الولاياتالمتحدة والرباعية الدولية جهدا ً ووقتا ً كبيرين، وحين حانت لحظة الحقيقة فجر نيتانياهو أزمة المستوطنات ونشر إعلانات بناء جديدة فى مناطق مختلفة من الأرض الفلسطينية كانت سببا ً فى إنهاء المبادرة الأمريكية. 3- وأد الجهد الفلسطينى الذى تقوده الحركة الوطنية الفلسطينية (بقيادة حركة فتح) للتوصل لحل سياسى لقضية فلسطين يستند إلى الحرية والاستقلال بدولة عاصمتها القدس معترف بها من المجتمع الدولى ولها مقومات الحياة والاستمرار. 4- إعادة توجيه الرأى العام الدولى والإعلام بعيدا ً عن (الإرهاب اليهودى المتطرف) والذى تبدى فى الجريمة البشعة التى نفذها حاخام (مرجعية دينية يهودية) بشراكة مع اثنين من ابنائه فى خطف وحرق طفل بعمر 16 سنة من القدسالمحتلة وهو حى على قيد الحياة. وكذلك أفعال جماعة (تدفيع الثمن اليهودية المتطرفة) التى تمارس أعمالا ً إرهابية منظمة ومبرمجة ضد الفلسطينيين حيث تهاجمهم وممتلكاتهم فى الضفة. وترقية جماعات دينية ناشطة فى قطاع غزة لتأتلف معها فى حل أمنى يكفل تحقيق الأهداف السابقة بل وتزيد عليها . من ثم ظهرت عناصر أخرى فى المعركة أدت إلى إعادة بلورة الأهداف من المعركة لتأخذ أبعادا ً أوسع، ومن مسبباتها ظهور لاعبين إقليميين بشكلين سياسى وعسكرى يعيد الحسابات من جديد لصالح أيديولوجيا متعددة و التى تسعى لاستغلال السخونة فى فلسطين لتتسع وتشمل مناطق جغرافية أخرى لصالح عدد من القضايا الأخرى فى المنطقة، ومنها: صعود أو هبوط تأثير جماعة الإخوان فى معادلة الحلول السياسية فى المنطقة. وإعادة تشكيل نظم سياسية لدول فى المنطقة تتبنى فكرا ً دينيا ً باتجاه محدد غير مقبول شعبيا ً ولا على مستوى ساسة المنطقة من جيلين كاملين (ممثلى الحرس القديم وممثلى التجديديين الأكثر شبابا). والرغبة فى تأجيل الحلول السياسية التى نجح التيار الوطنى بقيادة الرئيس محمود عباس وحركة فتح فى إنشاء دولة فلسطين المعترف بها دوليا ً فى الأممالمتحدة مقابل حلول مؤقتة تضمن أمن دولة إسرائيل وانتعاش حكم الإخوان. علاوة على إنعاش الموقف الإيرانى فى مفاوضات 5+1 التى تدور بشأن الاتفاق حول القدرة النووية. يستند صائغو الأهداف من الطرفين إلى قوى فاعلة على الأرض تستخدم السلاح هذه المرة لتتفاوض الأطراف باستخدام السلاح. نعم هذه هى الحقيقة، مع إشارات واضحة بأن كل هذه المعركة بما فيها من ضجيج حربى (مسقوفة) أى أن لها سقف فى الإستهدافات وخاصة للرؤوس ... فكتل الجمهور الشعبى الفلسطينى التى يزج بها نحو الموت (شهداء إن شاء الله) وهم فى بيوتهم عائلات آمنة ، تستخدم كوقود حربى إعلامى سياسى للدينيين من الطرفين يساعد فى إعلاء أسهم ممثليهما شعبيا ً عند جمهوريهما، وهو أمر غريب عجيب يثير الإشمئزاز، فيما لا ضحية من حجم BIG FISH تطفو على السطح. غير أن دخول أطراف غيرمسلحة على الخط لم يعجب أصحاب المصلحة من الطرفين، فالثابت على الأرض أن مقاتلين من حركة التحرير الوطنى الفلسطينى فتح وكتاب شهداء الأقصى (أيمن جودة- نضال العامودى جيش العاصفة). ومجموعات تابعة للجبهة الديمقراطية ومجموعات أخرى تقاتل على الأرض وبإمكانات ضعيفة نتيجة سيطرة حماس على قطاع غزة منذ 2007 وتجريدها للمقاومين سلاحهم بقدر واسع، كلها غيرت بقدر أو آخر فى الحسابات رغم ضعف تواجدهم فى وسائل الإعلام، مع إشارة باختلاف أهدافهم عن أهدف مقاتلى حماس ، حيث يستهدفون التجمعات العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات وإصرار على عدم استهداف مدنيين إسرائيليين. وتبقى سرايا القدس(التابعة للجهاد الإسلامي) ذات التأهيل العسكرى المميز والإمكانات القتالية غير القليلة تقاتل لأهداف مختلفة أيضا عن أهداف حماس فى نقاط وتتوافق معها فى أخرى لتثير تساؤلات حول تحالفات المستقبل. النتيجة الواضحة هنا أن فلسطين ساحة معركة وطنية قومية تأخذ بعدا ً إقليميا ً أحيانا ً وتؤثر فيها اتجاهات سياسية ذات ثقل فى المنطقة ويدفع ثمن ذلك شعب فسطين بتكرار لافت مثير، يظل فيه التيار الوطنى متحالفا ً مع مبادئه الرافضة لتأجير المواقف والأهداف لأطراف غير فلسطينية، أو لمفاوضات دول تسعى لتخليق قوة لا طائل لنا بها ولم يكن لها تأثير لصالح فلسطين على مر العصور. لذلك يجد النخبويون من أهل المنطقة تحالفا ً جديدا يتنامى فى المنطقة يضم الوطنيين القوميين غير المؤجِرين لضمائرهم وجهدهم لصالح آخرين بنقيض غيرهم، والنموذج الفلسطينى المصرى الخليجى يبرز كمواجهٍ لتأثيرات دول ومصالحها من داخل المنطقة وخارجها ممن لا ينطقون العربية وإن لبست عباءة عربية.
سفير فلسطينى قيادى بارز (حركة فتح) لمزيد من مقالات د. حازم أبو شنب