منذ التسعينيات وحتي قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت جميع مؤسسات التقويم الدولية تعلق علي المخاطر السياسية فيما يخص مصر وتضع في مقدمتها عدم وجود خليفة للرئيس السابق معتبرة. ذلك بالخطر السياسي الذي يهدد الاستثمار الأجنبي. وفي أعقاب ثورة25 يناير استمرت هذه المؤسسات في نظرتها المتفائلة فيما يخص الاقتصاد المصري إلا أن حالة الفوضي واستمرار التظاهر وتعطيل النشاط الإقتصادي أدي لتراجع ترتيب مصر الائتماني عدة مرات وبالتالي فإن نظرة المستثمر الأجنبي المحتمل شابها الكثير من الشك فيما إضطر المستثمر القائم بالفعل لعملية إعادة نظر شاملة لاستثماراته. وعندما رفعنا لافتات التحذير من خطورة تردي الوضع الاقتصادي بسبب حالة الفوضي والعصيان المدني والوقفات الاحتجاجية وغيرها من مظاهر القلق, فوجئنا بفصيل آخر يهون من شأن الوضع الاقتصادي ويتهمنا بالتهويل. وفي إحدي الندوات التي عقدت مؤخرا أكد لي ماجد المنشاوي أحد المستثمرين المصريين الذي يتميز بشراكته لمستثمرين عرب وأجانب بأن أحد استثماراته في مجال النسيج علي وشك الغلق بسبب الاعتصامات العمالية والمطالب الفئوية, وقال: ليس في مقدورنا الاستمرار مع كل هذه الخسائر وسننظر في إمكانية الخروج والتصفية بعد زيارة الشريك الباكستاني لتفقد الأوضاع. طلبت منه إجراء حوار مع هذه المستثمر الباكستاني للوقوف علي رؤيته فوعدني بإقناعه وبالفعل كان هذا الحوار الذي يعد الأول من نوعه مع مستثمرعلي وشك الرحيل بعد أن حقق خسائر كبيرة بالرغم من أن إنتاجه يتم تصديره ويحقق رواجا وأرباحا في السنوات السابقة, والسبب المبالغة الكبيرة في مطالب العاملين والتي تسببت في زيادة التكلفة بصورة لا يمكن معها الإستمرار. الحوار مع عثمان سيف الله خان والذي زار مصر لعدة أيام حيث يرأس قسم الغزل والنسيج في إحدي المجموعات الاستثمارية الباكستانية الكبري والتي تقدم مجموعة من الخدمات والصناعات المتنوعة. حوار قصير ولكنه يعبر عن أوضاع المستثمر الأجنبي في مصر.. فتابعونا.. . بداية ما سبب الزيارة للقاهرة؟ .. حضرت لحل المشاكل المتعلقة بإضراب عمال مصنع الغزل الخاص بنا في المنطقة الصناعية ببرج العرب. الأمر الذي أسفر عن إغلاق مصنعنا تماما طوال الأسابيع الماضية, حيث سيطر العاملون علي المصنع طوال تلك الفترة, وتم منع المديرين من دخول المنشأة. وقد احتجز العمال المضربين في الفترة الأخيرة المديريين وبعض الموظفين كرهائن لمدة ليلة. وتم التحفظ عليهم قسرا داخل مكاتبهم, ولم يسمح لهم بالنوم وتعرضوا للشتائم والتهديد بالايذاء الجسدي. ولولا تدخل قوات الأمن في اليوم التالي, لما أطلقوا سراحهم, ولما عادوا إلي منازلهم. ولايمكن لأي شخص تحت أي ظرف من الظروف التغاضي عن أخذ الرهائن كوسيلة لتحقيق المطالب. . متي اتخذتم قرار الاستثمار في مصر؟ ولماذا مصر آنذاك؟ .. اتخذنا قرار الاستثمار في مصر في عام.2005 وفي الحقيقة أن هذا المشروع كان من المقرر إقامته في باكستان في باديء الأمر إلا أن المجموعة والتي تعتبر من كبري المجموعات الصناعية والخدمية في باكستان, والتي لها كيانات قوية في مجالات الاتصالات, الطاقة, النفط,الغاز, العقارات والرعاية الصحية والبرامج الإلكترونية وقطاعات صناعة النسيج, اختارت الإستثمار في مصر بسبب وجود سياسات صديقة للمستثمر, وتوافر المواد الخام المتمثل في القطن عال الجودة, بالإضافة إلي موقعها الاستراتيجي علي مقربة من الأسواق الرئيسية في الاتحاد الأوروبي, والوصول إلي الأسواق القريبة لأسواق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة, وإنخفاض تكلفة رأس المال والطاقة, والعملة المحلية المستقرة, فضلا عن وفرة اليد العاملة. . كيف كان أداء الشركة منذ الإنشاء وحتي ثورة25 يناير من حيث حجم العمالة, الأرباح, رأس المال, التصدير, السوق المحلية, المنافسة؟ .. نمت مبيعاتنا بمعدل سنوي قدره51% في الفترة من2009 الي2011- كنا نتصدر المركز11 في قائمة المصدرين بمصر لعام2009, وأصبحنا رقم4 في عام2010 ثم رقم2 في عام.2011 وكان العائد علي المبيعات في عام2011 أقل من4%, أي بانخفاض قدره50% عن عام2010 وكان ذلك علي حساب الزيادة في الاجور وتراجع الإنتاجية بسبب كثرة الإضطرابات والتوقف عن الإنتاج الذي تعرضنا له. إن سياستنا هي تحقيق شراكة ناجحة تحقق رضا العاملين والمساهمين, لكن إذا كانت الشركة تتعرض لضغوط شديدة وللعديد من المطالبات لزيادة الأجور فلن تستطيع تحقيق الربح, و سيكون الوضع الواضح للجميع هو الخسارة بما في ذلك للعمال ولكن في حالة تحقيق الأرباح يتم إعادة استثمار أموال المساهمين في الشركة, ويمكن الاستمرار والمنافسة في السوق, ويمكن للشركة الاستمرار في توفير فرص العمل. لا أحد يستفيد اذا قمنا بقتل الأوزة الذهبية. . هل المشكلة مطالب عمالية فقط أم أنها ترجع إلي وضع الشركة والسوق بعد الثورة؟ .. كانت لدينا سلسلة من الاضطرابات بعد قيام الثورة, الأمر الذي أسفر عن ايقاف الإنتاج لفترات طويلة من الزمن. وقد كان من الصعب التبرير لعملائنا التأخير في شحن طلباتهم الأمر الذي أدي إلي تحويل تعاقداتهملأسواق أخري مثل باكستان والهند والصين. كل هذا يعد خسارة للشركة, و لإدارة المصنع وللعمال ولمصر. وقد لاحظنا أن مصر تخسر بسرعة فائقة قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية. . كيف أثرت المطالب الفئوية؟ وما هي نوعيتها؟ .. إن مطالب العمال تزايدت بشكل كبير عن أي وقت مضي, وقد كانت هناك قائمة تتكون من10 مطالب في العام الماضي و تم الإستجابة لها بالكامل. والأن لديهم قائمة مطالب جديدة تتضمن الإعلان الفوري عن تقاسم الربح حتي قبل الانتهاء من الحسابات السنوية والجمعية العامة. وزيادة العطل السنوية من21 الي30 يوما وزيادة بدل الوجبة من100 جنيه الي210 جنيهات, وزيادة بدل الحضور من100 جنيه الي220 جنيها, و منع أية إجراءات تأديبية ضد العمال مثيري الشغب في المصنع.ومنع الخصم من المرتبات عند التغيب عن العمل, وتوفير سيارة إسعاف خاصة. هذا وقمنا بزيادة الرواتب بالفعل منذ يناير2012 جنبا الي جنب مع بعض الحوافز الأخري التي تصل قيمتها السنوية2.2 مليون جنيه, وتم احتساب المطالب المالية الحالية من العمال بنحو2.5 مليون جنيه. نعتقد أن السؤال هو ليس المطالب العمالية بالتحديد, فنحن علي استعداد لمناقشة كل هذه الأمورمعهم, ولكننا لا نستطيع قبول الاحتلال لممتلكات الشركة, وإعاقة الانتاج باعتبارها وسيلة مشروعة للوصول لهذه المطالب. . ماهي أوضاع العمالة الحالية ومتوسطات الأجور لكل فئة, والحد الادني والأقصي للاجور؟ .. المصنع يعمل علي ثلاث ورديات في اليوم الواحد والوردية الواحدة مدتها8 ساعات وهناك يوم راحة أسبوعي وفقا للقانون المصري. ويوجد كانتين داخل المصنع. ويتم توفير خدمة النقل المجاني للعمال من وإلي المصنع. و العمال الذين وافقوا علي الإقامة في برج العرب يتم توفير مسكن مجاني مجهز لهم بجميع الاجهزة الضرورية. ويتم دفع ساعات العمل الإضافية والعطل الرسمية وفقا للقوانين المصرية في هذا الصدد, بالإضافة إلي بعض الحوافز الاخري مثل العمرة والتي تجري عن طريق السحب وتوفير سياسة القروض, ومكافآت الإنتاج والزواج.. الخ. ويبدأ الحد الأدني للاجور من935 جنيه للعامل شهريا, بينما الحد الأقصي للعامل يصل الي1430 جنيه جنيه شهريا, هذا بخلاف مكافأة الانتاج, وذلك حسب الأقدمية وحجم العمل الذي يقوم به العامل. . ما هوحجم التكلفة الزائدة في حالة الإستجابة للمطالب الفئوية؟ .. تم إحتساب إجمالي المطالب الحالية للعمال بنحو2.5 مليون جنيه مصري. . هل قرار الشركة الحالي توقيف النشاط؟ .. نحن نواجه تحديا من نوع خاص نظرا للاختلافات الثقافية واللغوية بين العاملين المصريين والباكستانيين. وهذا يمكن أن يؤدي الي قصور في التواصل. ومع ذلك فإننا نعتقد بأننا نوفر ظروف عمل جيدة, ورواتب تضاهي وربما أعلي من مثيلتها بالسوق. ولم تأت الإدارة الي مصر لمحاربة المصريين, ونحن لم نأت الي هنا أيضا لتجميد نشاطنا. لقد حولنا رأسمال بالعملة الصعبة لمصر, واستثمارنا ومصنعنا بمصر أتاح750 فرصة عمل للمصريين. لقد جئنا إلي هنا لبناء الشركة والحصول علي عائد لائق لمستثمرينا, ولكننا لسنا مستعدين للإبتزاز أو تعريض حياة موظفينا للخطر في مجمتع أصبح العنف السمة السائدة فيه بعد غيبة الأمن. فنحن نأمل في فرض القوانين المصرية, ونحن عازمون علي لعب دور في بناء مصر الأفضل والأقوي. لكننا نؤكد أننا بحاجة الي الأمن, وحينئذ فقط يمكن أن نساهم في عملية البناء. . في رأيك ما هو مستقبل الشركة ؟ هل هو التوقف أم التصفية أم نقل المشروع لدولة أخري؟ .. كأحد المستثمرين الرواد الناجحين في باكستان إعتدنا العمل في بيئات غير مستقرة ومليئة بالتحديات. وأكرر بأن استثماراتنا في مصر تأسست لتكون استثمارات طويلة الأجل. ولكننا أيضا لسنا علي استعداد للمخاطرة بحياة موظفينا, وسلامة ممتلكاتنا من أجل التشغيل والبقاء في مصر. وكمالك للشركة سأكون شخص غير مسئول علي الإطلاق إذا عرضت حياة الناس للخطر من أجل الربح. لقد أتينا الي مصر لبناء قاعدة صناعية وتنمية أعمالنا. أن أكثر من نصف أرضنا خالية, حيث كنا بصدد إنشاء توسعاتلمصنع النسيج بما يضيف من200 إلي300 فرصة عمل جديدة. إن حجم استثمارنا الآن يقترب من80 مليون دولار, و كنا بصدد ضخ المزيد من الاستثمارات قبل الأزمة الحالية, بل كنا نخطط لمجيء عدد من كبار منتجي النسيج في باكستان للاستثمار في مصر. ولكن إذا ما شعرنا بأننا غير مرغوب فينا في مصر, وإذا تركتنا الحكومة المصرية لحماية أنفسنا, فلن يكون أمامنا خيار سوي ترك مصر. . في رأيك ماهي أوضاع السوق المصرية الأن, ومدي جاذبيتها الحالية للاستثمار؟ .. للأسف مصر تخسر بسرعة كونها مقصدا للمستثمرين العرب والأجانب. فالإستقرار والأمن أهم العناصر الاساسية لإجتذاب الاستثمارات الأجنبية. وهو ما يتعين علي الحكومة توفيره للمستثمرين والمواطنين علي حد سواء. . ما المطلوب من الحكومة المصرية؟ .. يجب علي الحكومة ضمان وجود شبكة أمان اجتماعي والتي تعمل علي حماية الفئات الفقيرة في المجتمع. إن رفاهية الشعب شئ هام جدا. يجب العمل علي تحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة في الدخول. وفي نفس الوقت يجب علي الحكومة أن ترسل رسالة قوية للمصريين بأن مصر في حاجة إلي العمل. ويجب وقف الإضطرابات غير المنتجة وغير القانونية فهي لن تبني مصر, ويجب إتخاذ إجراءات صارمة ضد من يتسببون في الفوضي, وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة, وتعطيل الإنتاج. إن الإضرابات والفوضي تخيف وتبعد المستثمر المحلي والأجنبي, وما يتم فقده من فرص عمل نتيجة لذلك لا يعود لسنوات طويلة. كان هذا حوارا مع مستثمر يبحث في كيفية الخروج من مصر, وآمل أن يفهم عمال مصر بأن الحوار هو السبيل لتحقيق المطالب ولكن الإعتصام, وحبس المديرين, وإرهاب المستثمر نتيجته الوحيدة هي غلق المصانع وتشريد الآلاف من أبناء مصر. اللهم إحمي مصر وسدد خطاها, ونصيحتي لعمال مصر الشرفاء.. لا تخربوا بيوتكم بأيديكم.