فى لعبة الحب والحرب، وعلى بساط «حلاوة الروح» استطاع الفنان المبدع «خالد صالح» أن يغرد خارج السرب كعادته، بأداء يجمع بين الجدية المستحيلة وبراعة التجسيد الحي، من خلال شخصية الإعلامى «الدكتور جمال» الذى امتزجت حياته ببحيرة الأحداث الآسنة ، وبأسلوبه المدهش عمد الفنان صاحبة القامة المصرية الرفيعة إلى صناعة «مونولوج داخلي» خاص به فى الإلمام بتفاصيل الشخصية المحورية، بمتناقضاته وهواجسها الدفينة فى قلب الأحداث الموجعة. من خلال هذه الدراما الاجتماعية المغلفة بطابع سياسى مشوق، و التى تدور وقائعها فى دول عربية عدة، وتستند إلى الأحداث الكبيرة والتحولات الخطيرة التى عصفت بالبلاد العربية عبر السنتين الأخيرتين، لتصوغ حكاياتها من تفاعل المجتمع مع هذه المتغيرات، من خلال قصة محكمة البنيان ل «رافى وهبة» الذى أدرك بحسه الفطرى كيف يمكن للسياسة أن تلعب لعبتها لتتحول إلى لعبة ولعنة للحب والحرب معا، فى نسيج فنى أشبة بلوحة تشكيليلة تجمع كافة المتناقضات الكبرى فى حياة الإنسان العربى المعاصر. أداء خالد صالح المغاير فى هذا المسلسل استند إلى قدرات المخرج التونسى الموهوب شوقى الماجرى الذى قدم لنا مسلسلا فى عدة شرائط سينمائية غاية فى الدقة تحكمها «سنوغرافيا» وظلال وألوان وديكور تتطابق جميعا مع الواقع، ومن خلال تفاصيل لايراها أحد غيره ، ذهب بخياله الرحب من وراء الكاميرا تصحبه موسيقى خلابة ل «رعد خلف» ، وغاص فى أحشاء منازل مهجورة يعيش فى قبوها بشر محاصرون فى زمن التيه الذى صنعته السياسات العقيمة، ليصوغ بواقعية مذهلة واقع غرف مدججة ببشر مسلحون، يحملون فوق أكتافهم بنادق آلية، فيما تجول سيارات مختلفة الأنواع وقد حملت رايات «القاعدة وداعش»، وقد صوبت مدافعها الرشاشة إلى عنان السماء تارة، وإلى فلول من الجيش النظامى تارة أخري. هكذا جعل الماجرى المكان يعج بحركة غير عادية ، تخطيط وهجوم وسجون، معتقلات وصور معلقة على جدران البيوت، كلها تدعو للقتل والقتل لاغيره، وسرعان ما ينتقل بعين الكاميرا ذاتها ليقوم بعمل « كلوز أب» يرصد تعبيرات الوجوه التى تجمل ذلك الصراع الداخلى بين الحب والحرب، ثم يعاود تفكيك تلك اللحظات العفوية من حالة السكون إلى الحركة بسهولة غير مفرطة، ليحيل مشاهد الخراب والتدمير إلى لوحات تشبه أعمال «سلفادور دالي»، أحد أعلام المدرسة السريالية التى تصدم المُشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته، وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة والتى تصل حد اللامعقول والاضطراب النفسي. فى «حلاوة الروح الماجري» ، تتصارع الأضداد علها تنال حظا أوفر فى الحضور أكثر فى حياة السوريين، فبرغم الموت الذى بات يملأ كل الفضاءات جراء اجتياح عاصف بفعل الربيع العربى ، إلا أن إرادة الحياة تبقى أقوي، وتصّر أن تمسح ذلك الغبار الثقيل عما تهاوى فينا ، فمن بين الأنقاض وبرغم الخطر والموت والنار والدمار، إلا ان الحب يولد كشتلة مستحيلة، ويكبر الحب متحديا كل ما حوله من أشكال الفناء. من نماذج التضحية والحب والعطاء التى تقف فى وجه العنف والكراهية أكد الماجرى أن إرادة الحياة فينا ستستمر وستبقى أرواحنا تتوق إلى انعتاقها بدافع من حلاوة الروح»، وعلى جناح أداء خالد صالح « جمال» والجميلة نسرين طافش» ليلي»، السورى الكبير غسان مسعود «أبو ربيعة» ، المصرى القدير محمود مسعود « أبو راشد»، مكسيم خليل «إسماعيل» ، ورولا حمادة «سارة حبيبة جمال» ، دانا ماردينى «سارة إبنة جمال»، عبد المنعم عمايرى «زياد»، وكذا المولف «رافى وهبة نفسه» الذى جسد شخصية «جاد»، رجل الأعمال الذى يستحل كل شيئ فى سبيل تحقيق مكاسب شخصية، حتى ولو كانت على حساب الوطن، وهؤلاء جميعا برعو فى تجسيد شخصيات من لحم ودم خارجها لتوها من رحم ثورات الربيع العربي. فى مجمل العمل جنح نحو البعد الشعرى المجازى للرواية، برؤية سينمائية عالية المستوى ليقدم فى النهاية عملا فنيا غاية فى الدقة والإثارة - على حدة الأحداث العاصفة - التى تصاحبها لعبة الحب والحرب فى عمل درامى من طراز رفيع، يستكمل من خلاله تجاربه الناجحة فى « هدوء نسبي، نابليون والمحروسة ، مملكة النمل» وغيرها من أيقونات تظل علامات بارزة فى قلب الدراما العربية. [email protected]