الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وعضو هيئة كبار العلماء، وعضو مؤسس فى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا. هو أحد علماء الأزهر المستنيرين الذين يميلون فى فتاواهم نحو الوسطية والاعتدال والتيسير، من مدينة مشتول السوق بمحافظة الشرقية، حفظ القرآن الكريم قبل المرحلة الابتدائية، كان والده من رجال التعليم، ويعمل ناظراً فى إحدى المدارس، وبدأ حياته الأزهرية من الكُتّاب فى القرية ثم التحق بمدرسة (التقدم الوطني)، وكانت تجمع بين القرآن والدين والحساب، وكانت تؤهل الخريج للعمل كمدرس ابتدائي، يتحدث إلى «الأهرام» فى حوار عن حياته الأزهرية وذكرياته الرمضانية وذكريات سفره حول العالم والمفاجآت التى قابلته فى المؤتمرات خارج مصر. كيف بدأت رحلتك الأزهرية منذ الصغر ؟ بدأت دراستي بحفظ القرآن الكريم، وكان الشيخ المُعلم يجمع بين الكٌتّاب والمدرسة (واسمها مدرسة التقدم الوطني) بمدينة مشتول السوق، وكانت تؤهل الخريج للعمل كمدرس ابتدائي، وكان هذا الشيخ يتميز بالحزم الشديد وتأديب الطلاب بصورة طيبة، فكان أولياء الأمور يشكرون له هذه الشدة وهذا الحزم، ليصنع رجالا بمعنى الكلمة، وكان يمثل قسوة الأب الحريص على أولاده، فكان النموذج الأمثل في التعليم، وتبدأ من مرحلة 6 سنوات وحتى 12 سنة، وكان يحصل على أجره من أولياء الأمور، ثم التحقت (بمعهد الزقازيق الديني وهو أكبر المعاهد بالجمهورية)، لأن المعاهد على مستوى الجمهورية كانت أربعة معاهد (معهد الزقازيق وطنطا وأسيوط والإسكندرية) وهي من كبريات المعاهد الأزهرية، ثم التحقت بكلية الشريعة والقانون لميولي إلى الفقه، وكنت أحصل على الدرجات النهائية، لكن والدي الذي كان ناظراً لإحدى المدارس، له رغبة أخرى أن يلحقني بكلية أصول الدين بمسجد الخازندارة، وشاء الله أن أذهب إليها حسب رغبة الوالد، إلا أننا لم نجد المسئول، فكان هذا سبب رجوعي إلى كلية الشريعة وتقدمي إليها. ذكريات رمضانية ما هي الذكريات الرمضانية في حياتك؟ أتذكر منذ أيام الطفولة في رمضان، حينما كان والدي يفتح بيته في رمضان كسائر بيوت القرى لاستقبال الزائرين ليلاً ويجلسون مع قارئ القرآن، وجاء بعض الضيوف في إحدى الليالي قبل دخول الكهرباء، واحتاج أحد الضيوف ماء ليشرب، ودخل الرجل الذي يساعد الضيوف بجلب إناء مصنوع من الفخار، بعد أن خلد أهل البيت إلى النوم، فلم يعرف الرجل أين الماء وأتى في الظلام بالإناء مملوءاً بماء مخلل حار ليسقي به الضيف، وكان سمة هذا اليوم الضحك لما حدث. والذكرى الثانية في حرب أكتوبر كان شعوري في هذا التوقيت أنه يوم له وضع خاص، باعتباري مواطناً مصرياً، وكنت أتابع الإعلام جميعاً بكل ما ينشر عن مصر، لأن الإعلام الإسرائيلي والغربي، كانا يروجان للجيش الإسرائيلي بأنه (لايٌقهر) برغم انتصار مصر. هل التسلية مباحة في رمضان؟ وماذا نفعل نحو الأحاديث الضعيفة في رمضان؟ التسلية في رمضان مباحة، بشرط أن تكون بعيدة عن إثارة الغرائز، وعن تعطيل الشخص عن واجباته، وخاصة الصلوات في مواعيدها، وأن تكون بعيدة عن الإساءة لأشخاص آخرين، فلا أجد في الشرع ما يحرم، لكن في الوقت نفسه، وجود شهر رمضان فرصة للإكثار من العبادة لأنه توقيت يجيء مرة في السنة، فإذا لم يفز بعظيم الثواب والأجر، يكون هذا إهمالاً لأمر لا يصح إهماله، حتى من الناحية العقلية فضلاً عن الناحية الشرعية، أما الأحاديث الضعيفة، فلا يجب شرعاً وجوباً مؤكداً أن يروي الإنسان حديثاً عن النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا إذا غلب على ظنه أنه ثابت عنه، صلى الله عليه وسلم،، بوسائل متعددة، كأن يكون قد رآه في كتب السُنة، وفي مقدمتها (صحيح البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبوداود) بشرط ألا يكون العلماء ضعفوا هذا الحديث الذي روي في أحد الكتب غير البخاري ومسلم، أو سمع هذا الحديث من أحد العلماء المشهود لهم بالورع والتقوى، وعدم الجرأة على أحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، فليس كل حديث يروى يؤخذ به دون التأكد من ثبوته، أو يكون سمع هذا الحديث من علماء الأزهر المتخصصين في الحديث الشريف، أو أي علم شرعي آخر كالتفسير والفقه، وأصول الفقه والعقيدة، لأن هؤلاء الأساتذة لا يُظن بهم الجرأة على التهجم على سٌنة النبي، صلى الله عليه وسلم، ورواية أحاديث ضعيفة، لم تثبت عنه، صلى الله عليه وسلم. مواجهة التيارات المتشددة كيف يمكن مواجهة التيارات المتشددة والفتاوى التكفيرية؟ يجب أن يعلم كل من يتصدى للدعوة الإسلامية أن شريعة الإسلام تحمي عقيدة الناس ولا تسمح بالمجازفة بتكفير الغير لمجرد الاحتمال، وللعلماء قاعدة عظيمة شريفة، في هذا المجال هي (أنه لا يُكفّر بالمحتمل لأن الكفر نهاية في العقوبة فيستدعى النهاية في اليقين ولا يقين مع الاحتمال)، ويؤكدون أيضاً أنه لو كان تصرف إنسان من قول أو فعل يحتمل الكفر على تسعة وتسعين وجهاً وبقاء الإيمان على وجه واحد، فلا يجوز تكفيره لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولا يجوز أن يحكم بتكفير أي دولة مسلمة لوقوع بعض المخالفات الشرعية فيها. حقوق الإنسان التي يتحدث العالم عنها الآن، هل لها تأكيد في الإسلام؟ الإجابة بديهية في الإسلام، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، أرسله الله لمصلحة الإنسان ولمصالحه الدنيوية والأخروية، (كل ما يؤدي إلى إيجاد النفع له في الحياة الدنيا) وفي القرآن الكريم ذكر الله لنا أنه سخر الكون للإنسان، فقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وأيضا (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر، وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، كما سخر لنا الأنعام والأنهار والفلك، وكل شيء، وحقوق الإنسان، التي يتباهى بها العالم الآن مصونة في الإسلام ومؤكدة، والعقوبة على التعدي عليها مؤكدة كحق الحياة، فالشريعة شرعت القصاص لمن يعتدي على الناس، ومن يؤذي أجسامهم، بل الإيذاء النفسي محرم، ونجد ذلك في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ...)، والنبي، صلى الله عليه وسلم يبين في أحاديثه تحريم الضرر الحسي والنفسي (لاضرر ولا ضرار)، والإسلام يبين بما لا يدع مجالاً للشك حرية الرأي ويطبق هذا المبدأ في حياته، كما حدث في وقائع متعددة أن يبدي بعض الصحابة رأياً يخالف رأي النبي، وكان يأخذ النبي به، وفي غزوة أٌحد كان من رأي الكثير أن يكون اللقاء خارج المدينة، لكن النبي كان يميل إلى أن يكون لقاء العدو في نطاق شوارع المدينة، ومع ذلك وافق على أن تكون الحرب خارج المدينة، وفي معركة بدر يرى النبي، صلى الله عليه وسلم، اختياراً أو مكاناً لعسكرة الجيش لم يوافق عليه أحد كبار المسلمين وهو (الحباب بن المنذر) أحد قادة الأنصار، وقال: (أهذا المنزل أنزلكه الله عز وجل فلا نحيد عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة) فقال صلى الله عليه وسلم: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) فقال الحباب ليس هذا بمنزل إنما أرى أن ننزل في موضع (حدده للنبي، صلى الله عليه وسلم) فنكون قريبين من منابع الماء، فنشرب ولا يشربون، فوافق النبي، صلى الله عليه وسلم على هذا الرأي. ما هي السلبيات على الدعاة؟ وما الفرق بين رمضان (زمان) و (الآن)؟ ومافائدة الفوانيس في رمضان؟ السلبيات على الدعاة: عدم ثقافة الداعية بالقدر الكافي الذي يجعله ملماً بالقضايا الفكرية والثقافية التي يمكن أن تثار بين الحين والآخر، وتحتاج إلى إبداء الحكم الشرعي فيها، كالقضايا المعاصرة الآن في الاقتصاد والطب والسياسة وغيرها، وأيضاً الضعف العلمي الشرعي، ونصيحتي للكثير من الدعاة الذين فاتهم الإلمام بالأحكام الشرعية في إتمام سنوات الدراسة أن يستدركوا هذا بالاطلاع على كتب الشرع. كان رمضان في الماضي فرصة لالتقاء العائلات للتزاور، والتواصل وحضور قراءة قارئ القرآن الذي كنا نستدعيه، ولم يكن على الإطلاق رؤية أحد يفطر في نهار رمضان، وكنا نجد كثيراً من الأطفال ممن ليسوا قريبا من سن البلوغ يصومون رمضان، بل يرفض بعضهم الإفطار، إذا قالوا له لست مكلفاً بالصيام لم نجد هذا الأمر بالصورة التي كان موجوداً بها في الماضي، بل على العكس الشباب الآن يجلس على المقاهي في نهار رمضان ويدخن ولا يثير ذلك اعتراضاً من أحد لأنه لم يجد رداً من الشاب مهذباً، بل يتجاوز في رده إلى شتيمة من ينصحه. أما عن الفوانيس في رمضان فهي مباهج شهر رمضان وعلامة سرور لقدوم هذا الشهر وليس بها حرمة أو كراهة وأمر دنيوي يراه الناس حسناً وخاصة الأطفال. كيف ترى مستقبل مصر؟ لابد أن يكون هناك أمل في إصلاح كل ما فسد والتحرك السريع إلى تحقيق آمال الشعب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، ومن البديهي أن يكون الدين في كل هذه النواحي ملاحظة أحكامه، فكل ما يخالف الدين في كل مجال يخالف مناحي الحياة، لا بركة فيه، حتى وإن ظننا أن فيه نمواً أو مصلحة دنيوية مادام أنه بعيد عن الدين والبعد عن الدين هو البعد عن الأخلاق، والبعد عن الأخلاق هو فساد في تركيبة المجتمع وتكوينه. رسالة أخيرة لكل مصري؟ أوجه الرسالة إلى نفسي أولاً أن نلتزم جميعاً بما أوجبه الدين، وأن نحاول أن نحقق من الأمور المستحبة في الدين، وليس فقط في الأمور الواجبة، وأن يقوم كل منا بواجبه في موقعه، حتى أصغر عامل، فإذا قمنا بواجبنا فإن الأمل في النهضة، وصلاح الأحوال يكون قريب المنال مع التأكيد دائماً على حقوق الإنسان فلا ينال منها الحاكم، فلا كبت للآراء ولا اعتداء على حياة الناس أو خصوصياتهم ولا حقوقهم في العيش الكريم البعيد عن كل استبداد سياسي أو التعدي على الحريات.