منذ الحرب العالمية الثانية واسرائيل تبتز العالم بجريمة هتلر النازية " الهولوكوست " , تتباكى على المحرقة التى نصبت لليهود فى ذلك الحين وأفران الغاز التى أحرقوا فيها , ولا زالت اسرائيل حتى اليوم تبتز العالم أجمع على تلك المحرقة التى هى محور جدل ونقاش بشأن تفاصيلها . ومنذ احتلالها فلسطين عام 1948 وهى عاقدة العزم على إبادة هذا الشعب وطمس هويته للأبد , واحلال اليهود بدلا منه فى الأراضى الفلسطينية على مر العقود الماضية , مارست خلالها كل وسائل التنكيل والقتل والتهجير والتعذيب والسجن فى حق أبناء الشعب الفلسطينى ولا تزال. اليوم تمارس اسرائيل نفس المنهج فى حق الشعب الفلسطينى دون أن يرف لها جفن , ففى أعقاب عثور جهاز الأمن الاسرائيلى على جثث المستوطنيين المختطفين الثلاثة , وهى تشن أعتى اعتداء على الفلسطينيين مطلقة العنان لرعونة قراراتها العنصرية والانتقامية الخرقاء , ويكمل قطعان مستوطنيها المتطرفين مسلسل التنكيل والاعتداءات المجرمة , إذ قام قبل أيام قطيع من المستوطنين العنصريين بخطف الفتى الفلسطينى محمد أبو خضير أثناء توجهه إلى المسجد لأداء صلاة الفجر فى بلدة شعفاط شرق القدس , حيث أحرقوه حيا حتى الموت , وعثر على جثته فى وقت لاحق محروقة فى أحراش قرية دير ياسين المهجرة . التشريح كشف بوضوح بشاعة الجريمة فالفتى كان يتنفس أثناء اشتعاله , وآثار النيران كانت واضحة فى القصبات الهوائية والرئة , ووصف تقرير التشريح حرق الفتى حتى الموت جريمة نازية , بل لم يفعلها سوى النازيون وأمثالهم عبر التاريخ . مايمارسه الجيش الاسرائيلى وقطعان المستوطنين من جرائم حرب فى حق الفلسطينيين ليس جديد , والرد عليه دائما يكون بمزيد من المقاومة والعمليات النوعية ضد اسرائيل , وقامت انتفاضتان انهكت اسرائيل وإن كابرت , وأصبحت الانتفاضة الثالثة على أعتاب كل بيت فلسطينى تنتظر انطلاق صفارة البداية , وقد حانت ساعتها خاصة أن الحادثة الأخيرة ليست عادية وعملية القتل تخللها عبث وتشويه لطفل صغير , وهذه أول مرة يُسمع فيها عن طريقة القتل هذه ويتم حرقه من الداخل والخارج وهو شئ أرادوا أن يتميز به المستوطنون , ويمارسوا فيه الهولوكوست اليهودى . الغضب الذى عم كافة الأراضى الفلسطينية واندلاع الاشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال فى عدة مناطق فلسطينية , ووصول الصدامات إلى بلدات عربية فى اسرائيل , وغارات مستمرة على قطاع غزة وهزات ارتدادية للمقاومة كردود أفعال هنا وهناك , هو تعبير صريح عن حالة الاحتقان التى وصلت ذروتها بين الفلسطينيين , لكنها لم ترق إلى مستوى الانتفاضة الثالثة . فبعد أن تأكد فشل المفاوضات وغاب العنصر الجامع عن المشهد المتمثل بالوحدة الوطنية والأهدف الموحدة لا المفرقة , والترهل الذى ضرب مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية , والعطب الذى أصاب الاحزاب والفصائل على اختلافها , بالاضافة إلى استحقاقات السلام التى تتعارض مع أهداف المقاومة , خاصة فى ظل المنح والمعونات الاقتصادية التى تقدمها الدول المانحة للسلطة الفلسطينية بشروطها , تلك الشروط التى تسقط من حساباتها المقاومة , فضلا عن سياسات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن) الذى لا يقر بانتفاضة جديدة ويرى فيها دمار لأى انجازات تحققت على مدار السنوات الماضية ويجنح للسلم رغم فداحة ثمنه , والأهم أن الانتفاضتان السابقتان لم تأتيا بأكلهما كما تمنى الفلسطينيين , وتباينت مع نتائجهما توجهات الفصائل ومن ثم أهداف المقاومة وأبعادها والمرجو منها على المدى البعيد , ومع عوامل الضغط الاسرائيلى الكبير على الفلسطينيين والسلطة والتنبى الامريكى الكامل للموقف والسياسات الاسرائيلية , والترهل الذى أصاب حركة التحرر الوطنى الفلسطينى , فإن الفلسطينيين بكافة أطيافهم السياسية بحاجة إلى حوار مجتمعى هادف يسعى للم الشمل وتحديد الأهداف وأولوياته تجاهها ويجيب على تساؤل هام وأساسى ماذا يريد من الانتفاضة الجديدة إذا ما كتب لها الاستمرار ؟