المتأمل جيدا يرى أن الكون بما فيه مرتبط فى كل مكوناته وتفاصيله بالوقت ارتباطا وثيقا، بداية من خلق الأرض والسماوات وما بينهما، ومرورا بخلق الإنسان الذى اختاره رب الكون ليستوطن الأرض، وما شرع له فى الشرائع كلها وبخاصة شريعة الإسلام الخاتمة، مما ينظم حياته وعلاقته بالخالق والخلق إلى أن تنتهى رحلته الدنيوية وينتقل إلى الآخرة، وحتى نهاية الكون نفسه بما فيه، وعودة البشرية مرة أخرى للحساب واستئناف الحياة الأبدية مؤقت بوقت أخفى على البشرية و سمى بالساعة التى إن أطلقت انصرفت أذهان السامعين إلى الوقت. فخلق السماوات والأرض وما بينهما كان فى ستة أيام: (اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُون ،يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ،ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)،. وخلق الإنسان فى بطن أمه يمر بمراحل ذات وقت محدد لكل مرحلة منها غاية التحديد،حيث إن ثلاث مراحل منها تستغرق كل مرحلة أربعين يوما لا تزيد ولا تنقص حتى يصبح خلقا آخر(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ،ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا .ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ). وتكليف الإنسان مرتبط بالوقت وهو وقت البلوغ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاث: عن الصَّبِى حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ»، والتكاليف الشرعية نفسها مرتبطة بالوقت، فالنطق بالشهادة وقت للدخول فى الإسلام، ونهاية الخروج من الدنيا واستقبال الآخرة، والصلاة فريضة تتكرر خمس مرات فى اليوم والليلة (.. إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، والزكاة فريضة على من أمتلك نصابا فى العام مرة» لا زكاة فى مال حتى يحول عليه الحول «والصيام فريضة فى شهر رمضان من كل عام: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...)، والإمساك فيه مؤقت بوقت».. وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ...» ومن اعتراه عذر من مرض فأفطر أياما قضى مثلها: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). ولأهميّة الوقت فى حياتنا أقسم الله عز وجل به غير مرة فى كتابه:(وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ،هَلْ فِى ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ)، (وَالْعَصْرِ،إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ،إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَي،وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّي)، (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ). ومع هذه الأهمية البالغة للوقت، فإن الكثيرين منا لا يلتفتون لذلك، ويضيعون كثيرا من أوقات حياتهم سدى فيما لا يفيد غافلين عن قول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ». فلنتذكر جميعا أننا مجموعة من الأوقات، وأنه إذا مضى على الواحد منا بعض الوقت فقد مضى بعضه، وأن كل صباح ينادينا: «يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني، فإنى لا أعود إلى يوم القيامة». ولنعلم بأن أشر يوم يمضى علينا هو يوم ينقص فيه أجلنا ولا يزاد فيه عملنا، فما أحوجنا لاستحضار قيمة الوقت فى حياتنا لنعوض ما فات من سنوات عجاف تراجعنا فيها إلى الوراء مع أنها مضت منتقصة من أعمارنا، فلنستنهض الهمم، ولنتأسى برسولنا الذى امتدح البكور قائلا: «اللهم بارك لأمتى فى بكورها»، وحسنا فعل قادتنا فى عهدنا الجديد حيث يتوجهون إلى أعمالهم مبكرين، ليكونوا قدوة ومثلا لمرؤوسيهم، لتدور عجلة الإنتاج قبل أن يأتى الصدأ على ما تبقى منها،لتلحق أمتنا بركب الحضارة المنطلق سعيا إلى استعادة قيادته. وإذا كنا نبحث عن إصلاح لأوقاتنا، فلا أفضل من التوجه إلى ميدانه الذى هلت علينا نسماته، فإن أفضل منظومة لضبط الوقت عرفتها البشرية هى منظومة الصيام،التى تراعى أدنى مقادير الوقت، فلا تسامح فى ثانية أو جزء منها بعد الإمساك فجرا، ولا تسامح فى مثل ذلك أو أدنى عند الإفطار ليلا، ومواقيت الصلاة هى هى غير أن الناس يحفظونها ترقبا للإفطار وحذرا من التجاوز عند الإمساك، ويشغل كثير من الناس جميع أجزاء وقته تنقلا بين العبادات طلبا للأجر والثواب، فلا تضيعوا أوقاتكم لاسيما الشباب فيما يعرف بوسائل قتل الوقت،واعلم بأنك بقتل الوقت تقتل نفسك، واعلم بأنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع «عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عمله ماذا عمل فيه». اللهم أصلح لنا أوقاتنا، وبارك لنا فيها، واجعلها فى طاعتك. لمزيد من مقالات د. عباس شومان