منذ ما يقرب من عشرين عاماً، تجمع ما يزيد على ثلاثمائة ألف مواطن فى مكان بالعاصمة الإستونية فى "ثورة غنائية" كانت الأولى من نوعها لطلب الاستقلال عن الإتحاد السوفياتى الذى احتل استونيا لمدة تزيد عن خمسين عاماَ. نجحت الدولة الصغيرة التى تبلغ مساحتها 45 ألف كيلومتر تقريبا، ويبلغ تعداد سكانها 1.3 مليون نسمة فقط فى أن تخطو خطوات أقرب إلى القفزات نحو مستقبل من الديمقراطية والتقدم التكنولوجى فى آن واحد، فالمواطن الإستونى هو هدف الدولة بالأساس، والحكومة هناك تعمل جاهدة على أن ينعم كل مواطن بخدمات جيدة جداً ورفاهية تعينه على الإستمتاع بالحياة فى المقام الأول. وهو ما جعل إستونيا واحدة من الدول الأقل نموا من حيث عدد السكان بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما جرى تصنيف استونيا على أنها دولة تمتلك (اقتصاد متطور) من قبل صندوق النقد الدولي، وتم تصنيفها كدولة متقدمة بالنسبة لمؤشر التنمية البشرية المرتفع جدا بالإضافة إلى أنها تحتل مرتبة مرتفعة للغاية فيما يتعلق بحرية الصحافة والحرية السياسية والتعليم والشفافية بعد أن استقرت على اتجاهها نحو التكنولوجيا الرقمية. روت لى السيدة "آنا بيلا" المسئولة عن مشروع إستونيا الرقمية (e-estonia) كيف تم إدخال كل الخدمات الحكومية وربطها بالبطاقة الشخصية للمواطن، بحيث أصبح بإمكان كل مواطن إستونى أن يستخدم تلك الخدمات فى أى مكان بالبلاد، وربما خارجها أيضاً عن طريق الإنترنت، فالمواطن هناك يمكنه أن يدلى بصوته فى الإنتخابات وأن يدفع الضرائب، ويشترى الدواء الذى يتم وصفه بواسطة الطبيب إلكترونياً من دون الحاجة إلى أوراق، كل شئ مسجل على قاعدة البيانات، ويمكن من خلال تلك القواعد البيانية معرفة كل المعاملات التى قام بها المواطن وفى سرية كاملة وأمان تام، حيث يملك كل مواطن رقمان سريان، يمكنانه من التعامل مع كل هذه الخدمات، ومع حسابه البنكى من أى مكان فى العالم دون أدنى خطر. حتى التعليم يخضع لنفس النظام، فالمدارس مربوطة بقاعدة بيانات يتم تسجيل الدروس والنتائج بها، ومستوى الطلاب وتحصيلهم، بحيث يمكن للأسرة متابعة أداء الأبناء فى أى وقت، وحتى متابعة الدروس التى قد يتخلف عنها الطالب لأى سبب بحسب ما اوضحته السيدة "بيللى باريكاس" مديرة مشروع المدرسة الإلكترونية. الثورة الحقيقية كانت فى الممر الرقمى أو ما يطلقون عليه بالإنجليزية (The X road) وهو عبارة عن ممر افتراضى تخيلى يربط كل قواعد البيانات بعضها ببعض بحيث يكون هذا الارتباط ميسراً لتلك الخدمات. لا أظن أن مصر بعيدة كل البعد عن هذا المشروع، وأعتقد جازماً ان هذا المشروع يمكن تحقيقه بكل سهولة فى مصر، فالعقول التى تملكها مصر قادرة على المرور إلى الممر الرقمى، وعندها سوف يتوفر للدولة مسار آمن ليس فقط نحومستقبل إقتصادى متطور، ولكن نحو المستقبل السياسي المتطور أيضاً، إذ عندها سوف نتمكن من الوصول إلى قدر عالى من الشفافية واليسر فى الخدمات التى يحتاجها المواطن. صحيح أن تلك المنظومة ذكرتنى بفيلم شهير هو فيلم "ماتريكس"، لكن على الرغم من الرسالة السلبية التى وجهها الفيلم نحو التطور الرقمى نستطيع أن نرى بسهولة أن العالم يسير فى كل الأحوال نحو هذا الماتريكس، ويبدو أنا أيضاً اصبح علينا أن ننظر جيداً فى هذا الاتجاه، لأن مصر ذات الحضارة القديمة تستحق دائماً أن تتبوأ مكانتها وسط الشعوب المتقدمة وعلينا إذاً أن نسعى لما نستحقه دون إبطاء. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود