مع التطور الذى يحدث فى العلاقات المصرية الروسية، والذى أعتبره تجديداً وإحياءً لحقبتين من التعاون متعدد الجوانب بين مصر والاتحاد السوفيتى السابق، من الجدير أن نستعيد هذا التراث من التعاون وأن نسجله بكل الموضوعية والأمانة التاريخية، وهو ما يجعلنا نستخلص أن أهم الإنجازات الداخلية فيما يتعلق بالتنمية والبناء فى مصر، وكذلك وضع مصر الإقليمى قد حدثت فى هاتين الحقبتين وفى ظل تعاون مصرى سوفيتي، وهو تعاون لابد أن نقول إنه لم يكن بشروط أو مطالب سوفيتية، ولعلنا نتذكر، أنه فى قلب هذا التعاون كان عبد الناصر يودع الشيوعيين المصريين فى السجون، ودخل فى حوار ساخن مع خروتشوف حول القومية العربية والتى شكلت دعوة عبد الناصر وشعار مرحلته. وفى استعادة مرحلة التعاون المصرى السوفيتى لابد أن نتذكر التعاون السوفيتى فى مشروعات ضخمة، فضلاً عن الموقف السوفيتى الحازم من العدوان الثلاثي، بما فيها المشاركة السوفيتية فى بناء السد العالي، بعد أن سحبت الولاياتالمتحدة وبالتالى البنك الدولي، مشاركتها فى هذا المشروع بحجة أنه لا يتفق مع إمكانيات مصر الاقتصادية، وتسليح الجيش المصري، ومنها صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955، بعد أن فشلت جهود قادة ثورة يوليو فى الحصول على أسلحة أمريكية، وإعادة تسليح الجيش المصرى بعد نكسة 1967 وتواصلها حتى حرب 1973، والذى يشهد قادة عسكريون مصريون أن مصر قد كسبت معركتها وحاربت بسلاح سوفييتي، بالإضافة إلى الدور السوفيتى فى المشروعات القومية الكبرى وبناء الصناعات الثقيلة: الحديد والصلب، والألومنيوم، والصناعات الحربية. وعودة إلى مرحلة حرب أكتوبر وحيث نعلم أن الاتحاد السوفيتى لم يكن يشجع كثيراً لجوء مصر إلى الحرب ويفضل التسوية السلمية، إلا أننا يجب أن نذكر أنه فى الشهور القليلة التى سبقت الحرب، ونتيجة زيارة مستشار الأمن القومى المصرى لموسكو، ولقاءه مع القادة السوفييت، صدر بيان سوفييتى يقر "بحق الدول العربية فى تحرير أراضيها بكل الوسائل". وقد كان الموقف السوفيتى مع اشتعال الحرب متماسكاً حيث كثف إمداداته من الأسلحة، عبر جسر جوي، إلى كل من مصر وسوريا، وفى سبيل ذلك كاد يدخل فى مواجهة نووية مع الولاياتالمتحدة التى أعلنت حالة التأهب الترقبى لقواتها رداً على التحركات السوفيتية فى 24 أكتوبر 1973. ويتذكر كاتب هذه السطور مقابلة له يوم 7 أكتوبر مع إيفجينى بريماكوف الذى كان حينذاك مديراً لمعهد الدراسات الدولية الوثيقة الصلة بالحزب الشيوعى والحكومة السوفيتية، وقوله إن الاتحاد السوفيتى قد أيد من اللحظة الأولى التحرك المصرى وإن أعرب عن تخوفه مما أسماه "التحولات" فى أزمة المعركة. وأعتقد أن المخاوف السوفيتية من هذه "التحولات" وتحققها فى الثغرة وحصار الجيش الثالث، هى التى دفعت الإدارة السوفيتية إلى التعاون مع المساعى الأمريكية للتعامل مع تطورات الوضع والوصول إلى وقف إطلاق النار، وهو ما تحقق فعلاً بزيارة هنرى كيسينجر لموسكو فى 22 أكتوبر 1973، وهى الزيارة التى وضعت الخطوط العريضة لقرار مجلس الأمن 338 الذى دعا إلى وقف إطلاق النار فى النقطة التى توقفت عندها المعارك (على عكس ما كانت تطالب به إسرائيل من أن تكون خطوط وقف القتال عند النقطة التى بدأت عندها المعارك). مع هذه المرحلة من التعاون بين مصر والاتحاد السوفيتى فى منتصف السبعينيات، ونحن نطل على مرحلة جديدة ومتجددة من التعاون فى إطار استراتيجية مصرية فى توسيع قاعدة علاقاتها الدولية والبحث عن خيارات متعددة لا تجعل مصر أسيرة التعاون والاعتماد على قوة واحدة. علينا فى نفس الوقت، أن نتذكر أن روسيا الاتحادية اليوم ليست هى الاتحاد السوفيتى السابق الذى كان يحركه العامل الأيديولوجى وصراعه وتنافسه مع القوة العظمى الأخرى وهى الولاياتالمتحدة على النفوذ والمكانة الدولية، وأن روسيا الاتحادية اليوم، على الرغم من سعيها لتأكيد وضعها الدولى وأن يكون لها صوت مسموع ومحترم، فإن اعتبار المصالح العملية والبرجماتية يشكل أيضاً عاملاً مهماً فى سياساتها الدولية. ومن الأمور المشجعة وما ينبئ عن سياسة خارجية ناضجة أن مصر فى توجهها إلى بناء علاقات تعاون مع روسيا لا تعتبر هذا بديلاً عن علاقات تعاون مع قوى دولية أخرى.