كان سقف خيالنا - صغارا- يصطدم دائما بأسلاك الكهرباء المشدودة بطول الشارع.. الذى كنا نلعب فيه الكرة «الشراب» يوميا من الصباح غير «الباكر» حتى وقت الأصيل.. حيث تطلق الشمس «صفارة» المغيب. وكثيرا ما كانت الكرة يحلو لها أن تحلق فى الهواء لتصطدم هى الأخرى بأسلاك الكهرباء، التى تكشر عن أنيابها وتخرج شرارآ يسقط فوق رءوسنا، ونحن نهرول هربا منه فى كل اتجاه.. وينقطع التيار الكهربائى عن الحى.. ويصير غارقا فى ظلمات بسبب لعب «العيال». ويأتى رجال شركة الكهرباء بعد الحاح بعض السكان فى طلبهم.. وترتفع الأسلاك من جديد.. ومع ارتفاعها، يترقب الجميع عودة النور. تكرر هذا المشهد كثيرا ولسنوات طويلة أخذت تتطاير هى الأخرى كشرار الأسلاك، ونحن نهرول تحتها فى كل اتجاه. وكبرنا فجأة.. وهجرتنا اللعبة بعد أن هجرنا الملعب. وانصرف الجيل اللاحق بخياله الى الأتارى والعاب الفيديو «جيم»، واحتلت أرض الملعب ترابيزات البنج والبلياردو. وأصبحت الحركة مقيدة بمساحة الترابيزة، وقدرة اللاعب على الدوران حولها. واخترق سماء الحى أسلاك جديدة فى فترة وجيزة: سلك وصلة«الدش»، الذى تعايش مع الأسلاك الأخرى فى سلام. غير أن هذه الأطباق محت البركة والخير من فوق الأسطح؛ فلم نعد نسمع صياحاً لديك أو نجمع بيضاً. وجاء ضيف جديد على بعض البيوت يدعى«كمبيوتر»، فقبع الجميع حول شاشته. وصار الجيل الثالث أسيره، فلا يبرح مكانه، وكأنه موثوق الأيدى والأرجل فى وحدة معالجته المركزية. صار اللعب جلوسا، وسقف الخيال يباع فى أسطوانات مدمجة. وبؤبؤ العين لا يبحلق فى شىء سوى فى بلورته السحرية. وجاء الفتح المبين بغزوة سلك وصلة «النت»، والذى جب ما قبله من أحلام وأسلاك. وأصبح الجيل الحالى والأجيال القادمة بلا سقف، بل أصبح الحى والكون بلا سقف. بعد أن خلد الجميع لسطوة وسلطان هذا الوافد الجديد ،والذى يحمل لهم علم العالم وخطاياه.