حين يتلقى شخص ممن عملوا باللجنة الدولية للصليب الأحمر نبأ مقتل أحد موظفى اللجنة فى إحدى مناطق النزاع، فإن مشاعر حزنه على الفقيد تتضاعف عدة مرات عن مشاعر أى شخص آخر، ذلك أن حادثة القتل بالنسبة له ليست مجرد جريمة قتل ضد شخص، وإنما هى جريمة تدفع بالإنسانية إلى الوراء لمسافات بعيدة... إذ يختار هؤلاء العاملون بالمجال الإنسانى أن يخاطروا بحياتهم من أجل الآخرين عن طيب خاطر، ذلك أن الهدف الأسمى للمنظمات الدولية العاملة فى هذا المجال هو حماية الإنسان، وربما كان الصليب الأحمر الدولى هو أكثر تلك المنظمات الإنسانية حرصاً على تحقيق ذلك الهدف... كان خبر مقتل "ميكائيل غرويب" رئيس البعثة الفرعية للصليب الأحمر في مصراتة والبالغ من العمر 42 عاماً صادما للجميع، ليس فقط لأنه إنسان لا يستحق القتل أثناء قيامه بعمله، لكن أيضاً لأن وجود السيد "غرويب" فى هذه البلاد إنما كان لمساعدة أهلها بسبب النزاع المسلح الدائر هناك... تذكرت وقت أن كنت قد سافرت إلى دارفور فى العام 2006 لأنضم إلى بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر فى غرب دارفور، كانت الأوضاع فى دارفور خطيرة، والقتال بين الأطراف المتنازعة هناك ينذر بوقوع ضحايا من الجانبين وأيضاً من موظفى المنظمات الدولية، لكن ذلك لم يمنع هؤلاء الموظفين من السفر إلى هناك والعمل على إنقاذ ضحايا تلك النزاعات المسلحة... كنا نرحل ضمن مجموعات متخصصة لمناطق النزاع بهدف توفير الحماية والدعم لأهالى تلك المناطق، ولازلت أذكر يوم أن اضطررنا للنوم فى العراء غير عابئين بالخطر رغم سماعنا لطلقات الرصاص على مسافة قريبة جدا من مكان تواجدناً، ولكننا نمنا هناك، إذ كان علينا أن نستيقظ فى الصباح الباكر لاستكمال تركيب مضخات للمياه توفر المياه النظيفة لأهالى بعض القرى، تلك القرى التى يضطر أهلها للمشي لمسافات طويلة تحت الخطر لإحضار المياه العكرة الغير صالحة للشرب من الوادى... كان كل هذا الخطر والقلق وتوقع الموت فى أى لحظة على يد أى مسلح يرغب فى أن يوقف مساعدة الآخرين الذين يعانون من نقص الخدمات والأدوية بسبب النزاع، كان كل ذلك ينتهى فوراً أمام بسمة طفل سودانى يفرح ويمرح ابتهاجاً بشرب الماء النظيف، أو بتلقى الطعام الذى لم يحصل عليه منذ فترة، أو بتلقى مساعدات غير غذائية كخيمة لتكون مأوى وحماية له من المطر... مقتل السيد "غرويب" ليس هو الأول فى سلسلة استهداف العاملين بمجالات الإغاثة الإنسانية، وربما لن يكون الأخير، لكننا نأمل فى أن تدرك الحكومات أن حماية العاملين فى مجال الدعم الإنسانى فى بلادهم ليست فقط من واجباتها ولكنها من أهم أولوياتها، وأنه على الحكومات أن تسعى إلى توفير المناخ الملائم لهم ليقوموا بمهمتهم ، وأن يدرك أمثال قاتل السيد "غرويب" أن هذا الرجل لم يكن عدواً له، ولم يكن أبداً ليتأخر عن مساعدته إن اقتضت الظروف ذلك أو كان هو نفسه أو أى من ذويه من هؤلاء الضحايا الذين جاءت اللجنة الدولية لمساعدتهم، فهؤلاء الموظفون ليسوا سوى أبطالاً، نذروا أنفسهم لمساعدة المحتاجين من الضحايا والمتضررين من النزاعات المسلحة حول العالم، ، فهم بالقطع ليسوا طرفاً فى تلك النزاعات، و إنما هم بالقطع أيضاً طرفاً أصيلاً فى الإنسانية، تلك التى تفرض علينا وعليهم أن نساعد الناس من أجل حياة آمنة، من أجل حياة أفضل، بل ومن أجل حياة تملؤها الإنسانية وتخلوا من العنف والدم والقتل... [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود