تلعب منظمات المجتمع المدنى دوراً إيجابياً فى حياة المواطنين، إذ أنها تعد بمثابة قناة مفتوحة تتيح للمواطن العادى المشاركة فى الحياة السياسية، بل وفى صنع القرار، عبر شبكاتها العديدة فى مختلف مجالات الحياة : السياسية، والاجتماعية، والحقوقية. لقد أتاحت المنظمات المدنية فى الحقيقة خروج السياسة من الأطر الحكومية التقليدية، بأشكالها القديمة المعروفة، ( البرلمان، الأحزاب السياسية، الشرطة، أجهزة الدولة المختلفة إلخ...) وصارت فى الوقت نفسه أداة ضاغطة على الحكومات، تحد من تسلطها واستبدادها، وربما لهذا السبب تحديداً، صارت الحكومات تخشاها وتتربص بها، بل وتكيل لها الاتهامات أيضاً فى كثير من الأحيان. وهذه المنظمات التى نشأت بمبادرة من المواطنين، بعيداً عن سيطرة الدولة، ليست فكرة جديدة كما قد يخيل للبعض، بل إنها كانت موجودة فى بلادنا منذعقود طويلة, منذ القرن التاسع عشر وكانت تسمى الجمعيات الأهلية، وبفضلها أقيمت العديد من الصروح العظيمة، نذكر منها على سبيل المثال: مستشفيات المبرة، وجامعة القاهرة وغيرها، لكنها على صعيد آخر تطورت وارتبطت بكلمة المجتمع المدنى وصارت تتمحور حول ثلاث قضايا رئيسية:
القضية الأولى: علاقة المجتمع المدنى بالسياسة، وحدود هذه العلاقة، وكيفية تنظيمها؛ أما القضية الثانية التى أثير حولها أخيرا العديد من التحفظات والاعتراضات, فهى قضية التمويل وخاصة التمويل الأجنبى، وأخيراً قضية المجتمع المدنى العالمى وتطور الدور الذى يلعبه، وتنوع أنشطته واتساع عضويته من مختلف الجنسيات. ثلاثة ظروف جديدة إذن يعيشها المجتمع المدنى، ينبغى علينا أخذها فى الاعتبار ونحن نناقش هذا الملف . بالنسبة لقضية المشاركة السياسية, فقد تقف حدودها عند إبداء الرأى والمشورة وأخذ التوصيات وربما أيضاً إثارة القضايا التى تدعم معها عملية التحول الديمقراطى وكذلك دعم المشاركة المجتمعية فى المجتمعات المتخلفة على وجه الخصوص، وكل هذه الأمور تزيد من وعى الجماهير وتدعم بالتأكيد قضية العدالة والديمقراطية، والأهم من هذا كله أنها تعد بصورة ما أداة مراقبة على الحكومات تأخذها فى حسبانها. أما بالنسبة لقضية التمويل, والذى بات لا يكتفى بالتبرعات والمساعدات واشتراكات الأعضاء كما كان يحدث قبلاً، إذ ظهرت فكرة التمويل الأجنبى. وهى لا تخص بلادنا ومجتمعاتنا فقط، إذ أن منظمات المجتمع المدنى فى أوروبا تتلقى هى أيضاً تمويلاً من الخارج، فمن المسموح مثلاً فى فرنسا أن تتلقى منظمة تدافع عن البيئة تمويلاً من حزب الخضر فى ألمانيا، بل إن بعض الدول الفقيرة طالبت بهذا التمويل كجزء من المساعدات والمعونات كما حدث مع دول الجنوب فى قمة ريو. ونأتى الآن إلى الشق الثالث وهو الدور الذى يلعبه المجتمع المدنى العالمى, والذى اكتسب أهمية بالغة فى حياة الشعوب. والأمثلة عديدة فى الحقيقة: منظمات معنية بمراقبة التعذيب فى السجون، المنظمات الحقوقية التى تتابع حقوق المتهمين وتوفر لهم المحامين، منظمة حقوق الإنسان الدولية ،أطباء بلا حدود، منظمة العفو الدولية .. وغيرها. وهى جميعها منظمات تحاول جاهدة تكريس العدالة والحرية فى دول العالم، وربما إحراج النظام المحلى أمام المجتمع الدولى إذا لزم الأمر حينما يتعلق الأمر بجرائم وتعديات وتعذيب فى السجون.. ورغم إيجابيات الظاهرة, فإن لها جوانب شائكة تتطلب مزيدا من الجهد والتفهم من جانب الحكومات والمزيد من التعاون الدولى لتقنين هذه المنظومة المهمة ودعمها.