وفقا للغة الأرقام، تعد مصر «دولة شابة» ،حيث يشكل الشباب حتى 35 عاما ما يتجاوز ثلث تعدادها السكاني، ورغم أن فعل «الثورة» تكرر فى مصر مرتين خلال ثلاثة أعوام، وهو فعل «شاب» بالدرجة الأولى، فإنه بعد هدوء الأوضاع واستكانتها، ننسى ما تمردنا ضده فقمنا بثورة من أجله.. فبنظرة سريعة متفحصة داخل أروقة مؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة، خاصة فى الصفوف الأمامية، لن نلحظ وجودا لأى وجوه شابة، وعندما يحين دور الشباب وفقا للنظام «البيروقراطى العتيق» يكون المشيب قد غزا رؤوسهم ، وأصيبوا بحالة لا مفر منها من التكلس والجمود، وهكذا ندور فى ذات الحلقة المفرغة، لتطالب الأجيال الجديدة بما طالب به آباؤهم من قبل! بعض الوزراء تحلوا بالجرأة واعتمدوا على الشباب ،لكنها تظل مبادرات فردية وليست سياسة عامة.. الاسباب نناقشها فى التحقيق التالي.. الدكتوره آية ماهر- استاذ الموارد البشرية بالجامعة الالمانية -تؤيد بشدة فكرة إيجاد صف ثان من الشباب الذى لا تزيد سنه على 35 عاما، بحيث يتم اسناد «مهمة» محددة له ولتكن لمدة عام، ثم يتم تقييمه ومدى كفاءته فى انجاز ما أسند اليه من مهام، بحيث يتم اكتشاف جيل يصلح للمواقع القيادية ، ولديه القدرة على التعامل مع المواقف المختلفة واتخاذ القرارات والتعامل مع انماط مختلفة من البشر، بحيث «يتمرمغ» اداريا، ويكون مؤهلا فى يوم ما من التقدم للصف الاول. تعديل تشريعي لكن مع ذلك والكلام للدكتورة آية- لا يمكن فى هذه المرحلة تحديدا ان نتخلى عن اصحاب الخبرات والاعتماد على الشباب فقط، فالمرحلة الانية لا تحتمل التجريب، بل بحاجة الى كل الاجيال «حكماء- جيل الوسط الشباب» وصحيح ان الشباب لديه الحماس والنشاط لكنه يفتقر للخبرة، وهنا يقع العبء على الجيل الاكبر فى تلقف الشباب وتزويدهم بالخبرة كأن يتم اختيارهم مساعدين للقيادات، وتضيف لكن للاسف من بين هؤلاء من يقاوم التغيير ويتمسك ب«الكرسي». وتلفت الدكتورة آية النظر الى بعد آخر وهو المتعلق بشيوع فكر «الاقدمية» الذى تعود جذوره الى ثقافة وسيكولوجية المصريين حيث « كبير العيلة او كبير المكان « او ما تسميه هى « سى السيد الادارة المركزية» وهو الفكر الذى يعززه بالاساس قانون الوظيفة العامة الذى يجب تعديله. تقول الدكتورة اية:» رغم وجود محاولات لذلك تمت فى عام 2006 الا انها توقفت وقوبلت بالاعتراض، ومشكلة هذا القانون انه لايسمح بالترقى الا من خلال معيار الاقدمية ،وليس الكفاءة او اى معايير أخرى موضوعية، والسبب ان القائم على الاختيار لا يريد ان يجهد نفسه فى البحث، مع العلم أن 95 % من موظفى الدولة يحصلون على تقدير امتياز فى تقارير الاداء بشكل جزافي، ولهذا اطالب بان يعاد النظر فى قانون 47 لسنة 78 و عمره نحو 40 عاما، حتى يمكن الاستفادة من جيل الشباب، و اتاحة الفرصة أمامه للتمرن على القيادة والادارة». خالد تليمة- كان نائبا لوزير الشباب فى حكومة الدكتورحازم الببلاوى - يؤكد أن تمكين الشباب ليس أمرا مستحيلا لكنه يتطلب مزيدا من الوقت، حتى يتقبل المجتمع فكرة تولى الشباب للمناصب القيادية، رغم انه يتناسى ان الزعيم جمال عبد الناصر تولى حكم مصر وهو فى مطلع الثلاثينيات من عمره، واعتبر تليمة ان العائق الان هو «التعليم» حيث يرى ان مخرجات التعليم المصرى «سيئة» ، وهنا يقع العبء على الاحزاب ومنظمات المجتمع المدنى لتأهيل الاجيال الجديدة وخريجى الجامعات وتزويدهم بمهارات القيادة والادارة، لكن مع ذلك- كما يرى تليمة- هناك شباب «رائع » تلقى تعليما جيدا ، ويمكن الاعتماد عليه، لكن المشكلة هى منظومة التشريعات التى تنظم تولى الوظائف القيادية، مطالبا البرلمان القادم باعادة النظر فيها، فيقول: جئت نائبا لوزير الشباب وهو منصب سياسى وليس وظيفيا، بحكم نشاطى السياسى والمشاركة فى ثورة يناير، اى انه اختيار رئيس الوزراء وهو المسئول عنه، اما وكلاء الوزارة ومديرو العموم فهى مناصب وظيفية تخضع لاصول الترقى وفقا للوائح الادارية، و هذا ما يفسر انى استطعت الوجود فى هذا المنصب رغم سنى الصغيرة. الكفاءة هى المعيار د.هانى مهنى كان نائبا لوزير التضامن الاجتماعى فى حكومة الدكتور الببلاوى ايضا- ويعد نموذجا اخرا لتقدم الشباب للصفوف الاولى.. كان له هو الاخر نشاط سياسى واجتماعى وشارك فى ثورة يناير، يقول هاني:» وزارة التضامن فى عهد الدكتور احمد البرعى تبنت نهج تمكين الشباب بشكل كبير، حيث تم انشاء مكتب فنى يضم حملة الماجستير والدكتوراه ممن هم تحت سن 40 عاما فى مختلف التخصصات التى تحتاج اليها الوزارة، مشيرا الى ان الاعتماد على شباب من خارج الوزارة لا يعنى اهمال من يعملون بها من الاصل، لكن لايعنى هذا ان يتم استبعاد أى كفاءة من الخارج، خاصة فى المواقع ذات الطابع السياسي، وليس الفنى او الوظيفي، فهذه الاخيرة من حق ابناء المكان، اما الجزء المتعلق بوضع خطة اوسياسة او استراتيجية فيجب الاعتماد فيه على الخبراء ايا كانت خلفياتهم او اعمارهم، ومن خلال تجربته فى الوزارة مع زملائه، يرى مهنى ان الشباب مجتهد ويحاول ان يثبت كفاءته فى وقت قصير ولديه الاستعداد للعمل ليلا نهارا، ولهذا يتمنى ان تتوسع التجربة بين الوزراء والمحافظين ومختلف الهيئات ومؤسسات الدولة، معولا آماله على مفوضية الشباب التى تم النص عليها فى خارطة الطريق. ناصر عبد الحميد- أحد مؤسسى ائتلاف شباب الثورة - يعتقد ان الاعتماد على الشباب فى المرحلة المقبلة يتوقف على توجه الدولة فى نظامها الجديد الذى سيتشكل بعد اختيار رئيس وبرلمان وحكومة، مشيرا الى ان الدستور وضع حجر الاساس بان خصص 25% من مقاعد المجالس المحلية للشباب. ويلفت عبد الحميد النظر الى انه عند المطالبة بتولى الشباب لمناصب قيادية، فلا نعنى حديثى التخرج، حتى لا يتم الرد علينا بأنهم يفتقدون الخبرة، فهناك خريجون دخلوا سوق العمل منذ مدد تتراوح بين 5 و10 سنوات ومازالوا شبابا أيضا.