لأن رياح ثورات الربيع العربي انطلقت بقوة الرغبة الشعبية في معظم الأقطار العربية طلبا للتغيير والإصلاح ورفضا للفساد والاستبداد فلقد بات محتما أن تجتهد مؤسسات المجتمع المدني نفسها من أجل صياغة مشروع عربي لأجندات التغيير استنادا إلي أرقام ومعلومات دقيقة وصحيحة. وإذا كانت الدراسات والتقارير الرسمية العربية بما فيها تقارير التنمية للأمم المتحدة علي مدي عدة سنوات قد بررت غياب الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية وتضاؤل فرص أمام الشباب بدعاوي انشغال الأنظمة العربية بمكافحة الإرهاب فإن ذلك لم يكن توصيفا دقيقا للحالة العربية وأسباب تنامي الشعور بالاستفزاز المختلط بكل أجنحة اليأس والإحباط نتيجة الجمود السياسي والتراجع الاقتصادي والترهل الاجتماعي المصحوب بأحاسيس العجز عن تحمل مظاهر الانحياز الأمريكي لإسرائيل علي حساب الشعب الفلسطيني. إن المناخ الجديد الذي أفرزته رياح الربيع العربي لابد أن يكون دافعا لأحداث التغيير الحقيقي الذي تحتاجه الشعوب العربية لإنجاز مشروعها النهضوي من ناحية وإجهاض محاولات التدخل والوصاية الأجنبية من ناحية أخري.. وهذا المشروع النهضوي لا ينبغي أن يكون فقط بيانا سياسيا متخما بالمباديء العامة باسم الديمقراطية والحرية الاقتصادية واحترام حقوق الإنسان وزيادة دور المرأة, وإنما المشروع الذي تنتظره الشعوب العربية والإسلامية هو القواعد والأحكام التي تنظم هذا الإصلاح وتضمن قابليته للتطبيق بارتضاء شعبي عميق يستند إلي المخزون الديني والثقافي والتاريخي لهذه الأمة! ومرة أخري أجدني مضطرا لإعادة التأكيد بأن التغيير المنشود لن يتحقق بصيغة القرار, وإنما التغيير الذي يمكن له أن يعيش وأن يدوم وأن يحقق الأهداف والمقاصد المرتجاة منه هو الذي يولد من خلال تفاعل وحوار وتوافق تشارك فيه جميع القوي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية بروح الرغبة في صد واحتواء المخاطر والتهديدات وليس بروح المساومة أو تسجيل المواقف والمزايدات! والتغيير رحلة عمل ينبغي قبل الانطلاق إليها أن نعرف جيدا من أين سنبدأ وإلي أين سننتهي حتي لا يتبدد جهدنا في البداية فيطول الطريق أو تغيب عنا نقطة النهاية فنتوه في بحر من الرمال المتحركة ونظل أسري الإحساس بأننا لم نصل إلي حيث كنا نريد! خير الكلام: لن يعرف طريق الشفاء من يعرف حقيقة الداء ولا يسعي لتعاطي الدواء! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله