خيارات صعبة بلاشك تنتظر الرئيس المرجح عبدالفتاح السيسي، ولعل أبرزها كيفية التحرك لإصلاح أوضاع مزمنة تتطلب «البتر» ولا يكفى فيها «الترقيع»، لأن الثقوب باتت عصية على أى محاولة «للرتق»! وفى الساحة السياسية هناك دائما من يذكره «الرئيس الجديد لن ينسى أن رئيسين سبقاه إلى السجن»، والبعض الآخر يقول له «الغرب احتاج 200 سنة للفصل ما بين الدين والدولة، ونحن نأمل تحقيق ذلك فى وقت معقول»، وفى المقابل يرد السيسى «أنا مرشح لوطن فى خطر.. ولو خرج الناس ضدى فسأرحل» وعندما يهمس البعض ويصرخ البعض الآخر من «دولة الفساد» فإن المرشح عبدالفتاح السيسى يقول بقوة «قادر على محاربة الفساد»، وعندما يغمز البعض من ناحية أهل الثقة وأهل الخبرة يقول «لست مدينا لأحد» وأن فريقه الرئاسى سيعتمد فى اختياره على «أصحاب مواصفات من الكفاءة المهنية العالية والاخلاص والأمانة والشرف والقدرة على العمل فى ضوء هذه المواصفات فى القطاع المدني». وأغلب الظن أن السيسى يمتلك بالتفصيل «خريطة أوجاع الوطن»، وبات واضحا الآن أنه يمتلك رؤية واضحة للعلاج أبرز ملامحها: «الالقفز» وليس الجرى بات مطلوبا وبشدة، «الفقر أو العوز» هو جوهر كل الشرور فى المحروسة، «الأمن شرط الاستقرار»، «أحلام كبري» وليس «حلول صغري». البيروقراطية التى تسير بسرعة «السلحفاة» هى ما أوصلت الأمور إلى هذه المرحلة الخطيرة والمعقدة. ولعل أهم أسلحة السيسى هو «الشعب» فثمة «رابط عميق» ما بين الرجل وجموع غفيرة من الشعب المصري، وهو ما يجعله يدرك ان «التهديدات التى واجهت الشعب المصرى تلزمه بحمايته من المخاطر والتهديدات»، وأن «بسطاء المصريين هم من استدعونى لرئاسة الجمهورية، وأعد المصريين بتحسن أحوالهم خلال عامين فقط». وأغلب الظن أن هذه «العلاقة الخاصة» ما بين السيسى والشعب المصرى هى ما يوفر له الحماية، والأهم هو ما يوفر عليه أى ابتزاز سواء من الخارج أو الداخل بدفع «أى ثمن» أو «تسديد فواتير». إلا أن «وصفات العلاج المر» سوف تفتح «أبوابا من الجحيم» من قبل أهل الفساد الذى تمدد، وليس صحيحا «أن الفساد فى المحليات للركب» فقط، بل نحن نعيش فى «دولة الفساد»، و«ثقافة الفساد»، وهذه لعمرى «معركة وطن بأكمله» وليست «معركة أو معضلة السيسى بمفرده». والرجل يدرك حجم المعركة ضد الفساد، ويؤكد أنه لن يسمح بوجود فساد فى دولة يحكمها، وانه سيعمل فى حال وصوله لرئاسة الجمهورية على مواجهة المافيا التى تتاجر بالأراضي، وبأقوات المصريين قائلا «مافيش حاجة اسمها مافيا تتحكم فى المواطن، وأنا قادر على محاربة الفساد، ووضع آليات لضبط الأسعار». وهنا لابد من التوقف طويلا أمام مقولة بليغة تقول «إن الثورة يصنعها الثوار وتهزمها البيروقراطية»؟! ونحن هنا لسنا أمام «القطط السمان» بل أصبحنا فى مواجهة «أبقار مقدسة» و«ديناصورات متوحشة».. فإذا لم نكن مدركين فان على المرء أن ينظر حوله فقط «للذين يحتكرون استيراد اللحوم»! وهنا السؤال المشروع يفرض نفسه «هل يقوى المشير السيسى على كسب المعركة ضد دولة الفساد؟ الإجابة سنعرفها قريبا عند ومساكه بمقاليد الأمور، إلا أن الرجل يهمس لنا» أنه رئيس مستدعى لوطن فى خطر، وأنه مستعد لتحمل المسئولية، ولكن من خلال منظومة عمل جماعية. وهذه باختصار «مناشدة» لدعمه لأن الوطن فى خطر، وانه بحاجة لكى يحارب الجميع فى معركة الوطن. وأغلب الظن أننا بلاشك سوف نكسب المعركة ضد الخارج ومؤامراته، إلا أن معركتنا الأصعب هى مع الداخل، وقوى الشر: «الفساد» و«الفاشية الدينية» و«ترهل الدولة»! ويبقى أن المرء يتمنى أن يكون حظ مصر أفضل من حظ الاتحاد السوفيتى فى عهد جورباتشوف، ولقد كتب سمير عطاالله أن جورباتشوف أراد إخراج روسيا من المأساة التى تلاحقها، ولكنه عندما بدأ الإصلاح وجد أن الاهتراء ضرب الهيكل الحديدى برمته. تساقطت المفاصل دفعة واحدة فور أن لامسها الهواء! ويعقب عطا الله وهذا ما ادركه أهل النظام العربى عندما تلقوا نصائح وعرائض تطلب شيئا من الانفتاح. هذا نظام لا يحتمل اتساع الانفتاح، وهم على حق. هيكله ينخره الصدأ! وأغلب الظن أن هذه هى جوهر معضلة الرئيس السيسي: هيكل ودولاب الدولة ينخره الصدأ، ومافيا الفساد والبيروقراطية تريد بقاء الحال على ما هو عليه، والفاشية الدينية تريد رأس السيسى وفشل مشروعه، والنخبة تقول كلاما مقعرا لا علاقة له بالواقع، وأهل الكفاءة يحاربون ويستبعدون، والشعب ينتظر السيسى نظرا لأنه أمله فى الخروج مما هو فيه. ولعمرى تلك هى المعضلة، ولكنها معضلتنا جميعا! لمزيد من مقالات محمد صابرين