"أسلوب حياتنا من حيث النظام الغذائى والسلوك والإجهاد والنشاط البدنى والمشاعر وعادات العمل والنوم والتدخين، يؤثر بشكل مباشر على عمل الجينات الموروثة".. هذا ما كشفت عنه د.ملك شاهين أستاذة طب الأطفال بجامعة عين شمس فى المؤتمر الدولى للكلية، إذ أكدت أن العلم الجديد هو علم ما قبل الجينات الذى بدأت من خلاله تتكشف حقائق جديدة. نعلم أن بداية الخلق هو أن يلتقى الحيوان المنوى بالبويضة لينتج أول خلية فى جسم الانسان، وفى داخلها شفرة دقيقة الصنع تحمل كل صفات الكائن الجديد كخليط من صفات الاب والأم والجدود، وهى محفوظة بعناية شديدة ومغلفة ومطوية فى غلافات بروتينية شديدة الدقة لتحفظ شفرة شديدة الطول، ولكنها مطوية بعناية داخل نواة الخلية. ولو استطاع العلم أن يفرد الشفرة الوراثية بداخل خلية الإنسان بفك طى الحامض النووى الذى يحمل كل جينات الإنسان الموروثة ليمتد كشريط مستقيم.. لاستطاع ذلك الشريط الممدود أن يدور حول الكرة الأرضية مرتين على الأقل، لذلك فإن الحامض النووى للإنسان مطوى على نفسه على أجسام بروتينية تسمى (هيستون)، لضمان بقاء الحامض النووى محفوظا بعناية، وقد اكتشف العلم الحديث أن هذه الطيات تؤثر على عمل الحامض النووى. وأشارت إلى أن الدراسات أثبتت أن الجين الموروث لا يعمل إلا إذا تم فك طيه حتى يصبح شريطا، وقابلا للنسخ، وهى العملية التى تسمح بإظهار تأثير الجين. وتضيف د.ملك: من خلال علم Epigenetics فسرنا كثيرا من الظواهر التى حيرت العلماء.. وكمثال على ذلك وجود توائم متشابهة يكون لها نفس الشفرة الوراثية، والتشابه التام لها فى لحظة الميلاد.. ولكن إذا نشأ كل من عنصري التوأم فى بيئة مختلفة نجدهما يختلفان بشدة فى الشكل والذكاء، وحتى في الإصابة بالإمراض المختلفة برغم أن شفرة صفات كلاهما الموروثة صورة طبق الأصل لكل منهما. هذا يُفسر بأن هناك عوامل تسمح للصفات الموروثة بالظهور أو المنع لذلك فكثير من مؤثرات البيئة المحيطة يتحكم فى إظهار أو تثبيط صفات الإنسان.. البعض يظهر الجيد، والبعض يؤدى الى الأمراض، والاعتلال. ومن هذه المؤثرات هو الغذاء، فهناك أطعمة كثيرة أثبت العلماء قدرتها فى منع مرض السرطان وتأخير الشيخوخة ومنع العديد من أمراض المناعة، وهذه الأطعمة هى الثوم، والبروكلى، والشاى الأخضر، والعنب الأحمر، واللحم البتلو، والسمك، والكارى، بالإضافة إلى بعض الفيتامينات التى أثبتت التجربة أنها تقى من كثير من الامراض مثل حمض الفوليك الذى ننصح به كل أم حامل لأنه يساعد على تكوين جنين سليم.ومن العوامل المؤثرة على الجينات النشاط والمجهود، فالحركة والنشاط يساعدان على تنشيط الجينات الجيدة وتقى من كثير من الامراض. ثم تأتى المشاعر والضغوط النفسية لأن المشاعر الإيجابية والتفاؤل يؤديان إلى الحماية من كثير من الأمراض، ويمنعوا ظهور الصفات الموروثة غير الجيدة، ولكن أثبت علم Epigenetics أن التعرض لبعض الضغوط النفسية لبعض الوقت يؤدى الى تأثير إيجابى على صحة الإنسان، والوقاية من الأمراض فهو يعمل عمل التمارين الرياضية لعضلات الإنسان، إذ يزيد من مقاومة الجسم، وقدرته على مقاومة الأمراض، والعوامل السيئة فى البيئة، ولكن بشرط أن تكون هذه الضغوط على فترات، وغير مستمرة، وتتبعها فترة من الراحة. ومن العجيب أن علماء علم Epigenetics نصحوا بالتعرض لفترات من الصيام على نحو مماثلة لحماية الجسم من الأمراص. ومن العوامل التى يظهر تأثيرها النوم.. فقد أثبتت الدراسات أن الحرمان من النوم، وأن تغيير جدول النوم من الليل إلى النهار يؤدى إلى تأثير سلبى شديد على جينات الانسان، ويساعد بطريقة مباشرة على الإصابة بالأمراض. وهناك التدخين والكحوليات وملوثات البيئة، ولها تأثير مباشر على الإصابة بالأورام السرطانية، واختلال توازن الإنسان، واستخدام الأدوات البلاستيكية فى الأطعمة، مما يؤدى إلى اختلال فى عمل الجينات بداخل الجسم، وخاصة للأم الحامل مما يؤثر على الأجنة.