بعد صمت طويل ، تاركا الأمر برمته لأتباعه ومريديه للتحدث فيه، أخيرا رفع الغطاء عن النية المبيتة، واعلن حزب العدالة والتنمية، تأييده لترشيح رجب طيب اردوغان لمنصب رئيس الجمهورية . وفى مشهد لا يوجد فى المجتمعات الديمقراطية الاوروبية تحديدا ، والتى يريد أردوغان أن تكون بلاده جزءا لا يتجزأ منها، ظهر الزعيم وكانه المتمنع ، والشعب هو الذى يريده ، ولهذا استجاب. ولإرضاء الأخير سيفعل كل ما فى وسعه حتى لا يصبح المنصب شرفيا برتوكوليا، فرئيس الجمهورية لابد أن «يركض ويعمل ليل نهار» هذا ما قاله نصا فى آخر لقاء ضمه مع الهيئة البرلمانية لحزبه التى لم تبخل فأمطرته تصفيقا حادا مع ترديد لشعارات من جوقة، إعتلت الشرفات تمجد بمنقذ البلاد وحاميها ولا بأس من نقل الصبغة الشرفية لرئيس الحكومة الجديد والذى سيصبح كبير موظفى بسراية أردوغان . وهو أمر يدعو للعجب، فالرجل لم يكن يمل أبدا من تكرار كم هو زاهد فى السلطة ومتاعبها التى لا تنتهى أما تأكيده بأنه سينسحب تماما من الحياة السياسية فى حال لم يتربع على القائمة متصدرا الانتخابات المحلية التى جرت وقائعها فى الثلاثين من مارس المنصرم فهذا لأنه كان على يقين أن نتائج الاستحقاق ستأتى وفق ما تم التخطيط بشأنه والإعداد له بعناية على مدار شهور، وهو ما حدث بالفعل بل وحتى تكتمل فصول البهجة سيظهر وأنه فوجئ هو شخيصا ، إنها ليست مزحة مع الأسف بل هى الحقيقة، وتشهد على ذلك ممارساته التى لا تنتهى وتوضح بجلاء مدى تعطشه للسلطة. ولعل كاتب تلك السطور يتذكر حديثا مباشرا ل «أرشد هورموزلو» المستشار السياسى للرئيس «عبد الله جول» فى شهر يوليو 2010 ، قال فيه بالحرف الواحد: «ان جول لن يمانع فى ترك منصبه لصديقه اردوغان»، كان ذلك على خلفية الجدل والصخب والضغوط التى قام بها أعضاء العدالة الحاكم لإفساح المجال أمام زعيمهم لإعتلاء القصر الجمهورى فى خريف 2012، الذى صادف إكتمال السنة الخامسة، وبالتالى نهاية فترة حكم «جول» وفقا لتعديلات صنعوها خصيصا لهذا الغرض وأجريت على الدستور آنذاك. غير أن مفاجأة نزلت كالصاعقة على العدالة وزعيمه معا، فكلاهما لم يتخيل قط هذا السيناريو الذى خبأته لهم المحكمة الدستورية العليا، ولو كانوا يعلمونه لما هرولوا من أجل تغيير عدد من نصوص الدستور الذى وضعه العسكريون الأترك عقب إنقلابهم فى عام 1982 بوضع أخرى أكثر تفصيلا على «مقاس» أردوغان. فعلى حين غرة ، ودون إنذار أقرت المحكمة أن فترة رئاسة جول سبع سنوات طبقا للآلية التى رشح من خلالها عام 2007 ، وهى إنتخابه أسوة بإسلافه وأخرهم أحمد نجدت سزر ، عن طريق البرلمان على أساس الدستور قبل التعديل، وليتها إكتفت بذلك بل قالت إن الرئيس الحالى يحق له لو أراد أن يترشح لفترة ثانية لمدة خمس سنوات وبالتالى يستفيد من التعديلات التى لم يسع لها. لكن اردوغان سيفيق ويتنفس الصعداء ، فقد كان على وشك أن يكرس لقاعدة مؤداها أن اى مسئول سواء فى القيادة العليا لحزبه أو نائبا برلمانيا ، لا يجب أن يمضى فى منصبه أكثر من فترتين ، لكنه عدلها لتصبح ثلاث ليستفيد منها وتنتهى مع العام الحالى 2014، موعد المارثون الرئاسى ، ويده على قلبه فى ألا يعاند رفيق دربه جول، ويقبل تبادل الادوار بتولى رئاسة لحكومة تاركا له العرش الجمهورى، وعلى اية حال أوعز لمقربين منه ، بدء حملة ضد من كان صديقا لعلها تجدى وبالفعل ، خرجت أصوات من العدالة بتصريحات وصفت بأنها جارحة قالت يكفى جول الرئاسة 7 سنوات، ولم يعد له مكان فى الحزب (الذى شارك فى تأسيسه) ولسنا مدينين له بشئ. ولكن لماذا كل هذا الرعب ؟ الاجابة ببساطة ستكون فى صيغة سؤال آخر أن لم يتحقق مخططه الذى يعد له منذ سنوات فماذا سيفعل؟ والفترات الثلاث إنتهت، وليس هناك فى الأفق مدها، فهل سيضع نهايته بيده بعد كل ما فعله؟ وتاتى الذكرى المئوية للجمهورية فى عام 2023، وهو ليس على كرسى النفوذ؟ ومن ثم يتوارى معتزلا السياسة، وليصبح طمعا ونهبا لخصومه؟ أم أن يهدم المعبد على كل من فيه ؟ المحصلة إجمالا، تشير إلى إرتباك المشهد السياسى يزيد من غموضه ما يتردد من أنباء معظمها عكس ما يرغب فيه القائمون على صنع القرار ففى نهاية الاسبوع، يوم الجمعة الفائت نفى المستشار الاعلامى لرئاسة الجمهورية التركية ، أحمد سيفر، ما تناقلته وسائل الاعلام حول اتفاق رئيس الجمهورية مع رئيس الوزراء خلال لقائهم الأخير على اسم المرشح الذى سيخوض الإنتخابات الرئاسية فى العاشر من أغسطس القادم ، والتى ستجرى للمرة الاولى من خلال الاقتراع المباشر. وأكد سيفر، بأن جميع السيناريوهات التى نشرتها وسائل اعلام محلية بهذا الصدد لا تعكس حقيقة الواقع حسب وصفه غير أنه أشار إلى أن جول وأردوغان سيلتقيان قريبا لمناقشة الأمر ، ووفقا لصحيفة ميلليت الصادرة ذات اليوم أرجع عدد من المراقبين السياسيين دون أن تسميهم نفى المستشار الإعلامى بأن هناك رغبة للرئيس الحالى جول بترشيح نفسه لولاية ثانية على عكس ما يتردد بشدة الآن فى الحياة السياسية. ولمزيد من الضبابية رفض رئيس الجمهورية التركية عبد الله جول الصيغة الروسية " بوتين وميدفيديف لتبادل السلطة وقالت صحيفة حريت ان جول لايريد رئيس وزراء وهمى يتلقى تعليماته من اردوغان بحال تبادل الادوار ، وهذا هو بيت القصيد!!